مدارس غزة مقرات للتعليم واللجوء
أيمن الجرجاوي-غزة
لم يتخيل النازح الفلسطيني سفيان الجمال أن تنقلب حياته رأسًا على عقب خلال شهرين فقط، فينتقل من منزله الخاص للعيش في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مع آلاف النازحين من سكان غزة.
ويبدي الجمال -الذي دمّر الجيش الإسرائيلي منزله بحي الشجاعية شرق مدينة غزة- تذمرًا كبيرًا من الأوضاع التي يعيشها النازحون في مدارس الأونروا، لا سيما مع غياب الاستقرار وانعدام خصوصية العائلات، كما يقول.
ويؤكد النازح الأربعيني -الذي استشهد ولده حسين ابن العشر سنوات- أن وكالة الغوث لم تطرح عليهم أية بدائل للانتقال إليها مع بدء العام الدراسي المقرر في الـ14 من سبتمبر/أيلول الجاري، مشيرًا إلى استعداده للانتقال إلى أي مكان "آدمي" يوفر حياة كريمة له ولأسرته.
وحاول الفلسطيني- الذي كان يجلس على فرشة من الإسفنج الرقيق أمام أحد الفصول بمدرسة البحرين غرب مدينة غزة- استئجار شقة لإيواء عائلته، لكن "جنون" أسعار الشقق أحبط محاولاته، كما يقول.
ويقول الجمال إن على الحكومة أن تُلزم أصحاب الشقق بتخفيض ثمن الإيجار على الأقل إن كانت غير قادرة على توفير حياة كريمة لنا.
أجل غير معلوم
وفي الطابق الثاني من المدرسة الواقعة بحي تل الهوى، تجلس أم شاهر حلس على مقعد دراسي أمام أحد الفصول، تضع يدها على خدها، بينما بدت على وجهها معالم الحسرة.
أم شاهر قالت للجزيرة نت وهي تبكي على شقتين جديدتين لعائلتها دمرهما الجيش الإسرائيلي، إن ولديها كانا يعتزمان الزواج فيهما بعد نحو شهر، مضيفة أنهما اضطرا لتأجيل موعد الزفاف لأجل غير معلوم.
وتتخوف حلس من أن تؤثر بداية العام الدراسي على العائلات النازحة في مدارس الأونروا، وتقول إنها لا تطلب المستحيل، وإنها فقط تتطلع إل العيش مع أبنائها في شقة مستأجرة لحين إعادة إعمار منزل العائلة الذي دمر كليًا بحي الشجاعية، رافضة مغادرة المدرسة دون إيجاد مكان ملائم للعيش الكريم.
وفي الطابق الرابع من المدرسة نفسها، ما زالت علامات الصدمة ماثلة على زوجة الشهيد منير سكر، التي كانت تسكن في منزل مكون من ثلاثة طوابق بمنطقة "الخط الشرقي" شرق مدينة غزة، قبل أن تدمره الطائرات الإسرائيلية بشكل كامل، ثم تقلبه الجرافات رأسًا على عقب.
ولم تتمكن زوجة الشهيد من التكيف مع الواقع الجديد بعد نحو شهرين، وتقول للجزيرة نت إنها كانت تتوقع استشهاد زوجها المقاوم، لكنها لم تكن تتخيل مطلقًا أن يهدم بيتها وتتشتت عائلتها بين المدارس ومنازل العائلة.
سكر- التي تعيش مع نحو 35 شخصًا في غرفة مدرسية واحدة- اشتكت من بكاء أبنائها المتكرر وعدم استطاعتهم العيش في هذه الأجواء، متمنية أن تجد وكالة الغوث والحكومة الفلسطينية حلا قريبًا لمعاناتهم، ونقلهم إلى أماكن آمنة ونظيفة.
وتدعم زوجة الشهيد بقوة بدء العام الدراسي في موعده المحدد، لا سيما أن أبناءها من الطلاب المتفوقين في مدرستهم الخاصة، و"يتلهفون لبدء الدراسة"، مضيفة أنها تترقب اللحظات التي تغادر فيها المدرسة مع أبنائها.
تعطيل مدارس
ونزح إلى مدارس وكالة الغوث أكثر من ربع مليون فلسطيني إبان العدوان الإسرائيلي على القطاع.
لكن مع توقف الحرب تقلص العدد إلى 58 ألفًا، يمكثون في 36 مدرسة بأنحاء القطاع، كما يوضح المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة.
ومع انطلاق العام الدراسي، تخطط وكالة الغوث لتعطيل العمل في 15 مدرسة بشكل كلي وتجميع النازحين فيها، على أن تنقل طلابها إلى مدارس أخرى تابعة لها أو للحكومة في فترة تعليمية مسائية.
وقال أبو حسنة للجزيرة نت إن الأونروا تخطط لتطوير بعض المدارس وتحويلها إلى مراكز إيواء حقيقية لحين إيجاد حل بالتشاور مع الحكومة الفلسطينية.
ولفت إلى عدم وجود حلول عملية لمشكلة النازحين في المدارس حتى اليوم، مؤكدًا أن رفع الحصار وإدخال مواد البناء بصورة شاملة لإعادة إعمار القطاع هو الحل الوحيد لإنهاء معاناتهم.
وتابع قائلا ستقدم الأونروا مبالغ مالية لإصلاح بعض الأضرار التي أصابت منازل الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي بعد انتهاء عملية التقييم التي شرعت فيها، مما يمكن عائلات كثيرة من العودة إلى بيوتهم قبل دخول موسم الشتاء.
ووضعت الوكالة خطة شاملة للعام الدراسي، تبدأ في أسابيعها الأولى ببرامج دعم نفسي ونشاطات لامنهجية، ومن ثم الدخول في المنهج الحقيقي، حتى لا تنال الحرب من قدرة الطلاب على الاستيعاب، وفق المستشار الإعلامي للوكالة.