الدرك بديلا للمخابرات في تحقيقات الفساد بالجزائر

AFP/ Gendarmes stand at the site of a suicide bomb attack in Issers, 60 kms east of Algiers, on August 19, 2008. A bomb attack east of Algiers killed 43 people and wounded 38, the
الدرك الجزائري نال صلاحيات على حساب المخابرات (الفرنسية-أرشيف)
ياسين بودهان-الجزائر
 
تباينت المواقف في الجزائر بشأن إعفاء وزارة الدفاع لجهاز المخابرات من التحقيق في ملفات الفساد، وتوكيل الأمر لجهاز الدرك، بين من ربط الأمر بالصراع "المفترض" بين الرئاسة والمخابرات، ومن أكد أن الأمر متعلق بإعادة تنظيم عمل المؤسسة العسكرية، في حين أكد طرف ثالث أن الأهم هو أن تكون هناك متابعة حقيقية لملفات الفساد، وأن يفصل فيها على مستوى العدالة.

وكانت وسائل إعلام محلية جزائرية كشفت أن الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع وقائد أركان الجيش كلف أمس جهاز الدرك الوطني الذي يرأسه اللواء أحمد بوسطيلة بمتابعة وتسيير عملية التحقيق في ملفات الفساد التي شهدتها عدة قطاعات حيوية في البلاد، وعلى رأسها قطاع الطاقة.

ويأتي هذا بعدما قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في سبتمبر/أيلول الماضي حل مصلحة الشرطة القضائية التابعة لمديرية الأمن والاستعلامات (جهاز المخابرات) التي يرأسها الجنرال محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق.

وطرح ذلك في حينه عدة تساؤلات حول مصير ملفات الفساد المتعلقة بالعديد من المشاريع الاقتصادية الكبرى، خاصة ما تعلق منها بقضية شركة سوناطراك النفطية، وهي أكبر شركة حكومية في الجزائر، إلى جانب قضايا أخرى مثل قضية الخليفة، وقضية الطريق السيار شرق غرب.

 
‪محمد دخوش: تكليف الدرك أحد تداعيات‬ (الجزيرة نت)
‪محمد دخوش: تكليف الدرك أحد تداعيات‬ (الجزيرة نت)
تحييد أم تنظيم؟
ويأتي إعفاء المخابرات من التحقيق في ملفات الفساد بعد خطوة أخرى حدثت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وتمثلت في قرار وزارة الدفاع إعفاءها من متابعة الأنشطة السياسية التي تحدث عبر الولايات الجزائرية، وتم توكيل وزارة الداخلية بذلك.

هذه القرارات التي طالت جهاز المخابرات، في تقدير البعض هي استكمال لمسلسل تحييد هذا الجهاز عن التأثير في مفاصل الدولة، لكنها برأي البعض الآخر تأتي في سياق إعادة تنظيم عمل المؤسسة العسكرية، ولا تتعلق بصراع "مفترض" بين الرئاسة والمخابرات بشأن الولاية الرئاسية الرابعة للرئيس بوتفليقة، والتي كانت محل جدل وتجاذب كبيرين قبيل انتخابات الرئاسة التي جرت يوم 17 أبريل/نيسان الماضي.

وفي هذا السياق يؤكد الخبير في العلاقات المدنية والعسكرية محمد دخوش للجزيرة نت أن هذا التكليف أحد تداعيات فوز الرئيس بوتفليقة بولاية رئاسية رابعة، وبرأيه فإن كل المؤشرات تؤكد أن دائرة الاستعلامات والأمن لم تكن متحمسة لترشح بوتفليقة مجددا.

 
لذلك يعتبر دخوش أن قرار تكليف جهاز الدرك بمتابعة قضايا الفساد وسحب الملف من يد المخابرات بعد أن كان يشكل أحد أهم الميادين التي تتحرى فيها، يشكل استمرارا لمسلسل الصراع النخبوي بين الساسة والعسكر في الجزائر.
 
كما يأتي هذا الإجراء -حسب دخوش- في إطار رغبة مؤسسة الرئاسة في استعادة كل نقاط القوة من يد أقوى مؤسسة أمنية في البلاد وإعطائها لحلفائها، خاصة أن قائد جهاز الدرك اللواء بوسطيلة -حسب دخوش- يعتبر أحد أهم حلفاء الرئيس بوتفليقة داخل المؤسسة العسكرية.

ولفت إلى أن ملفات الفساد التي أثيرت مؤخرا طالت كلها أهم رجالات الرئيس الذي يعرف -حسب رأيه- مصدر وصول الملفات إلى الصحافة والقضاء، في إشارة إلى المخابرات، لذلك فهو بهذا القرار يغلق كل مصدر تهديد أو إزعاج للزمرة الحاكمة تمهيدا لبسط يدها على كل مفاصل الدولة.

 
لخضر بن خلاف: الأهم أن تكون هناكمتابعة حقيقية لملفات الفساد (الجزيرة نت)
لخضر بن خلاف: الأهم أن تكون هناكمتابعة حقيقية لملفات الفساد (الجزيرة نت)
مصير الملفات
من جانبه أكد لخضر بن خلاف رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة العدالة والتنمية -والذي طالب في وقت سابق بفتح نقاش عام في البرلمان الجزائري حول الفساد- أن الأمر الأهم لا يتعلق بهوية الجهة التي تتولى التحقيق ومتابعة ملفات الفساد، وإنما بأن تكون هناك متابعة حقيقية لهذه الملفات، وأن يفصل فيها على مستوى القضاء، وأن تتخذ الإجراءات اللازمة في الملفات المطروحة.

والأهم أيضا برأيه أن يتم استرجاع الأموال المنهوبة المهربة إلى الخارج، وذكر في هذا السياق بالوعد الذي أطلقه وكلاء الرئيس خلال تنشيطهم للحملة الانتخابية الأخيرة، حينما تعهدوا على لسان بوتفليقة بالعمل على استرجاع هذه الأموال.

 
وتساءل بن خلاف في حديثه للجزيرة نت عن مصير الملفات التي كانت بيد المخابرات، هل سيتم الفصل فيها أم ستعامل وفق منطق "عفى الله عما سلف" ويتم إصدار عفو شامل، خاصة أن البعض -حسب حديثه- يروج بقوة لهذه الفكرة؟

لكنه شكك أصلا في وجود إرادة حقيقية لدى السلطة لمكافحة الفساد، وفي هذا السياق يتساءل قائلا "كيف يتم إقرار قانون للفساد عام 2006 ولا يتم تنصيب الهيئات المكلفة بمكافحته إلا عام 2013؟"، وهذا ما يعكس في تقديره غياب إرادة حقيقية لمكافحة الفساد.

في المقابل يشدد العقيد المتقاعد بن عمر بن جانا في حديثه للجزيرة نت أن هذا القرار يدخل في إطار إعادة تنظيم عمل المؤسسة العسكرية، وغير مرتبط بمحاولة لتهميش وإضعاف أي جهاز عسكري على حساب آخر، لأن المؤسسة العسكرية بالنهاية -حسب رأيه- متماسكة وقوية.

المصدر : الجزيرة