قصة مُعمَّريْن تروي مأساة السوريين بالزعتري

ابو محمد اكبر معمر في مخيم الزعتري مشغول بأخبار سوريا ولا يسأل إلا عن موعد العودة اليها

undefined

محمد النجار-عمان

لا يتمنى أكبر لاجئيْن سورييْن في الأردن تجاوزت أعمارهما المائة عام سوى العودة إلى سوريا. وبعيداً عن الآمال بالحياة، لا يخشى الطاعنان في السن سوى أن يتوفاهما الله في اللجوء بمخيم الزعتري، حيث باتت دعواتهما تنصب على أن يجدا قبرين لهما في وطنهما الذي عاشا فيه أكثر من قرن من الزمان.

أبو محمد الذي تجاوز عمره 111 عاما، وراشد دخل الله "أبو إبراهيم" الذي يبلغ من العمر 107 سنوات، وهما من محافظة درعا المحاذية للأردن، لا يجد الجالس معهما سوى أن يشاطرهما الحزن الذي تترجمه ملامحهما وتلك الكلمات القليلة التي تنبس بها شفتاهما.

قصة أبو محمد روتها بحضوره ابنته في خيمتهما بمخيم الزعتري للاجئين السوريين، حيث يعيش العجوز مع ابنته بعدما توفي زوجها في سوريا قبل تسع سنوات.

تقول الابنة، التي طلبت عدم ذكر اسمها، "والدي عمره 111 سنة، وكان بصحة أفضل عندما كنا بسوريا، ولكن منذ أن لجأنا للأردن قبل تسعة أشهر وصحته في تراجع، حتى إنه لا يسمع اليوم إلا بصعوبة، ويحتاج لسماعات لمساعدته على السمع، وهي أجهزة لا توفرها الجهات المسؤولة عن المخيم".

‪أبو إبراهيم يحاول تثبيت خيمته التي تحولت لمكان إقامته منذ لجوئه للزعتري‬ (الجزيرة نت)
‪أبو إبراهيم يحاول تثبيت خيمته التي تحولت لمكان إقامته منذ لجوئه للزعتري‬ (الجزيرة نت)

بيت متنقل
وأضافت ابنة أكبر معمر بين اللاجئين السوريين في الأردن قائلة "حضر أبي ليسكن معي منذ تسعة أعوام بعد أن توفي زوجي، ومن يومها لم يفارقني وملأ عليّ وعلى أولادي حياتي، وأتمنى من الله أن يطيل في عمره أكثر".

تروي الابنة حسرة أبيها على تركه سوريا حيث اضطُّر إلى ذلك بسبب القصف والقتل اليومي هناك. وتضيف أنه دائم السؤال عن موعد العودة إلى درعا، حتى إنه يسأل عن الطبيب الذي كانت تأخذه إليه هناك، وعندما يشاهد صوراً عمّا تعانيه سوريا في التلفزيون يتأثر ويلهج بالدعاء بأن ينهي الله هذا الوضع.

وتتحدث الابنة عن الحياة الصعبة التي يعيشها والدها في مخيم الزعتري، ذلك أنهم يقيمون في خيمة حيث لا توفر لهم الجهات المسؤولة كرافاناً (بيتا متنقلا) والأدوية الضرورية وسماعة طبية لأبيها.

وقالت إن أباها كان يروي لها ذكرياته لا سيما مشاركته في حرب فلسطين عام 1948، وكيف كان يعيش حياة مستقرة في سوريا قبل أن يشمل القصف منزلهم، مما اضطرهما للجوء الذي يخشى والدها أن تكون نهايته فيه.

وواصلت الابنة حديثها عن والدها والدموع تسيل على خديها، فقالت إن اللجوء "أذله وأذلنا"، داعية المولى عز وجل أن يبدل أحوال السوريين بحال أفضل.

أبو إبراهيم بجوار حفيده في الزعتري (الجزيرة نت)
أبو إبراهيم بجوار حفيده في الزعتري (الجزيرة نت)

أبو إبراهيم
وفي موقع آخر من المخيم الذي يقطن فيه أكثر من 120 ألف لاجئ سوري، يعيش راشد دخل الله أبو ابراهيم، وهو من مواليد عام 1907، ولا يتمنى شيئاً من الله تعالى سوى أن يوارى الثرى في بلدته "تسيل" بمحافظة درعا والتي قضى جل حياته فيها.

روى أبو إبراهيم ذكرياته التي بدت منحصرة في علاقته بأرضه التي أفنى عمره في فلاحتها، فيتحدث عن سنوات طويلة من الزراعة وجني المحاصيل من القمح والحمص والعدس وغيرها، ولا يخفي رغبته بأن يعيده الله لتلك الأرض يوماً.

وبدت ذاكرة ابن المائة وسبعة أعوام حادة، فقد كان يروي حكايته في بلدته، وقصص الفلاحة بأرضه، وعلاقاته بأولاده وأحفاده وجيرانه، وعن حياة الناس في درعا وخاصة المزارعين، وكان يتبع كل واحدة من هذه القصص بالتحسر على تلك الحياة التي قال إنها انتهت بعد القصف والموت الذي أجبر الناس على الهروب للأردن.

ولم يُخفِ المعمر السوري غضبه من نمط حياته في المخيم التي امتدت حتى الآن لأكثر من عامين ونصف العام، ويتحدث عن عدم خروجه من خيمته إلا للصلاة أحياناً، والجلوس على بابها أحياناً أخرى.

ولعل أكثر ما ظل يتردد على لسان أبو إبراهيم قوله بلهجة عامية "وين أمة محمد، وين العالم عن اللي بيصير بسوريا؟".

ويسرد أبو إبراهيم مشاهد من الحياة اليومية في الزعتري والتي يقول إنه لا يوجد لها مثيل في مكان آخر، فالناس مشغولة بتدبير حصصها الغذائية والأغطية وتلقي المساعدات والاستماع للأخبار.

المصدر : الجزيرة