المرأة والجنرالات.. معركة موغابي الأخيرة
سيد أحمد الخضر
لم يتوقع السكان أن غدهم سيختلف عن يومهم، فقد عادوا إلى منازلهم في المساء بمعلومة تتكرر دائما وهي أن موغابي مرشح الحزب الحاكم لانتخابات 2018، وأنه لن يغادر القصر إلا إلى القبر وبعد أن يحدد من يرى أنه أهل لقيادة البلاد.
لكن الدبابات والمدرعات وناقلات الجند اندفعت في ساعات الصباح الأولى إلى العاصمة هراري، فطوقت الإذاعة والتلفزيون ومباني الرئاسة والمحكمة العليا والبرلمان.
وبعد أن سطعت شمس الأربعاء أدرك المواطنون أن موغابي يخضع للإقامة الجبرية وأنه لا ينتظر قوة لتخليصه، فقد أبرم العسكر أمرهم وتلوا بيانهم الأول: لقد سيطرنا على الوضع لإنقاذ البلاد من خطر المجرمين المحيطين بالرئيس.
يعود بزوع نجم موغابي إلى عام 1964 عندما حمل السلاح ضد الاحتلال البريطاني لبلاده، مما قاده إلى السجن عشرة أعوام تحول إثرها إلى رمز ثوري في زيمبابوي (روديسيا الجنوبية سابقا) وفي عموم القارة السمراء.
لاحقا، قاد حرب التحرر ضد الاحتلال وألغى حكم الأقلية البيضاء، وترأس حكومة زيمبابوي عند استقلالها عام 1980، ثم شغل منصب رئيس الجمهورية عام 1987.
موغابي الذي عمل أستاذا قبل أن يحمل السلاح، اعتاد أن يملي دروسه على سكان زيمبابوي، فتفرد بالقرار السياسي والاقتصادي وأعلن فوزه في كل انتخابات رئاسية بغض النظر عما يثار حولها من شبهات التزوير والإكراه.
دأب موغابي على إقصاء معارضيه وحتى على قمعهم، وشدد في مناسبات عديدة على أن خليفته في الحكم يجب أن يكون من قدامى المحاربين ضد الاحتلال.
همس الإغواء
لكن محاربة من نوع آخر أغوت الرئيس وخرّبت علاقته برفاق السلاح، فكانت سببا في سقوطه بعد أن صمد أمام كل التحديات الداخلية وتحدى الغرب وتهكم على قادته في مختلف المناسبات.
في السنوات القليلة الماضية أصغى موغابي لهمس زوجته غريس التي تصغره بـ42 عاما فأفسح لها المجال للتأثير في مجال السياسة، رغم أنها لم تُعرف سابقا إلا ببذخها في بلد يعمره الفقر والمرض ويخضع لعقوبات اقتصادية منذ عدة أعوام.
حضرت غريس بقوة في حزب الجبهة الوطنية الحاكم وشكلت قوة سياسية لمواجهة قدامى المحاربين، فتركت بصمتها على اللجان الشبابية والنسوية وحتى على المناصب الوزارية.
وأخيرا، امتد بها جشع النفوذ إلى الطموح لخلافة الرئيس في الحكم وضغطت لتعيينها نائبة له، وهو المنصب الذي يشغله مستودع سره ورفيق دربه في الحرب والسلم إيمرسون منانغاغوا.
وبين "سهام" القصر وبنادق الثكنات، وجد الزعيم روبرت موغابي نفسه في موقف صعب. وبعد فترة من التريث غلبته عاطفته وتجاهل أخطار قوة رفاقه في وضح النهار.
أقال موغابي منانغاغوا وشن حملة تطهير ضد خصومه في الحزب الحاكم، وبدا أن السيدة الأولى قضت على خصومها وأنها في طريقها لخلافة زوجها ريثما يعبر إلى ضفة الموت.
لكن قائد الجيش قسطنطينو تشوينغا أعلن الثلاثاء عزمه التدخل لوقف حملة التطهير في الحزب الحاكم، وقال إنه لن يسمح بأن يخلف موغابي أي شخص لم يشارك في حرب الاستقلال، في تصميم واضح على إجهاض طموح غريس موغابي.
إسدال الستار
أدان الحزب الحاكم تصريح الجنرال واعتبره خيانة عظمى، لأنه ليس من حق الجيش التدخل في شؤون الأحزاب والتهديد بإسقاط حكومة يقول أعضاؤها إنها منتخبة.
لكن ذلك لم يغيّر شيئا، فقد نفذ الرجل وعده في الصباح وسيطر الجيش على الرئاسة والمقرات الحساسة ووضع موغابي رهن الإقامة الجبرية، في حين تحدثت التقارير عن فرار زوجته إلى ناميبيا.
من الوهلة الأولى بدا أن موغابي انزوى إلى ركن قصيّ من ماضي زيمبابوي بعد أن كان يشغل كل زوايا الحاضر ويتأهب لرسم ملامح مستقبل أزيد من 14 مليون نسمة.
وكما يحصل للمستبدين بعد سقوطهم، لم تخرج مظاهرة تطالب بعودة الرجل، بل على العكس ابتهج كثيرون برحيله ومضى آخرون في سبيلهم بحثا عن أمل جديد في بلد تتجاوز فيه البطالة 92%.
وفي تعليق على التطورات، اعتبر النائب تامبا مليزوا أن الانقلاب خطوة دستورية لأنه جاء لمنع زوجة الرئيس من الهيمنة على السلطة وزعزعة استقرار البلاد.
أما القيادي بالحزب الحاكم كودزاي تشيبانغا فتراجع فورا عن تخوين الجيش، وطلب الصفح من الجنرال تشوينغا قائلا "ما زلنا صغارا نرتكب الأخطاء".