أبو تريكة.. السياسة تستهدف صانع الفرحة

Egypt's Mohammad Trika celebrates scoring against Zimbabwe during the World Cup qualifier soccer match at the National Sports Stadium in Harare, Sunday June 9, 2013.
أبو تريكة قاد منتخب مصر وفريقه الأهلي إلى انتصارات عديدة (أسوشيتدس برس)
أنس زكي
 
كانت الجماهير المصرية تملأ مدرجات ملعب القاهرة الدولي وتتابع بشغف نهائي كأس أمم أفريقيا لكرة القدم أملا في الفوز بالبطولة، لكن المباراة العصيبة مع كوت ديفوار انتهت بالتعادل ليحتكم الفريقان إلى ركلات الترجيح، التي وصلت إلى الركلة الخامسة الأخيرة، وتقدم النجم محمد أبو تريكة بثبات ليسدد الكرة في المرمى ويقود مصر إلى تحقيق اللقب القاري 2006.

لم يخيّب النجم الموهوب أمل الجماهير التي تعلقت أنظارها بأقدامه، فقاد بلاده لفوز ثمين، وأكد مكانته بوصفه واحدا من أبرز من عرفتهم الملاعب المصرية بفضل ما جمعه من مهارات فنية وصفات شخصية.

في العام نفسه، كانت الجماهير المصرية على موعد جديد مع فرحة يصنعها أبو تريكة، فبينما كان الأهلي -صاحب الشعبية الأكبر في مصر- يخوض المباراة النهائية لدوري أبطال أفريقيا لكرة القدم على ملعب الصفاقسي التونسي، وبعد انتهاء الوقت الأصلي بالتعادل، فاجأ أبو تريكة الجميع بتسديدة هائلة خطف بها الفوز للأهلي، وأكد مجددا أنه صانع الفرحة لملايين المصريين.

بعد عامين، كانت النسخة التالية من كأس أمم أفريقيا، ووصلت مصر إلى مباراتها النهائية في مواجهة منتخب الكاميرون القوي، وظل التعادل مسيطرا على مجريات اللقاء حتى تدخل صانع الفرحة كالعادة ليسجل هدف الفوز الذي كفل احتفاظ مصر باللقب الأفريقي للمرة السادسة والثانية على التوالي.

لحظات غالية، لكنها لم تكن كل شيء، فقد سجل أبو تريكة نحو مائتي هدف سواء للمنتخب الوطني أو الأندية التي لعب لها، منها أربعة أهداف في كأس العالم للأندية التي قاد فيها فريقه الأهلي لتحقيق إنجاز رائع تمثل في حصد الميدالية البرونزية عام 2006، و33 هدفا في دوري أبطال أفريقيا، ليصبح بها الهداف التاريخي للبطولة.

‪أبو تريكة متعاطفا مع غزة‬ (رويترز)
‪أبو تريكة متعاطفا مع غزة‬ (رويترز)

أهداف ومواقف
أبو تريكة -الذي حمل ألقابا عديدة، منها "الماجيكو"- هو الهداف التاريخي أيضا لدربي القاهرة الشهير الذي يجمع الأهلي بغريمه التقليدي الزمالك، حيث سجل فيه 13 هدفا. ومع ذلك، فقد ظل بعيدا عن الاستقطاب الرياضي معظم الوقت بفضل مهاراته وأخلاقه التي نالت ما يشبه الإجماع من جماهير الكرة المصرية.

وإلى جانب الأهداف المؤثرة والمهارات اللافتة، فقد لفت أبو تريكة الأنظار بمواقفه الإنسانية والأخلاقية والقيمية، ولعل أشهرها موقفه المتضامن مع قطاع غزة الفلسطيني ورفضه حصاره، وارتداؤه قميصا مكتوبا عليه "فداك يا رسول الله" عندما قامت صحف أوروبية بإعادة نشر رسوم مسيئة للرسول الكريم، فضلا عن سفره للجزائر كبادرة صلح بين جماهير البلدين بعدما اشتعل بينهما التوتر على خلفية مواجهة كروية.

وانعكس الجانب الديني في شخصية أبو تريكة على سلوكه واهتماماته، فعندما اختير سفيرا لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة لمحاربة الفقر، حرص على تأكيد أن الإسلام يحارب الفقر عبر الزكاة، وشارك في العديد من الأنشطة التي تحارب الفقر، خاصة في القارة السمراء.

لكن المثير أن صانع الفرحة للجماهير المصرية تعرض لما يشبه الحصار منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي الذي كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك بعدما تردد على نطاق واسع أن النجم الشهير ينتمي للجماعة نفسها.

واختار أبو تريكة تقليل نشاطه العام مع التلميح بين الفينة والأخرى عبر حساباته على مواقع التواصل إلى أنه يتعرض لحملات من التضييق شملت إعاقة محاولاته ترتيب مباراة اعتزاله على غرار ما يتم لكل النجوم والمشاهير منهم خصوصا.

‪أبو تريكة تم تكريمه كثيرا‬ (غيتي)
‪أبو تريكة تم تكريمه كثيرا‬ (غيتي)

الحق سينتصر
ومع أن أبو تريكة تجنب في الغالب توجيه انتقادات للسلطة الحالية بقيادة عبد الفتاح السيسي الذي كان وزيرا لدفاع مرسي قبل أن ينقلب عليه ثم يخوض انتخابات رئاسية انتهت بفوزه، فإنه كتب كثيرا عن الظلم، وأكد أن الحق والثورة سينتصران في مصر يوما ما.

في المقابل، كان محبو أبو تريكة يتوقعون أن يكون هذا الحصار الإعلامي هو أقصى ما يتعرض له صانع الفرحة، قبل أن يتفاجأ الجميع بقرار يقضي بالتحفظ على أمواله باعتباره عضوا بجماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها السلطة الحالية جماعة إرهابية، وسبق أن اعتقلت الآلاف من أعضائها.

ومع مرور يومين على هذا القرار، فإن وقع المفاجأة ما زال واضحا في الإعلام وعلى صفحات مواقع التواصل، رغم أن السلطة الحالية ذهبت بعيدا في مواجهة معارضيها بدءا من قتل المئات من أنصار مرسي المعتصمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، مرورا باعتقال عشرات الآلاف، وصدور أحكام قاسية بالإعدام والسجن تجاه مناهضي الانقلاب.

ومع كل ذلك، كان المصريون يظنون أن من صنع الفرحة طويلا بالزي الأحمر، يجب أن يكون خطا أحمر أمام جنون السياسة وصراعاتها، لكن هذا لم يحدث، لتفتح السلطة الحالية على نفسها بابا جديدا قد يزعزع أركانها المهتزة.

المصدر : الجزيرة