أفضل معلمة بالعالم تدمج اللعب بالتعليم

الصورة الأولى: فلسطين أريحا آذار 2016 استقبال الفلسطينية حنان الحروب بعد فوزها بجائزة أفضل معلم في العالم
استقبال الفلسطينية حنان الحروب بعد فوزها بجائزة أفضل معلم في العالم (الجزيرة نت)

ميرفت صادق-رام الله

بكراتين البيض الفارغة والدمى البالية استطاعت المعلمة الفلسطينية حنان الحروب تحويل الصف الدراسي إلى بيئة تخلّص طلبة الصفوف الأولى من آثار العنف الإسرائيلي على سلوكياتهم، وبهذه المنهجية فازت بجائزة أفضل معلم في العالم.

فالداخل إلى صف الحروب بمدرسة سميحة خليل الأساسية في مدينة البيرة (وسط الضفة الغربية)، سيلاحظ ترتيبا مختلفا للمقاعد يقابلها مسرح متنقل وحكواتي أحيانا، وفيه الكثير من الألعاب والرسومات، حتى يغدو كأنه ورشة لعب وفنون وليس صفا دراسيا تقليديا.

بدأت الحروب (43 عاما) قصتها من الحادثة التي غيرت حياة عائلتها، عندما أطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي النار على أطفالها الثلاثة وزوجة عمهم وأصابوهم أثناء عودتهم من المدرسة بداية انتفاضة الأقصى عام 2000.

وقالت "أطلق الجنود النار عليهم وذهبوا ضاحكين، تذكروا هذا دائما، وتركت الحادثة آثارا حفرت عميقا في نفسيتهم، حيث كانوا في صفوفهم الأولى، وأدى ذلك إلى إصابتهم بنوبات خوف شديدة وانعزال وتدني تحصيلهم الدراسي".

ولم تجد الحروب، التي كانت في سنتها الدراسية الأولى وقتها برنامجا يساعدهم في الخروج من أزمتهم، كما أن المعلمين في مدرستهم لم يكونوا مدربين لمساعدتهم، فلجأت إلى علاجهم في البيت بترجمة دروسهم إلى حلقات لعب ومسرح وغناء.

لم يكن سهلا
تخرجت الحروب من جامعة القدس المفتوحة بتخصص التربية الابتدائية عام 2005، وانتظرت أربع سنوات لتحصل على وظيفة معلمة في سلك التعليم الحكومي.

تقول الحروب إنها عندما دخلت الصف لأول مرة لم تجد طالبا في مكانه، فكان أمامها مهمة تدريس صعبة لصف من 37 طالبا، بينهم من يتعرض لعنف مباشر يوميا من الاحتلال، مما أثر في سلوكهم الذي ظهر على شكل حركة زائدة، أو ضرب الآخرين، أو تأخر دراسي.

وعندما قررت اتباع منهجيتها التي أسمتها "منهجية حنان" لتعليمهم عن طريق اللعب وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن ذاتهم والتخلص من آثار العنف، لم يكن ذلك سهلا، ليس من الطلاب فحسب.

فقد قالت إن إدارة المدرسة والمعلمين لم يقتنعوا بمنهجيتها، كما أن أهالي الطلاب نظروا لأسلوبها بوصفه لعبا لا تعليما، حتى صاروا يلاحظون التغير السلوكي لأبنائهم في الصف والبيت تدريجيا إلى جانب تحسن تحصيلهم العلمي.

‪المعلمة الحروب طورت منهجية للتعليم باللعب لعلاج الطلاب من عنف الاحتلال‬  (الجزيرة)
‪المعلمة الحروب طورت منهجية للتعليم باللعب لعلاج الطلاب من عنف الاحتلال‬  (الجزيرة)

"منهجية حنان"
تقوم "منهجية حنان" -كما تسميها- على دمج المادة النظرية في المنهج باللعب خلال الحصة الدراسية، وتستخدم في ذلك ألعابا محسوسة أو إلكترونية، فليس غريبا مثلا أن تشاهد في حصة التربية الإسلامية أو التربية الوطنية مسرحا أو طالبين في دور الحكواتي، أو حلقة لعب بالكرات في صف الرياضيات.

وفي سبيل إعداد حلقات اللعب والمسرح كانت الحروب تقوم بإعادة تدوير ملابس أبنائها وكراتين البيض الفارغة وتطلب من الجيران عدم إلقاء ألعاب أطفالهم البالية لتعيد تحسينها واستخدامها في الصف.

وتلقت الحروب بعد ذلك تشجيعا من المشرفين التربويين بسبب تحسن مستوى طلبتها، وصار صفها محطة لزيارة المعلمين الآخرين للاستفادة من أسلوبها وتطبيقه في مدارس أخرى.

تقول الحروب إنها كانت تدرس تأثير اللعبة وتناسبها مع مستوى الطالب وإمكانياتها واحتياجاته قبل طرحها في الصف، كما لجأت إلى قراءات طويلة في علم النفس وتأثير العنف على الأطفال.

 وتركز الحروب أيضا على تنمية القيم والأخلاق أثناء التعلم واللعب، لأن الغاية -كما تقول- ليست علامة مدرسية، لكنها زرع قيم وطنية وإنسانية في نفوس الطلاب أيضا.

ونافست الحروب في المرحلة الأخيرة من المسابقة تسعة معلمين من دول مختلفة، كان لكل منهم منهجية تعليم مبدعة ومتطورة، وبعضهم أوصل طلابه إلى مرحلة الاختراعات، لكن الظروف الصعبة التي طبقت فيها "منهجية حنان" ونجاحها في انتزاع آثار عنف الاحتلال من نفسية طلابها هو ما ميزها، حسب قولها.

إضافة إلى ذلك، فهي تعتقد بأن منهجيتها قابلة للتطبيق في كل دول العالم، حيث ينتشر العنف السياسي والاجتماعي بكل أشكاله، ويلقي آثاره على الأطفال وتحصيلهم الدراسي.

وفازت الحروب قبل أيام بجائزة أفضل معلم في العالم التي تنظمها مؤسسة جيمس فاركي العالمية، وقيمتها مليون دولار، من بين ثمانية آلاف معلم حول العالم.

وخلال تنقلها بين تصفيات الجائزة منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي وحتى تتويجها بالأفضل منتصف الشهر الجاري، شاركت الحروب في أكبر إضراب خاضه المعلمون الفلسطينيون للمطالبة بتحسين رواتبهم، وهي التي تتقاضى راتبا يقارب ثمانمئة دولار بعد أكثر من سبع سنوات في مهنتها.

وقالت الحروب إن المعلمين الفلسطينيين لا قدرة مادية لمعظمهم على الصرف من رواتبهم لتصميم ألعاب وأساليب تدريس كما كانت تفعل من أجل مساعدة طلابها، فهم أيضا بحاجة لتحسين ظروفهم من أجل ترقية عطائهم في مدارسهم.

المصدر : الجزيرة