قزموز: "اغتيال المدينة" يحكي خسارة فلسطين

لقطات من حلقة تحت المجهر / اغتيال المدينة
يافا.. حيفا.. الناصرة.. كانت وجه فلسطين

رامز قزموز

كنت أسمع دائمًا عن يافا، وأسأل نفسي: هل كانت يافا حقًا مدينة حديثة ومتطورة؟ هل ما تقوله إسرائيل عنا صحيح، أم أن الحقيقة المطموسة تنتظر فقط أن نبحث عنها لنعرفها ونعرّف العالم بها؟

توصلت من خلال بحثي إلى أن ما تقوله إسرائيل عنا غير صحيح، فهي تدعي أننا كنا شعبا غير متحضر، وهم من أتى بالحضارة والتقدم إلى هذه البلاد.. نحن مقتنعون بأن هذه كذبة كبيرة جدًا، لكننا لا نعرف تفاصيل الكذبة، أو بالأحرى تفاصيل الحقيقة.

عندما نعي هذه التفاصيل فإننا نعي حجم الخسارة، فمدينة يافا امتلكت كل مقومات المدينة، اجتماعيًا وسياسيًا وحضاريًا وثقافيًا واقتصاديًا ونقابيًا.. سكك الحديد كانت متطورة في فلسطين، الميناء في يافا كان رافعة اقتصادية، دور السينما في فلسطين استضافت كبار الفنانين من العالم العربي، وكانت فلسطين موقع عمل لآلاف العمال المهاجرين إليها من غالبية الدول العربية.. لذلك كان مهما بالنسبة لي من خلال الفيلم إبراز هذه التفاصيل.

جدير بالذكر أن الجديد في فيلمي "اغتيال المدينة" هو أنه ينقل ما كانت فلسطين عليه قبل عام 1948، فالمعتاد أن غالبية الأعمال عن النكبة بكائيات وحديث عن التهجير، لكن المميز في هذا العمل أنه يحكي عما خسرناه بتفاصيله ومن خلالها خسارتنا الوطن. لقد كانت في فلسطين حياة مدينية، وكانت يافا تنافس بيروت والقاهرة، ولو لم تقع النكبة لكانت اليوم من أهم مدن الشرق الأوسط.

استهدفتُ بإخراج الفيلم أن يكون أي شخص في العالم مشروع جمهور.. على الجميع أن يعرف أن الحداثة والتطور والتمدن ليست نتاجا إسرائيليا، بل هي من منعتها عنا حتى اليوم. لقد دمرت إسرائيل المدن الفلسطينية وبنت عليها مدنها، واستولت على كل شيء في أكبر عملية سرقة في التاريخ.

ولعل مدينة الناصرة التي لم تُهجر عام 48، أكبر شاهد على ذلك باعتبارها الأقرب إلى تشكيل المدينة الفلسطينية بكل ما تحمله المدينة من دلالات، إلا أن الناصرة مُحاصرة، مستبعدة عن التطوير كما طوروا عشرات المدن الإسرائيلية، ولو سمح لها بذلك لصارت مدينة بما تحمله الكلمة من معنى.

رسالتي للفلسطينيين وخصوصًا الشباب منهم، هي أنّ من لم يعرف ما كان قبل النكبة لا يستشعر طعم الخسارة.. أريد للشباب أن لا يشعروا بعقدة النقص وهم يتجولون في المدن الإسرائيلية، فنحن أيضا عظماء، ليس فقط في فترة صلاح الدين وهارون الرشيد والمتنبي، بل في العصر الحديث قبل أن تأتي إسرائيل وتغتال مدننا الناشئة.. يحق لنا أن نفخر بما كان لدينا من ثقافة وصناعة وتجارة وأدب ومسرح وفنون.

لو أن تطور فلسطين كان طبيعيا من دون الضربات التي تلقتها ولا تزال لكانت جنة عدن. كم أتمنى لو كان وضعنا اليوم في الداخل مثلما كان عليه قبل العام 1948، فنحن قبل النكبة نسبق أنفسنا اليوم بفترات.

سرقوا دولتنا، وكل القوانين التي يشرعونها اليوم هي استكمال لهذه السرقة، وكل التمييز العنصري والمصادرة ومنع التطوير عن مدننا وخنق البلدات العربية هدفه وقع عجلة الإنماء استكمالا لما بدؤوه إبان نكبة 1948 وما قبلها.

المصدر : الجزيرة