إخوان الأردن و"زمزم".. صراع على رهانات المستقبل

احد ندوات ولقاءات المبادرة الوطنية للبناء زمزم
لقاء سابق لأعضاء المبادرة الوطنية "زمزم" (الجزيرة نت)

محمد النجار-عمان

لا يبدو أن قرار جماعة الإخوان المسلمين بالأردن فصل ثلاثة من أبرز قيادات ما يوصف بتيار الحمائم من مؤسسي "مبادرة زمزم" سيمر بهدوء، لا سيما مع وجود ما يشبه الإجماع لدى المراقبين على أن القرار سيؤثر في مستقبل الجماعة وسيضيف للأزمات التي تواجهها محليا وإقليميا أزمة داخلية لا تبدو أنها في ترف من الوقت للتعامل معها.

وتبدو الرهانات متضاربة بين قيادة جماعة الإخوان التي لا ترى أن القرار سيؤثر على وحدتها وتماسكها، وبين قيادات "زمزم" التي ترى أنه سيؤدي إلى أزمة داخل الجماعة تدفع قيادات وأفرادا بداخلها للانحياز إلى زمزم ومشروعها. ومقابل الطرفين يسعى التيار المناوئ للإخوان داخل مطبخ القرار السياسي بالدولة لاستغلال ما جرى من أجل إضعاف الطرفين، خصوصا الجماعة وشرعيتها وخطابها الداعي للإصلاح السياسي.

وأبلغت المحكمة المركزية في جماعة الإخوان المسلمين أمس الأحد كلا من رحيل غرايبة النائب السابق للمراقب العام للجماعة، والقياديين فيها نبيل الكوفحي وجميل دهيسات، بقرار فصلهم بناء على ما اعتبرتها مخالفات تنظيمية لهم إثر استمرارهم في العمل ضمن مبادرة زمزم التي جرى إشهارها في سبتمبر/أيلول الماضي.

وسينسحب القرار على العشرات من أفراد الجماعة الذين انضموا إلى المبادرة ولم يلتزموا بما قالت الجماعة إنه قرار لقيادتها بعدم الانخراط بأي شكل في المبادرة، مع الإشارة إلى أن القرار قابل للاستئناف، غير أن قيادات زمزم صرحت بأنها لن تلجأ لاستئنافه.

لا تعليق

ورفضت قيادات بالجماعة التعليق على القرار، غير أن مصادر هامة داخل القيادة لا ترى أي سبب يدعوها للقلق من تأثيراته على مستقبل الجماعة ووحدة صفها الداخلي، وتكتفي بالإشارة إلى الجانب القانوني منه باعتبار أن القضاء داخلها "مستقل ولا وصاية للقيادة عليه".

وتنفي ذات المصادر تلقيها تحذيرات من قيادات هامة داخل الجماعة من اتخاذ أي قرار بفصل القيادات الثلاثة، وترى أن مثل هذه الأخبار "غير دقيقة"، بل إن أحد قيادات الجماعة المحسوبين على "تيار الصقور" يرى أن قرار الفصل يريح "تيار الحمائم" من الأزمة التي وضعتهم بها قيادات "زمزم"، معتبرا أن أكبر ضربة تلقتها قيادات الحمائم "المتمسكة بشرعية الجماعة" جاءت من القيادات التي اختارت الخروج عبر زمزم لا من الأطراف المنافسة لهم داخل الجماعة، على وصف القيادي البارز.

ذات القيادي يرى أن الاختبار الأهم للجماعة وتماسكها سيظهر في الانتخابات التي سيشهدها حزب جبهة العمل الإسلامي -الذراع السياسي للجماعة- ابتداء من الأيام المقبلة، مع المساعي القائمة لتولي أحد أبرز قيادات الحمائم -وهو سالم الفلاحات- منصب الأمين العام للحزب.

‪الدكتور رحيل غرايبة‬ (الجزيرة نت)
‪الدكتور رحيل غرايبة‬ (الجزيرة نت)

انتقادات حادة
على الجهة المقابلة، تبدو قيادات زمزم مستاءة إلى حد كبير من القرار، وعبرت عن ذلك في بيان لها صدر مساء أمس الأحد، لكن التعبير الأوضح جاء في مقال للقيادي البارز في المبادرة د. رحيل غرايبة في صحيفة "الدستور" اليوم الاثنين.

واعتبر الغرايبة أن القرار يجانب الحكمة من قيادات اتهمها بضيق الأفق وقصر النظر والعجز عن استيبعاب إخوان قضوا معهم ما يزيد عن 40 عاما لمجرد الاختلاف في الرأي والاجتهاد على حد قوله، متسائلا "كيف سيصدق الناس أن هؤلاء قادرون على استيعاب الاتجاهات السياسية والمكونات الدينية والاجتماعية؟"، ومعتبرا أن ذلك يؤدي إلى الإضرار بمستقبل الجماعة السياسي، والطعن في مصداقيتها "خلال سنوات عجاف تتعرض الجماعة فيها للتضييق والمطاردة في أقطار عديدة".

ولا تخفي قيادات وأفراد من زمزم اعتبار قرار الفصل دليلا آخر يضعونه أمام مناوئي قيادة الجماعة الحالية -وخاصة من تيار الحمائم- بأنها لا تتسع لتعدد الآراء داخل الجماعة، مع تأكيدها المستمر أن زمزم انطلقت وما زالت كمبادرة اجتماعية وليست بديلا عن الإخوان، ولن تتحول إلى حزب سياسي ينافسهم، عوضا عن نفيهم القاطع أن يكونوا تيارا مدعوماً من النظام الأردني لإضعاف الجماعة وشق صفها الداخلي.

وبحسب مصادر للجزيرة نت، ظهرت حالة من عدم الرضا على قيادات هامة وتاريخية في الجماعة، اعتبرت أن القرار متسرع وصدر في وقت تواجه فيه الجماعة تحديات وجودية ليس في الأردن فقط وإنما على مستوى الإقليم، ولا يعرف إن كان هذا القرار سيؤدي إلى التحاق قيادات وأفراد جدد من الجماعة بالمبادرة.

بعض المراقبين يرون أن القائمين على زمزم فشلوا في التدليل على أنهم ليسوا مشروعا مدعوماً من السلطة في الأردن لإضعاف الجماعة

أزمة داخلية
وبرأي مراقبين ومحللين فإن توقيت القرار من الجماعة يدلل على الأزمة الداخلية التي تعيشها، رغم رهانات القيادة الحالية على عزل قيادات زمزم مقابل إعادة الاعتبار لتيار الحمائم الذي رفض الانخراط في مبادرتها، وينظر هؤلاء إلى القرار باعتباره "هدية مجانية" قدمها الإخوان لخصومهم في النظام والمجتمع، باعتبارهم جماعة تعيش أزمات داخلية ولا تطيق ذرعا بالرأي الآخر، مما يجعلها عاجزة عن تقديم الرؤى للإصلاح السياسي.

غير أن بعض المراقبين يرون أن القائمين على "زمزم" فشلوا في التدليل على أنهم ليسوا مشروعا مدعوماً من السلطة في الأردن لإضعاف الجماعة، خاصة في الحضور الرسمي اللافت جداً لإشهار المبادرة العام الماضي.

ولا تخفي مصادر تحدثت للجزيرة نت أن القرار سيعزز من رهان التيار المعادي للإخوان داخل المطبخ الرسمي في الاستمرار بإضعاف الجماعة، علما بأن هذا التيار لا يراهن حتى على زمزم إلا في سياق استثمارها في إطار خطابه لإضعاف الجماعة.

وبينما يبدو قرار الأردن رافضا لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية بعد تصنيف حلفائه في مصر والسعودية، يعزز هذا القرار الإخواني رؤية مطبخ القرار الرسمي بالاستثمار في الخلافات داخل جماعة الإخوان واستثماره سياسيا وإعلاميا، دون الرهان على من يستمر في التمسك بشرعيتها ورؤيتها السياسية داخل الجماعة وخارجها.

المصدر : الجزيرة