الدرك بديلا للمخابرات في تحقيقات الفساد بالجزائر
وكانت وسائل إعلام محلية جزائرية كشفت أن الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش كلف أمس جهاز الدرك الوطني الذي يرأسه اللواء أحمد بوسطيلة بمتابعة وتسيير عملية التحقيق في ملفات الفساد التي شهدتها عدة قطاعات حيوية في البلاد، وعلى رأسها قطاع الطاقة.
ويأتي هذا بعدما قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر/أيلول الماضي حل مصلحة الشرطة القضائية التابعة لمديرية الأمن والاستعلامات (جهاز المخابرات) التي يرأسها الجنرال محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق.
وطرح ذلك في حينه عدة تساؤلات حول مصير ملفات الفساد المتعلقة بالعديد من المشاريع الاقتصادية الكبرى، خاصة ما تعلق منها بقضية شركة سوناطراك النفطية، وهي أكبر شركة حكومية في الجزائر، إلى جانب قضايا أخرى مثل قضية الخليفة، وقضية الطريق السيار شرق غرب.
ويأتي إعفاء المخابرات من التحقيق في ملفات الفساد بعد خطوة أخرى حدثت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وتمثلت في قرار وزارة الدفاع إعفاءها من متابعة الأنشطة السياسية التي تحدث عبر الولايات الجزائرية، وتم توكيل وزارة الداخلية بذلك.
هذه القرارات التي طالت جهاز المخابرات، في تقدير البعض هي استكمال لمسلسل تحييد هذا الجهاز عن التأثير في مفاصل الدولة، لكنها برأي البعض الآخر تأتي في سياق إعادة تنظيم عمل المؤسسة العسكرية، ولا تتعلق بصراع "مفترض" بين الرئاسة والمخابرات بشأن الولاية الرئاسية الرابعة للرئيس بوتفليقة، والتي كانت محل جدل وتجاذب كبيرين قبيل انتخابات الرئاسة التي جرت يوم 17 أبريل/نيسان الماضي.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير في العلاقات المدنية والعسكرية محمد دخوش للجزيرة نت أن هذا التكليف أحد تداعيات فوز الرئيس بوتفليقة بولاية رئاسية رابعة، وبرأيه فإن كل المؤشرات تؤكد أن دائرة الاستعلامات والأمن لم تكن متحمسة لترشح بوتفليقة مجددا.
ولفت إلى أن ملفات الفساد التي أثيرت مؤخرا طالت كلها أهم رجالات الرئيس الذي يعرف -حسب رأيه- مصدر وصول الملفات إلى الصحافة والقضاء، في إشارة إلى المخابرات، لذلك فهو بهذا القرار يغلق كل مصدر تهديد أو إزعاج للزمرة الحاكمة تمهيدا لبسط يدها على كل مفاصل الدولة.
من جانبه أكد لخضر بن خلاف رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة العدالة والتنمية -والذي طالب في وقت سابق بفتح نقاش عام في البرلمان الجزائري حول الفساد- أن الأمر الأهم لا يتعلق بهوية الجهة التي تتولى التحقيق ومتابعة ملفات الفساد، وإنما بأن تكون هناك متابعة حقيقية لهذه الملفات، وأن يفصل فيها على مستوى القضاء، وأن تتخذ الإجراءات اللازمة في الملفات المطروحة.
والأهم أيضا برأيه أن يتم استرجاع الأموال المنهوبة المهربة إلى الخارج، وذكر في هذا السياق بالوعد الذي أطلقه وكلاء الرئيس خلال تنشيطهم للحملة الانتخابية الأخيرة، حينما تعهدوا على لسان بوتفليقة بالعمل على استرجاع هذه الأموال.
لكنه شكك أصلا في وجود إرادة حقيقية لدى السلطة لمكافحة الفساد، وفي هذا السياق يتساءل قائلا "كيف يتم إقرار قانون للفساد عام 2006 ولا يتم تنصيب الهيئات المكلفة بمكافحته إلا عام 2013؟"، وهذا ما يعكس في تقديره غياب إرادة حقيقية لمكافحة الفساد.
في المقابل يشدد العقيد المتقاعد بن عمر بن جانا في حديثه للجزيرة نت أن هذا القرار يدخل في إطار إعادة تنظيم عمل المؤسسة العسكرية، وغير مرتبط بمحاولة لتهميش وإضعاف أي جهاز عسكري على حساب آخر، لأن المؤسسة العسكرية بالنهاية -حسب رأيه- متماسكة وقوية.