عمّال غزة يزدادون فقرا ولا يجدون خبز أبنائهم

مصنع طوب بناء متوقف عن العمل، جراء منع إدخال مواد البناء.
مصنع طوب بناء متوقف عن العمل جراء منع إدخال مواد البناء (الجزيرة)

محمد عمران-غزة

 
أكثر ما يؤلم العامل الفلسطيني رائد العقاد هو عدم مقدرته على دفع الأقساط الدراسية لابنه، الذي حرم من الالتحاق بالجامعة منذ إنهائه الثانوية العامة، أو عجزه عن جلب بعض قطع الحلوى لابنته الصغرى همسة ذات الأعوام الخمسة التي عادة ما تتودد إليه أملا بحصولها على مرادها، لكن من دون أن يتحقق بأغلب الأحيان.
 
فتعطله عن العمل منذ نحو تسع سنوات جراء الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال مواد البناء إلى غزة، يحول دون قدرته على توفير أدنى متطلبات الحياة لعائلته المكونة من ثمانية أفراد، ما أدخلها لفئة العائلات التي تعيش أوضاعا بائسة بشكل شبه دائم.

ورغم عودته لعمله كلما سمح الاحتلال بإدخال مواد البناء خصوصا خلال العام الماضي، وحدوث انفراجة محدودة لعائلته، لكن الانتكاسة سرعان ما تعود مجددا بعد منع إدخال الإسمنت مؤخرا وحدوث شلل بقطاع الإنشاءات حيث يعمل.

نظرات الحرمان
ويضطر أبو إبراهيم (46 عاما) للمكوث خارج منزله معظم نهاره، حتى لا يتعذب بنظرات الحرمان في عيون أبنائه، ويعتبر أن العمال من أكثر الفئات تضررا من أوضاع غزة الراهنة، وأقلها رعاية من الجهات الحكومية والأهلية.

‪رائد العقاد‬ (يمين) (الجزيرة)
‪رائد العقاد‬ (يمين) (الجزيرة)

ويستهجن بحديثه للجزيرة نت تنظيم أي احتفالات بيوم العمال العالمي الذي يوافق الأول من مايو/أيار، لأن العمال لا يعملون أصلا حتى يحتفل بهم، فالأولى البحث عن حلول لتشغيلهم أو مساعدتهم بالحد الأدنى، بدلا من ترك عائلاتهم تشعر بالموت وهم على قيد الحياة، وفق تعبيره.

وتجسد حكاية أبو إبراهيم مع البطالة والعوز جزءا من معاناة 220 ألف متعطل عن العمل نصفهم من الخريجين الجامعيين، ما يرفع نسبة البطالة لنحو 44%. بينما تصل معدلات الفقر والفقر المدقع إلى 60%، ويتلقى 80% من سكان غزة مساعدات من مؤسسات إنسانية، وفق أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر د. سمير أبو مدللة.

وتعد هذه الأرقام مرتفعة قياسا بنظيراتها في الضفة الغربية، التي تصل نسبة البطالة فيها 17% بين المشاركين بالقوى العاملة من 15 سنة فأكثر، حيث يستوعب القطاع العام بالضفة 25% من القوى العاملة، بينما يُعد مثيله في غزة الأكثر تشغيلاً بنسبة تصل لنحو 53%، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

ويعزو الأكاديمي الفلسطيني، بحديثه للجزيرة نت، ارتفاع معدلات البطالة والفقر بغزة إلى الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، إضافة إلى ثلاث حروب خلال ست سنوات، أدت إلى تدمير المنشآت والمرافق الاقتصادية التي تستوعب العمالة.

‪أبو مدللة: مشكلة البطالة والفقر بغزة ترجع إلى الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني‬ (الجزيرة)
‪أبو مدللة: مشكلة البطالة والفقر بغزة ترجع إلى الحصار الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني‬ (الجزيرة)

رفع الحصار
ويستبعد د. أبو مدللة أي حلول لتشغيل العمال أو التخفيف من بطالتهم من دون رفع الحصار بشكل نهائي، ليعود القطاع الخاص لمكانته بالتشغيل كنظيره بالضفة وفي دول أخرى، مع اتخاذ إجراءات بالقطاع العام تكفل التقاعد المبكر وفتح مجالات لفرص عمل جديد، علاوة على بحث سبل التشغيل بالدول العربية وفق تصوره.

لكن الطروحات السابقة ما زالت مرهونة بتحقيق مصالحة فلسطينية تكفل توحيد مؤسسات القطاع العام بين غزة والضفة، وتوجيه الاهتمام والرعاية للقطاعات الاقتصادية التي كانت تستوعب العمال.

وإلى حين تحقق ذلك، فإن البطالة تستفحل بين العمال والخريجين، مقابل جهود حكومية تبدو محدودة للغاية، ولا تلبي الحد الأدنى المطلوب سواء على صعيد توفير فرض للتشغيل أو تقديم المساعدة والدعم بما يوفر بعض الاحتياجات الإنسانية للعمال وعائلاتهم، وفق رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين سامي العمصي.

وبينما يبدي النقابي الفلسطيني غضبا مما يصفه بالإهمال الكبير للعمال سواء من قبل حكومة التوافق أو الوزارات العاملة بغزة، يستبعد أن تؤدي بعض برامج التشغيل المؤقت التي تعلن عن الجهات الحكومية دورا مهما بمعالجة مشكلة بطالة العمال، لاستيعابها أعدادا محدودة للغاية، وقصر مدة التشغيل التي لا تزيد على أشهر.

ويحذر -في حديثه مع الجزيرة نت- من ثورة يقوم بها العمال، الذين يمرون بأوضاع معيشية مأساوية، بينما تغيب مشكلاتهم عن اهتمامات المسؤولين، متسائلاً "عندما لا يجد العامل كسرة خبر لأبنائه، ألا ينتظر منه الثورة والغضب؟".

المصدر : الجزيرة