لماذا هرب الجيش العراقي من المحافظات المنتفضة؟

أحمد الأنباري-الرمادي

بدأت ظاهرة هروب ضباط وأفراد الجيش العراقي والعناصر الأمنية منذ معارك الفلوجة والرمادي قبل خمسة أشهر، وتصاعدت مؤخرا، مما أدى إلى سقوط عدة مدن بيد مسلحي العشائر والمجالس العسكرية وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، مما دفع قيادة القوات المسلحة إلى إقرار عقوبات تصل إلى الإعدام ضد الهاربين.

وتشهد مدن وأقضية في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك وديالى انهياراً أمنيا غير مسبوق، دفع الضباط والقادة الكبار للهروب إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان، بعد ترك أسلحتهم ومعداتهم وآلياتهم للمسلحين.

خيانة القادة
وقال أحمد البيضاني -ضابط برتبة نقيب في الجيش العراقي- إن مشكلة هروب الجنود والضباط تعود إلى ضعف رواتبهم، وافتقادهم إلى التدريب والتأهيل الكافي، وهو ما يظهر عندما تشتد المعارك.

وأضاف البيضاني للجزيرة نت أن "فساد بعض القيادات العسكرية، الذين يصادرون نصف رواتب الضباط والجنود لإعفائهم من الخدمة الميدانية، يصيب الجندي البسيط بالإحباط ويفقد روحه القتالية، وهو ما يدفعه للهرب من المعركة".

جواد الحسناوي: القادة العسكريون هم من هرب أولا وتبعهم الجنود(الجزيرة)
جواد الحسناوي: القادة العسكريون هم من هرب أولا وتبعهم الجنود(الجزيرة)

من جانبه، قال الجندي حسام محمد -الذي هرب من معارك الأنبار- إن ظاهرة هروب الجنود من المعركة "يتحمل مسؤوليتها القادة العسكريون لأنهم يزجون بالجنود البسطاء في معارك خاسرة دون إسناد واستعداد حقيقيين"، وهو ما يخيف الجنود والضباط من القتل أو الأسر دون سبب يستحق.

ويستذكر محمد متحدثا للجزيرة نت أنه "في إحدى المعارك في منطقة الملعب بمدينة الرمادي قام جندي الاتصالات بإيصال 16 نداء إلى الطيار العسكري بضرورة قصف سيارات المسلحين التي تبعد كيلومترا عن موقعه، إلا أن الرد يأتي بأن عدد المسلحين في السيارة قليل أو عدم وجود صاروخ موجه".

من جهته، قال النائب في البرلمان عن كتلة الأحرار جواد الحسناوي هناك قادة فاشلون وفاسدون في المؤسسات الأمنية، وما حصل في المعركة الأخيرة أن القادة هم من هرب أولا وليس الجنود. وعندما يرى الجندي هروب قائده فمن المؤكد أنه سينسحب من المعركة".

وأضاف الحسناوي للجزيرة نت أنه لا بد من تبديل القيادات العسكرية الحالية بقيادات لها خبرة وولاء للوطن، ومن ثم إعادة هيكلة الجيش في المناطق التي حدث فيها الهروب.

وأكد أن "إعادة انتشار الجيش في المناطق التي انسحب منها ليست صعبة، لأن أعداد المسلحين المقاتلين قليلة وليست كما يروج البعض".

تناقض الإرادات
من جانبه، قال المحلل السياسي هشام الهاشمي إن "أبرز أسباب هزيمة القوات الأمنية تتمثل في ضعف الروح القتالية لدى الجنود، والتثبيط الإعلامي المضاد، والفساد المالي، والهروب المبكر لضباط قيادة عمليات نينوى".

واعتبر الهاشمي في حديثه للجزيرة نت أن "أعظم أسباب انهيار القوات الأمنية في الموصل هو اعتماد القادة العسكريين على أحزابهم السياسية في التبرير لهم والدفاع عنهم، وبالتالي إهمال المسؤولية العسكريّة، والانشغال بالألاعيب والابتزاز لجمع المال وانفلاتهم الأخلاقي".

هشام الهاشمي: أهالي الموصل وقفوا على الحياد من معركة الجيش مع المسلحين (الجزيرة)
هشام الهاشمي: أهالي الموصل وقفوا على الحياد من معركة الجيش مع المسلحين (الجزيرة)

وأضاف أن تنظيم الدولة لم يواجه مقاومة شعبية في مدن الموصل، لأن أهالي الموصل ليسوا معادين للتنظيم، ولا هم مؤيدون له. وبسبب التأزم الأمني بين أهالي الموصل والقوات الأمنية وقف معظم الأهالي على الحياد من القوات الأمنية.

كما أن تناقض إرادات القيادات العسكرية والسياسية العراقية من أسباب هزيمة العاشر من يونيو/حزيران، وهو ما جعل تنظيم الدولة يتنقل بين سوريا والعراق بالاتجاهين بدون إزعاج أمني أو مراقبة استخبارية.

وأشار الهاشمي إلى أن "الفساد المالي يتمثل في شراء المناصب داخل المؤسسة الأمنية وليس بالاستحقاق والمهنية". مبيناً أن "المحسوبية والخوف من التبعية السياسية والعشائرية والرشوة والطائفية كلها مجتمعة تسببت في التهاون في تنفيذ العقوبات العسكرية بحق المخالف".

وختم الهاشمي حديثه قائلا إن "الجندي العراقي لا يضع حب الوطن في أولى أولياته، بل تأتي ثانيا بعد الولاء للمذهب أو الحزب أو القومية، وكل هذه الخصائص تعيق تنشيط غيرته على وطنه".

وحاولت الجزيرة نت الاتصال بجهات حكومية أو أعضاء ائتلاف دولة القانون إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل.

المصدر : الجزيرة