مئات اللاجئين السوريين بلبنان يطاردهم شبح التشريد

جهاد أبو العيس-صيدا

لم تكن حياة اللاجئ السوري أبو حافظ أكثر توترا وصعوبة منذ قدومه إلى لبنان كما هي عليه اليوم، فالتبليغ الرسمي المفاجئ الذي وصله وآخرين من اللاجئين بضرورة إخلاء المجمع السكني الذي يؤويه وعائلته منذ ثلاث سنوات في مدينة صيدا، قلب حياته رأسا على عقب.
 
ويعيش أبو حافظ -وهو أب لتسعة أطفال وقادم من ريف حماة الغربي- في مجمع الأوزاعي السكني بمدينة صيدا جنوب لبنان مع أكثر من 173 عائلة سورية، أي قرابة نحو ألف لاجئ 70% منهم أطفال ونساء.

ويؤكد أن هذا المجمع حفظ كرامة عشرات العوائل وأبعد عنهم شبح التشرد والمعاناة، لكنه يستدرك في حديث للجزيرة نت أن طرد العوائل من المجمع يعني بكل بساطة تشريد ألف لاجئ دون مأوى وغذاء وكساء، معتبرا إجبارهم على الرحيل -إن تم- بمثابة "الإعدام الفعلي لمستقبل مئات الأطفال".

أبو حافظ: إخلاء المجمع يعني الحكم بالاعدام على مستقبل مئات الأطفال (الجزيرة نت)
أبو حافظ: إخلاء المجمع يعني الحكم بالاعدام على مستقبل مئات الأطفال (الجزيرة نت)

افتراش الشوارع
وكانت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وجهت خطابا رسميا لعوائل المجمع (أربعة طوابق غير مكتملة البناء والتشييد) بضرورة إخلائه نظرا لطلب مالك المبنى الأصلي -أي كلية الإمام الأوزاعي للعلوم الإسلامية- باسترجاعه لإتمام بنائه وتشييده بوصفه وقفا للكلية، بعد فترة تأجير للمفوضية منذ العام 2012.

ويروي ممثل الأهالي الحاج أبو ميسّر للجزيرة نت كيف وقع طلب الإخلاء كالصاعقة على عوائل المجمع بالنظر إلى الحالة المعيشية المزرية التي رافقتهم منذ رحيلهم عن بيوتهم وأراضيهم الزراعية في ريف حماة قبل ثلاث سنوات، متسائلا عن "حقوق الإنسان والطفل والمرأة أثناء الحروب، ولمن لا يملكون حولا ولا قوة".

وعن البدائل المقترحة قال أبو ميسر "سنترك المجمع إذا وفرت لنا المفوضية مكانا آخر في لبنان، أو ساعدتنا على الانتقال إلى تركيا حيث تجمعات اللاجئين هناك، بخلاف ذلك أين سيذهب ألف لاجئ ممنوعون من العمل في لبنان؟".

وقال إن البديل في حال إجبارهم على ترك المجمع هو "افتراش الشوارع والأزقة مع كل ما يترتب على ذلك من معنى، خصوصا مع وجود أكثر من 650 طفل وامرأة بيننا".

من جهته كشف اللاجئ أبو بلال -وهو متطوع لتدريس الأطفال القرآن الكريم- أن المفوضية تصرف لكل فرد 19 دولارا شهريا فقط، وهي لا تكفي لسداد شيء من متطلبات الحياة، وأشار إلى إجبار السلطات اللبنانية للاجئين على كتابة تعهد بعدم العمل، ودفع مبلغ 150 دولارا سنويا كرسوم تجديد إقامة لمن هم فوق 15 عاما.

‪دانا سليمان: المجمع المستأجر انتهت فترة عقده ولا يرغب مالكوه في التجديد‬ (الجزيرة نت)
‪دانا سليمان: المجمع المستأجر انتهت فترة عقده ولا يرغب مالكوه في التجديد‬ (الجزيرة نت)

ضعف التمويل
وقال أبو بلال إن المجمع يفتقر إلى التشييد المطلوب فهو خال من البلاط الأرضي والشبابيك ولم يجر فيه تزويد العوائل بالمدافئ في الشتاء، فضلا عن دورات مياه جماعية لكل طابق.

وتدافع الناطقة باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين دانا سليمان عن قرار الإخلاء بالقول إن المجمع المستأجر انتهت فترة عقده ولا يرغب مالكوه في التجديد للمفوضية، مما استدعى الطلب من الأهالي المغادرة.

وقالت دانا للجزيرة نت إن المفوضية تستشعر طبيعة المعاناة المتوقعة جراء ترحيل العوائل، لكنها في الوقت نفسه لم تقدم حلولا ذات جدوى عملية باستثناء حديثها عن تأمين بعض المساكن لبعض العوائل الأشد فقرا وحاجة من بين العوائل الـ173، وحديثها عن صعوبة تحمل أعباء هذا العدد الكبير وسط ضعف التمويل.

في المقابل حمّل مسؤول ملف النازحين في بلدية صيدا كامل كزبر المفوضية كامل المسؤولية عن مصير عوائل "مجمع الأوزاعي" السكني.

وقال كزبر للجزيرة نت إن قرار الإخلاء يتطلب بديلا عمليا من طرف المفوضية، وإلا فإن مصير المئات سيغدو في مهب الريح، كاشفا أن قرار الإخلاء نهائي ورسمي ويتسم بالجدية.

ولفت إلى أن اكتظاظ مدينة صيدا يجعل الحلول صعبة في وجه عائلات "مجمع الأوزاعي" في ظل رفض الحكومة إقامة مخيمات رسمية للاجئين.

المصدر : الجزيرة