سيناء.. فجوة بين الواقع وتغطية الإعلام

آثار قصف مروحيات الجيش المصري على مدينة رفح شمالي سيناء
undefined

بعد سنوات من التهميش والإقصاء عادت سيناء لتظهر على قائمة اهتمامات الإعلام المصري بعد بوادر خجولة من الرئيس المعزول محمد مرسي تتحدث عن ضرورة تنميتها والاستماع لمظالم أهلها، ثم تكثف هذا الظهور في الأسابيع الماضية بعدما باتت سيناء مسرحا للكر والفر بين الجيش والشرطة من جهة وجماعات مسلحة مجهولة من جهة أخرى.

ومنذ تدخل الجيش والشرطة لفض اعتصام أنصار مرسي بالقوة في 14 أغسطس/آب الماضي الذي أدى إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف، كان لمحافظة شمال سيناء نصيب كبير من حالة التوتر التي تشهدها مصر حيث شهدت المحافظة عشرات الهجمات على الجيش والشرطة اللذين ردا بدورهما عبر حملات عسكرية ضخمة وصلت إلى حد استخدام الدبابات والمروحيات الهجومية.

ووفقا لتوصيف الإعلام المحلي في معظمه، فإن ما يجري في سيناء حرب بين الجيش والشرطة اللذين يسعيان لحماية البلاد واستقرارها من جانب، وبين "متشددين" إسلاميين أو مسلحين "جهاديين" أو في كل الأحوال عناصر "إرهابية" تريد زعزعة استقرار البلاد وتعمل في الغالب وفق أجندات أجنبية شريرة.

وانطلاقا من هذا التوصيف فإن هذا الإعلام يحتفي ويهلل لما يقوم به الجيش من عمليات، مع أنها وصلت إلى حد لم يألفه المصريون وربما لم يتخيلوه حيث تم استخدام الطائرات في قصف قرى تقع في المنطقة بين رفح والشيخ زويد، فضلا عن انتشار عسكري كثيف ترافق معه تطبيق لحظر التجول وإغلاق للطرق وقطع للاتصالات الهاتفية.

الإعلام القاهري اعتاد على أن يقدم عن سيناء الصورة التي يريدها أو يتوهمها لا تلك التي تحدث على أرض الواقع

بين الوهم والواقع

أما إذا تحدثت إلى أحد من أهل سيناء نفسها واستمعت إلى روايته للأحداث أو رؤيته لتطورها، فستجد البون شاسعا بين ما تسمع وما يتحدث به الإعلام، وهو ما فسره لنا أحد الصحفيين المحليين في شمال سيناء بأن الإعلام القاهري اعتاد على أن يقدم عن سيناء الصورة التي يريدها أو يتوهمها لا تلك التي تحدث على أرض الواقع.

ينطبق هذا على جديد الأحداث وقديمها على حد سواء، حيث يؤكد ذلك الصحفي -وهو من سكان رفح- أن ما يردده الإعلام حتى لو كان أحيانا نقلا عن بيانات عسكرية لا يكون صحيحا، ويضرب مثلا بالعملية العسكرية السابقة التي قام بها الجيش قبل نحو أسبوعين وتحدث بيانه عن قتل 15 مسلحا، في حين يؤكد الصحفي المحلي أن حصيلة ذلك القصف كانت قتيلين ومصابين، وأنهم كانوا من المواطنين العاديين ولا علاقة لأي منهم بأي جماعات أو عمليات إرهابية.

وعندما سألناه عن احتمال أن يكون قتلى العملية أكثر من ذلك، قال إن رفح مدينة صغيرة يعرف أهلها بعضهم البعض إلى حد كبير، ولو قتل أشخاص آخرون لكان أهل رفح أول من يعرف، مضيفا أن السلطات تستسهل على ما يبدو وصف أي متدين أو سلفي بأنه مسلح جهادي لتبرير قتله وللاستمرار في إيهام الرأي العام بأن "حربا تجري على الإرهاب في سيناء".

اعتقال أبو دراع يعبر عن إصرار السلطة على ألا تعرض عن سيناء إلا ما تريده هي ليبقى ملايين المصريين جاهلين بما يجري في تلك البقعة من أرضهم

انتصارات وهمية
وبمنطق مشابه تحدثت مجموعة جهادية مهمة قبل أيام عن سعي الجيش إلى "الترويج لعمليات زائفة وانتصارات وهمية في سيناء" وذلك في بيان نشر على موقع السلفية الجهادية غداة إعلان الجيش مقتل ثمانية "جهاديين" في قصف نفذته مروحيات عسكرية.

وأكد البيان أن "عمليات الجيش في سيناء ما هي إلا اعتقالات عشوائية للأبرياء وإخراج صورهم على أنهم مسلحون وخطرون، وهم من الأبرياء ولا ناقة لهم ولا جمل في أي أحداث في سيناء، فضلا عن عمليات قصف لبيوت الأهالي يصورونها على أنها قصف لمواقع المسلحين، وكل ما يصرحون به من قتل أو أسر لأعداد كبيرة من المسلحين فهو كذب مفضوح".

ووسط جدل ما يشعر به كثير من أهل سيناء من رغبة لدى القاهرة في التعتيم على ما يجري عندهم أو تقديم صورة مغايرة للحقيقة، جاءت واقعة اعتقال الصحفي السيناوي أحمد أبو دراع وإحالته للنيابة العسكرية التي قررت أمس إحالته إلى محاكمة عسكرية بدعوى نشره أخبارا كاذبة عن القوات المسلحة ونتائج أعمالها في شمال سيناء "مما أضعف الثقة في الدولة وهيبتها واعتبارها".

واتهمت النيابة أبو دراع بعرض "نتائج مخالفة لواقع الحملة الأمنية التي يقوم بها الجيش لتطهير البؤر الإجرامية". واعتبرت أن من شأن ذلك "تكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة".

واعتبر ناشطون أن اعتقال أبو دراع يعبر عن إصرار السلطة على ألا تعرض عن سيناء إلا ما تريده هي ليبقى ملايين المصريين جاهلين بما يجري في تلك البقعة من أرضهم خصوصا مع وجود تعتيم مقصود، على حد تعبير د. يسري  حماد نائب رئيس حزب الوطن الذي قال إن معظم المصريين لا يعرفون أسباب التوتر الحقيقية هناك.

المصدر : الجزيرة