لليوم السابع.. بكين تختنق بتلوث غير مسبوق

السيارات تلوث سماء العاصمة الصينية بكين
undefined

 
عزت شحرور-بكين

في صباح اليوم السادس لموجة الضباب الكثيف التي تغطي سماء العاصمة الصينية ومناطق أخرى، فاجأ الرئيس الصيني شي جين بينغ بعض مواطنيه، عندما ظهر في أحد الأحياء التقليدية القديمة برفقة عمدة المدينة وعدد محدود من المرافقين.

بالطبع لم يضع الرئيس كمامة على وجهه للوقاية من استنشاق هواء بكين الملوث كما هو حال معظم الصينيين في هذه الأيام. فقد كانت الرسالة التي يريد أن يوجهها هو ما ذكرته بلدية بكين على موقعها الإلكتروني "نتنفس الهواء نفسه، ونتشارك المصير ذاته".

نزول القيادات الصينية إلى الشارع واحتكاكها بالجماهير ليست شأنا معتادا في السلوك الصيني باستثناء أوقات الكوارث الكبرى كالزلزال والفيضانات. وهذا ما لم تقله الزيارة لكنها عكسته بوضوح.

فقد اعتبر ممثل منظمة الصحة العالمية لدى بكين بيرنارد سواتشهاندر أن ما تشهده البلاد هو أزمة حقيقية، وطالب السلطات الصينية بسرعة اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة لإنقاذ حياة المواطنين وتحسين نوعية الهواء الذي يستنشقونه.

‪‬ تحذير برتقالي من تلوث يخنق بكين وأقاليم صينية أخرى(الجزيرة نت)
‪‬ تحذير برتقالي من تلوث يخنق بكين وأقاليم صينية أخرى(الجزيرة نت)

معدلات خطرة
وكانت دراسة أعدتها الأكاديمية الصينية للتخطيط البيئي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي قد خلصت إلى نتيجة أن نحو 350 ألف صيني يقضون نحبهم كل عام بسبب تلوث الهواء.

وتعد موجة التلوث والضباب الكثيف التي تغطي سماء العاصمة بكين ومدن ومقاطعات وأقاليم أخرى هي السوأى من نوعها. فهي أثقلها وأشدها وطأة وأكثرها اتساعا وأطولها زمنا.

فقد سجلت مقاييس جسيمات بي أم 2.5 التي تعتمدها الصين لقياس درجة التلوث أرقاما هي العليا في مثل هذه الحالات، وتجاوزت 600 ميكروغرام لكل متر مكعب، علما بأن المعدل الطبيعي الذي حددته منظمة الصحة العالمية هو 25 ميكروغراما لكل متر مكعب، مما أثار خوفا وهلعا لدى المواطنين وقلقا لدى السلطات.

أحد المارة الذين حاولت الجزيرة نت استطلاع آرائهم يقول بغضب "إن ارتداء الكمامات والأقنعة لم يعد مجديا، فقد حاولت ارتداء كمامة مؤلفة من عدة طبقات في الأيام السابقة، إلى درجة أنني لم أعد قادرا على التنفس". ويضيف أن "الحياة في هذه المدينة لم تعد تطاق".

وأدت موجة التلوث والضباب الحالية إلى ازدياد حدة الانتقادات للحكومة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حيث انتشرت الكثير من الصور والمواد الفيلمية والتعليقات اللاذعة لأداء الحكومة.

وشكك البعض بنجاعة الإجراءات المتخذة، بينما ذهب البعض الآخر إلى اعتبارها غير قانونية. فيقول أحد التعليقات "بدلا من أن تقوم الحكومة بالتعدي على حقوقنا ومنعنا من قيادة سياراتنا الخاصة في أيام محددة في الأسبوع، عليها أولا أن توقف منع التصاريح للشركات لبناء مصانع الحديد والإسمنت أو تفرض عليهم اقتناء معدات صديقة للبيئة".

أحد المواطنين في مدينة شي جيا جوانغ جنوب العاصمة بكين رفع قضية على الحكومة المحلية هي الأولى من نوعها، وطالبها بتعويضات لعجزها عن تأمين هواء صحي للمواطنين. وبغض النظر عما إذا كان القضاء سيأخذ بالقضية وسيحكم لصالح المواطن أم لا، لكنها تبقى سابقة لم يعهدها الصينيون في التجرؤ على مقاضاة حكوماتهم.

‪‬ الكمامات وحدها لم تعد كافية للوقاية من أخطار التلوث في الصين(الجزيرة نت)
‪‬ الكمامات وحدها لم تعد كافية للوقاية من أخطار التلوث في الصين(الجزيرة نت)

تحذيرات علمية
وحذر علماء صينيون في كلية الزراعة من أن استمرار موجات التلوث والأمطار الحامضية قد يؤدي إلى كوارث كبيرة على المحاصيل الزراعية وعلى الأمن الغذائي في الصين بمجمله، وقد تفوق التأثيرات النووية التي خلفها مفاعل تشرنوبيل في ثمانينيات القرن الماضي. وفق وصفهم.

وكانت أكاديمية العلوم الاجتماعية في شنغهاي قد حذرت في دراسة أجرتها الشهر الماضي من أن العاصمة بكين أصبحت "تقريبا" غير صالحة للسكن الآدمي بسبب التلوث، كما ورد في التقرير.

وبانتظار انقشاع هذه الموجة من التلوث والضباب الكثيف، ستبقى كل الأنظار معلقة بالقرارات التي سيتخذها مجلس نواب الشعب الصيني (البرلمان) في دورة انعقاده السنوية بعد أيام قليلة.

وسيبقى التعهد الذي قطعه عمدة بكين غو جين لونغ على نفسه أمام وسائل إعلام محلية بأنه إن لم يتمكن من حل أزمة التلوث في مدينته بحلول العام 2017، سيقدم على قطع رأسه بيده، وهو قول صيني شائع، وبالطبع يرغب الجميع بنجاح العمدة في تحقيق حلمه ومهمته الصعبة، كي ينعم هو وسكان العاصمة وزائريها باستنشاق هواء نقي أو على الأقل غير قاتل.

المصدر : الجزيرة