هل سيقدم ترامب على معاقبة السعودية بسبب خاشقجي؟

لوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات "شديدة" على السعودية إذا ما ثبت تورطها في اختفاء أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي دخل قنصلية بلاده بإسطنبول منذ أكثر من عشرة أيام ولم يخرج.

وتحدث رجل البيت الأبيض بلهجة حادة تجاه السعودية، ولكن ذلك جاء تحت ضغوط داخل الكونغرس لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الرياض.

لكن ترامب سريعا ما يستدرك عندما يتعلق الأمر بالمال وخاصة أنه دخل البيت الأبيض بعقلية رجل أعمال، فحديثه منذ ذلك الحين يخضع للحسابات المادية قبل المبادئ والأخلاق.

فقد استثنى الرئيس الأميركي -في مقابلة مع برنامج "ستون دقيقة" لشبكة "سي بي أس"- صفقات السلاح من أي عقوبات وصفها بالقاسية يمكن أن تفرضها واشنطن على الرياض.

علاقات متينة
إن الإدارات الأميركية المتعاقبة تنظر إلى السعودية بوصفها أهم شريك وأكبر مستورد للأسلحة الأميركية، وقد تواصلت الحكومتان في التعاون الأمني وعقد صفقات أسلحة منذ عقود.

وقد أوجدت الاضطرابات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الأعوام القليلة الماضية، تحديات جديدة للعلاقات بين البلدين، وقد حاولت إدارة ترامب تعزيز العلاقات مع قيادات السعودية الذين بدؤوا سلسلة "إصلاحات" محلية.

ويقول جهاز خدمة الأبحاث في الكونغرس في كتاب بعنوان "السعودية.. الخلفية والعلاقات الأميركية"، إن البلدين تمكنا من تجاوز سلسلة من التحديات منذ أربعينيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن المخاوف المشتركة خلال الأعوام الأخيرة من "الجماعات الإسلامية المتطرفة" والسياسات الإيرانية خطت صفحة جديدة من التعاون الإستراتيجي المتواصل.

ونشر الجهاز تفاصيل الاتفاقيات المبرمة بين السعودية والولايات المتحدة منذ عام 2009 وحتى 2016، وهي فترة الرئيس السابق باراك أوباما، موضحا أن الصفقات بلغت قيمتها 130 مليار دولار.

وفي مايو/أيار 2017، وقع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأميركي دونالد ترامب عددا من اتفاقيات التعاون في الرياض، وأعلن البيت الأبيض توقيع اتفاقات تعاون عسكري مع الرياض بقيمة 460 مليار دولار، وقال وزير التجارة السعودي ماجد القصبي إن بلاده منحت تراخيص للاستثمار بالسعودية لـ23 من كبرى الشركات الأميركية.

ومن بين تلك الاتفاقيات، صفقات عسكرية بقيمة 110 مليارات دولار، ستسلم بموجبها واشنطن أسلحة على الفور للجانب السعودي، بالإضافة إلى صفقات تعاون دفاعي بقيمة 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

وقال عنها ترامب في مقابلته الأخيرة إن صفقة الـ110 مليارات دولار هي الأكبر في التاريخ، ويمكن أن توفر 450 ألف فرصة عمل داخل الولايات المتحدة، وإن إلغاءها يعني أن أميركا تعاقب نفسها، مشيرا إلى أن الرياض ستتجه إلى روسيا والصين ودول أخرى لشراء السلاح منها إن عاقبتها واشنطن بتعليق الصفقات المبرمة.

المصالح أولا
وأجمع المحللون السياسيون الذين استضافتهم الجزيرة في برنامج "سيناريوهات" على أن الغرب في شقه الأميركي لن تقوده قضية جمال خاشقجي إلى قطع العلاقة، فبلغة السياسة والمصالح لا شيء يجبر الرئيس الأميركي على محاسبة شريكه السعودي الثري على أي تورط له بقضية خاشقجي.

في هذا السياق، قالت الدكتورة مضاوي الرشيد -وهي أستاذة علم الاجتماع السياسي الزائرة بكلية لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية- إن ترامب يستغل عمليا موضوع خاشقجي لغايات انتخابية، وإنه سيراهن على الوقت وسيبقي على علاقة بلاده بالرياض.

وأشارت إلى أن علاقة واشنطن بالرياض لم تتأثر رغم تدمير الأخيرة بلدا مثل اليمن، "فكيف تتأثر بقضية صحفي؟".

بدوره، رأى لوسيانو زكارا الباحث في مركز دراسات الخليج التابع لجامعة قطر، أن تصريحات ترامب الأخيرة كانت قوية بفعل الضغوط، لكن قراراته وإجراءاته ستكون موافقة للمصالح الداخلية، كما أنه سيحاول التوصل إلى تسوية مع السعودية لإنقاذ ماء الوجه من دون الإضرار بالعلاقة التي تجمع البلدين.

جدير بالذكر أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي دخل قنصلية بلاده في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتقول السلطات التركية إنه لم يخرج من القنصلية، مرجحة مقتله داخل القنصلية، وهو ما تنفيه السلطات السعودية.

لكن الرئيس الأميركي أكد في أحد تصريحاته أنه ليس هناك أي دليل على خروج خاشقجي، ودعا أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي إلى إعادة تقييم العلاقة مع الرياض، ووقف الدعم الأميركي لعمليات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن.

كما طالبت دول أوروبية ومنظمات حقوقية وإعلامية عديدة السلطات السعودية بالإجابة عن مصير الرجل الذي كان يكتب في صحيفة واشنطن بوست الأميركية.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية