التعليم العربي بمالي.. تاريخ مشرق وواقع صعب

نظم باللغة العربية في تعليم لغة الفولان في مالي معهد أحمد بابا باماكو 6-6-2016 الجزيرة نت
نظم باللغة العربية في تعليم لغة الفولان في مالي بمعهد أحمد بابا بالعاصمة باماكو (الجزيرة نت)

أحمد الأمين-باماكو

ظلت لقرون عديدة لغة الملوك والحكام في مالي ومحيطها.. بحروفها كُتِبَتْ لهجات القوم، وبها وثقوا أحداث حياتهم وعقود معاملاتهم، سيطرت على الحياة الثقافية في منطقة شاسعة في هذا الإقليم من أفريقيا، حتى أصبح أهله يستخدمونها في تعليم لغاتهم المحلية من خلال "الأراجيز".

منذ دخول الإسلام إلى أفريقيا في القرن الأول الهجري وحتى أواخر القرن الثالث عشر سيطرت اللغة العربية، وكان تأثيرها عميقا في المجتمع، بوصفها لغة القرآن ووعاء الإسلام، فازدهر التعليم العربي بفضل المدارس القرآنية التي ميزت مالي عبر تاريخها خاصة أيام ازدهار الحواضر الثقافية في تمبكتو، و"جني" و"السوق".

لكن تصدر المدارس العربية للمقاومة ضد المستعمر عرَّضَها وشيوخَها لحرب ممنهجة من الفرنسيين، بيد أن الأخيرين لم يستطيعوا القضاء عليها، فظل التعليم العربي يحظى بمكانة متميزة لدى الشعب المالي، مما أرغم الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال على التعاطي مع هذا الواقع.

وفي ظل دولة الاستقلال حافظت المدارس القرآنية على مكانتها فشكلت رافدا للتعليم العربي الذي بدأ يخطو في اتجاه الترسيم والإدماج في التعليم العام الحكومي، من خلال خطوات عرفت الكثير من المد والجزر.

ومنذ العام الدراسي 1985-1986 أدمجت المدارس العربية في النظام التربوي الحكومي، وتم استيعابها في امتحان الشهادة الابتدائية تحت إشراف وزارة التربية.

"كان" قال إن عدد المدارس العربية الخاضعة لنظام وزارة التربية يتعدى ألف مدرسة

ألف مدرسة
ويقول إبراهيم عبد الله كان رئيس دائرة التعليم العربي في وزارة التربية المالية إن "هذا التعليم شهد تطورا ملحوظا في العقدين الأخيرين خاصة على مستوى التنظيم والإدماج، حيث بات اليوم جزءا من المنظومة التربوية العامة، وهو ما انعكس إيجابا على مخرجاته".

ويضيف كان في حديث للجزيرة نت أن عدد المدارس العربية الخاضعة لنظام الوزارة يتجاوز ألف مدرسة، وقال إن هناك عددا كبيرا آخر يطبق النظام المزدوج الذي يدرس اللغة العربية كمادة، فيما يدرس التلاميذ بقية المواد باللغة الفرنسية. ويرى أن ذلك سيساهم في الحفاظ على حضور العربية أكثر في التعليم.

وعلى المستوى الجامعي يقتصر حضور التعليم العربي على قسم بكلية الآداب، يلزم الدارسون فيه باختيار الإنجليزية أو الروسية لغة ثانية إجبارية، لدعم قدرات الخريجين ومعارفهم، حسب رئيس القسم عبد الله موسى برزي ميغا.

ويقول ميغا في حديث للجزيرة نت إن "دراسة لغة أخرى يمنح خريجي القسم فرصا أكبر للاندماج في سوق العمل، والحصول على وظائف في القطاع العام، وذلك يضمن حضور هذه الثقافة في موقع القرار، ويحد من تفرد المفرنسين (الدارسين بالفرنسية) بالشأن العام".

‪مختار محمد محمود المنسق التعليمي بمكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي‬ مختار محمد محمود المنسق التعليمي بمكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي (الجزيرة نت)
‪مختار محمد محمود المنسق التعليمي بمكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي‬ مختار محمد محمود المنسق التعليمي بمكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي (الجزيرة نت)

وواقع صعب
رغم الاعتراف الحكومي بهذا التعليم ودمجه في النظام التربوي العام، فإنه يعيش واقعا صعبا، خاصة أن فرص اندماج خريجيه في الأجهزة الحكومية محدودة جدا مقارنة بزملائهم في التعليم الفرنسي.

ولا يخفي المهتمون بالتعليم العربي في مالي شعورهم بالمرارة من غياب دعم البلدان العربية، في حين تنفق الهيئات الفرنسية والغربية بسخاء على التعليم المفرنس، حسبما يؤكد هؤلاء.

غير أن تجربة الندوة العالمية للشباب الإسلامي في مالي تبدو استثناء في هذا المجال، فهي توفر فرص التعليم لعدد كبير من الطلاب في مدارسها وثانويتها، كما توفر فرص التدريب والتكوين في معهديها الفنيين المتخصصين، حسبما يقول المنسق التعليمي بمكتب الندوة مختار محمد محمود.

ويقول مختار في حديث للجزيرة نت إن الندوة افتتحت معهدين للتكوين المهني، أحدهما للبنات يقدم التدريب في مجالات حيوية للمرأة في شؤون حياتها وعملها، والثاني للبنين يقدم التدريب في مجالات الكهرباء والرسم الهندسي والحاسوب.

ويعتبر مختار أن امتلاك خريجي التعليم العربي لمهارات في هذه المجالات الفنية يشكل إضافة نوعية لهذا التعليم ويضمن لخريجيه الاندماج في سوق العمل.

المصدر : الجزيرة