حادث "أبو مقار" بمصر.. هل يخرج صراع شنودة والمسكين من القبر؟

دير الأنبا مقار
دير أبو مقار يمتد على مساحات شاسعة شمال غرب القاهرة (الجزيرة نت)

أحمد حسن-القاهرة

عاد الحديث عن صراعات بالكنيسة المصرية إلى الواجهة من جديد بعدما نفى الراهب فلتاؤس المقاري تهمة قتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير "أبو مقار"، في حين قام رأس الكنيسة الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني بزيارة للدير.

ورغم المساعي الكنسية للتغطية على الحادث بتصدير خطابات إعلامية تتناوله من جانب جنائي فقط، فإن فرضية تصفية الحسابات الفكرية والعقائدية ظلت قائمة، وفق مراقبين يرجعون ذلك إلى تاريخ الدير المعروف بـ"تمرده" على الكنيسة المصرية.

وفي هذا الصدد، ربطت تقارير صحفية محلية وناشطون أقباط بين الحادث والصراع الكنسي التاريخي بين البابا الراحل شنودة الثالث، والأنبا متى المسكين، الرئيس الأسبق للدير.

ويعد الدير معقل المدرسة الإصلاحية التي أسسها متى المسكين (1919-2006)، والتي كانت على خلاف واسع مع المدرسة التقليدية، المتمثلة في البابا شنودة (1923-2012)، ومن قبله البابا كيرلس السادس (1902-1971).

غير أن مفكرا قبطيا بارزا استبعد أن يكون الحادث مرتبطا بالخلاف التاريخي بين شنودة والمسكين.

وفي أواخر يوليو/تموز الماضي، قُتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار أمام مسكنه بالدير، وهو الذي كان يواجه اتهامات من قبل تابعي شنودة بإحياء أفكار المسكين.

ويحاكَم حاليا في الحادث اثنان من رهبان الدير، وهما أشعياء (تم تجريده من الرهبنة) وفلتاؤس المقاري، الذي تراجع السبت الماضي أمام القضاء عن اعترافه بقتل رئيس الدير، وذلك في جلسة محاكمتهما التي تزامنت مع زيارة البابا تواضروس للدير ولقائه مع رهبانه.

الراهب فلتاؤس المقاري  متهم بقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار (مواقع التواصل)
الراهب فلتاؤس المقاري متهم بقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار (مواقع التواصل)

الدير المتمرد
يعود تاريخ دير أبو مقار الواقع شمال غرب القاهرة إلى القرن الرابع الميلادي، وتبلغ مساحته الإجمالية نحو 11 كيلومترا مربعا. ولسنوات ظل الخلاف العقائدي قائما بين شنودة والمسكين، إذ لم يقم الأول إلا بزيارات محدودة للدير، كان آخرها عام 2009 بعد وفاة المسكين بثلاث سنوات.

وفي عام 1996 زار شنودة الدير والتقى المسكين، وفق مقطع فيديو وثَّق الزيارة، وآنذاك نقلت تقارير صحفية محلية عن شنودة قوله "ما من مرة مرض فيها المسكين إلا وزرته، لكن العقيدة شيء والعلاقات الاجتماعية شيء آخر".

وامتد الخلاف العقائدي بين شنودة ومدرسة المسكين بعد وفاة الأخير، إذ استقال الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط السابق، من رئاسة دير أبو مقار، وهو يعد أحد أبناء مدرسة المسكين.

وجاءت الاستقالة احتجاجا على إلباس البابا شنودة رهبان الدير قلنسوة (غطاء رأس الرهبان) -وكان يرفضها المسكين- خلال زيارة شنودة للدير عام 2009.

وفي مارس/آذار 2013، أجريت انتخابات لاختيار رئيس جديد للدير بمبادرة من الأنبا ميخائيل؛ أسفرت عن اختيار الأنبا إبيفانيوس، أحد المحسوبين على متى المسكين، لتعود مناوشات الجبهتين من جديد.

الأنبا متى المسكين خاض صراعا طويلا مع البابا شنودة (مواقع التواصل)
الأنبا متى المسكين خاض صراعا طويلا مع البابا شنودة (مواقع التواصل)

صراع طويل
الصراع بين شنودة والمسكين يعود إلى ستينيات القرن الماضي، وبعيدا عن التفاصيل اللاهوتية المعقدة يكمن الصراع في أن المسكين كان ميالا إلى انحصار الدور الكنسي في الشق الديني، على خلاف شنودة الذي سعى إلى توسيع سلطة الكنيسة ودورها السياسي.

كما كان المسكين ميالا للانفتاح على الكنائس الأخرى على خلاف انزواء شنودة بالكنيسة الأرثوذكسية بعيدا عن كنائس الغرب.

وفي عهد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات (1970-1981)، استفاد المسكين من قرار عزل شنودة والتحفظ عليه في دير وادي النطرون (شمالي مصر)، غير أنه وفق تقارير كنسية رفض اقتراحا من السادات بخلافة شنودة في الباباوية.

ومع رحيل السادات، سعى سلفه حسني مبارك (1981-2011) إلى تبني سياسة التهدئة مع الكنيسة المصرية، حيث أعاد شنودة إلى منصبه، وبقي المسكين منعزلا في دير أبو مقار، يواجه حملات التشويه، حتى رحيله عام 2006.

كتاب الكنيسة والدولة
لم يكن المسكين على خلاف مع البابا شنودة فقط، إذ سبق أن اختلف مع سلفه كيرلس السادس، إلى حد قيام الأخير بتجريده عام 1960 من الرهبنة لمدة عشر سنوات، إثر رفضه قرار المجمع المقدس بعودة الرهبان إلى أديرتهم.

وكان ذلك أحد أسباب استبعاد المسكين من ترشيحات الانتخابات الباباوية التي فاز بها شنودة عام 1971.

وأصدر المسكين عقب تجريده من الرهبنة آنذاك مؤلفات عدة، من بينها كتاب "الكنيسة والدولة" (صدرت طبعته الأولى عام 1963)، وهو الكتاب الذي أدى إلى اتساع الخلاف بين المسكين وكيرلس ومن بعده شنودة.

وفي الكتاب، هاجم المسكين الكنيسة، لما وصفه "بمنازعة" الدولة، محذرا من صدام بين الطرفين، وهو ما اعتبرته الكنيسة تحريضا عليها.

وفي مقاطع فيديو تعود لتسعينيات القرن الماضي، رصد شنودة نقاط خلاف عقائدية بينه وبين المسكين ورهبان أبو مقار، تمثل أغلبها في أمور كهنوتية معقدة تدور حول "تأليه الإنسان" وتفسير النصوص الإنجيلية.

ورد شنودة على سبب عدم تجريده المسكين من الرهبنة بأنه "لا يريد أن يقال إن الكنيسة اضطهدت أحدا، بل على العكس الكنيسة صبرت وتحملت منه البدع والتضليل والإهانات".

لم تتوقف الحرب بين الطرفين بموت المسكين وشنودة، بل اشتعلت مجددا مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتبارى صفحات وحسابات محسوبة على الجبهتين يتابعها الآلاف، في اتهام الطرف الآخر "بالهرطقة والكفر".

وتتهم الصفحات المحسوبة على جبهة شنودة رئيسَ دير أبو مقار المقتول إبيفانيوس بأنه تلميذ للمسكين، و"يؤمن بكل بدعه".

البابا تواضروس يواجه انتقادات من أنصار متى المسكين بسبب علاقة الكنيسة والدولة (رويترز)
البابا تواضروس يواجه انتقادات من أنصار متى المسكين بسبب علاقة الكنيسة والدولة (رويترز)

تواضروس مع من؟
وفي ما يبدو البابا تواضروس محسوبا على مدرسة متى المسكين المنفتحة على الكنائس الغربية، فإنه يلاقي انتقادات من أنصار المسكين بسبب مخالفته لبعض أفكارها، خاصة المتعلقة بعلاقة الكنيسة والدولة.

وفي الوقت نفسه، يلاقي تواضروس معارضة شديدة بين أبناء الجيل الثاني في مدرسة شنودة.

حادث جنائي أم عقائدي
وعن حادثة مقتل رئيس أبو مقار، استبعد الكاتب المتخصص في الشأن القبطي كمال زاخر أن يكون الحادث مرتبطا بكون الدير معقلا للمدرسة الإصلاحية التي أسسها المسكين، وشدد على أنه "حادث جنائي ليست له أية أبعاد فكرية أو لاهوتية".

وحول دور البابا تواضروس، قال زاخر للجزيرة نت إنه "يرجع إلى صفته كرئيس للكنيسة، وبالضرورة له علاقة مباشرة بالأمر".

في المقابل، دوَّن الناشط القبطي المقيم في أستراليا هاني سوريال عبر فيسبوك حول الحادث بأنه "صراع بين الشنوديين (نسبة إلى شنودة) والمتّيين (نسبة إلى متى المسكين)". 

المصدر : الجزيرة