اللاجئون السوريون في لبنان بين الإهمال ومحاولات الاستغلال

epa03311362 Syrian refugees are seen crossing the Lebanese border post at Al Masnaa area upon their arrival from Syria, in Al Masnaa, Lebanon, 19 July 2012. Unrest in Syria has triggered the departure of thousands of people who fled the violence, some 150,000 went to Jordan while tens of thousands others headed to Turkey and Lebanon. EPA/LUCIE PARSEGHIAN
يؤكد البعض أن لبنان يشهد "اتجارا ضخما" بملف اللاجئين السوريين (الأوروبية)

الجزيرة نت – طرابلس

يؤكد العاملون في مجال الإغاثة الإنسانية في لبنان أن وضع اللاجئين السوريين في هذا البلد وصل حدا "كارثيا" بسبب التراجع الملحوظ في حجم الدعم والمساعدات الإنسانية المقدمة لهم مقارنة بالشهور الأولى من بداية الأزمة في سوريا، وأيضا بالنظر لتفشي مظاهر الفساد واستغلال ملف النازحين السوريين من قبل بعض الجمعيات والمنظمات الإغاثية السورية واللبنانية لتحقيق مآرب شخصية ضيقة وربح المال.

وبالرغم من غياب إحصائيات لبنانية رسمية لعدد هؤلاء اللاجئين السوريين داخل لبنان، فإن تقريرا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحدث عن تجاوز عددهم عتبة نصف مليون لاجئ يتركزون أساسا في منطقة شمال لبنان -وتحديدا مدينة طرابلس التي يقدر عدد العائلات السورية فيها بحوالي 15 ألف أسرة، أي ما يناهز تسعين ألف لاجئ- وفي منطقتي البقاع وجبل لبنان والعاصمة بيروت.

ويرى ممثل منظمة الإغاثة والإنقاذ السورية (وهي منظمة سويدية) في لبنان محمد الدبوسي أن أوضاعهم المعيشية والاجتماعية وصلت مستوى كارثيا بسبب توقف أكثر الجمعيات الإنسانية -وهي في غالبيتها منظمات غربية- عن مد يد العون لهم.

وأرجع الدبوسي ذلك إلى ما لمسته الجمعيات من مظاهر الفساد والاتجار بملفهم، وبعد أن تجلت الصورة بوضوح بأن "هناك تجارا ولصوصا يستغلون مأساة اللاجئين السوريين للربح الشخصي، وكنا دائما نخاف أن نتكلم ونفضح ما يقع هنا فقط لكي لا تتوقف هذه المساعدات".

وفي هذا الإطار، يؤكد الدبوسي أن "المال الذي ضخ على اللاجئين السوريين خصوصا في بداية الأزمة كان يكفي دون مبالغة لشراء بيوت وشقق لهم داخل لبنان.. المشكلة ليس أن ما يصلهم قليل بل أنه لم يعد أي شيء يصل".

‪الدبوسي: الفساد المالي في ملف اللاجئين السوريين ضخم‬ (الجزيرة نت)
‪الدبوسي: الفساد المالي في ملف اللاجئين السوريين ضخم‬ (الجزيرة نت)

فساد ضخم
ويضيف "الاتجار بملف اللاجئين السوريين في لبنان ضخم وضخم جدا، والفساد المالي ضخم جدا وهناك أرقام خيالية، مثلا إحدى الجهات تعاملنا معها في الجمعية ولما اطلعنا على الملف الذي قدموه للمانحين فوجئنا أنهم خصصوا لكل لاجئ سوري 240 ألف دولار لاستئجار بيوت، ونحن لم يكن يصلنا سوى 1500 دولار، و120 ألف دولار كمساعدات نقدية بينما لم يصلنا دولار واحد من هذه المساعدات".

 من جانب آخر، تحدث الدبوسي عن تغير ملحوظ في ردود فعل اللبنانيين، تحديدا بمدينة طرابلس إزاء تزايد أعداد اللاجئين السوريين، حيث تميزت بحسبه العلاقة بين الطرفين مع بداية الأزمة بالتضامن والتكافل.

 بيد أن طبيعة المجتمع الطرابلسي الذي يتسم في جزء مهم منه بالبؤس وتفشي الفقر غيّر هذه العلاقة، وأصبح فقراء المدينة يشعرون أن هناك مساعدات تصل إلى السوريين ولا تصلهم هم، وقد يكونون أحيانا في حاجة لتلك المساعدات أكثر من اللاجئ السوري.

فظهر -يضيف الدبوسي- نوع من الشرخ في هذه العلاقة "ونخشى أن يصل الوضع إلى اتجاه سيئ. لهذا دائما ما نطلب من أي جهة إنسانية تأتي للمنطقة بتخصيص جزء من دعمها للبنانيين الفقراء".

ولتجاوز الوضع الحالي ومنع الجمعيات المتلاعبة بمأساة النازحين السوريين، يقترح الدبوسي أن تتوحد قواعد البيانات الموجودة لدى كل الجمعيات الإغاثية ويزيد التنسيق فيما بينها لضبط وتنظيم القطاع الإغاثي وإعادة الثقة المفقودة للمانحين.

كما يؤكد على ضرورة ضخ المزيد من المساعدات ومن كل النواحي -بما فيها الدول العربية- خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك، منوها بأن السلطات اللبنانية لم تتسلم من المساعدات التي تعهدت بها مجموعة الدول الثماني الكبرى مؤخرا بإيرلندا الشمالية والبالغ مجموعها 1.5 مليار دولار ولا دولارا واحدا، بل إن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هي من تسلمت مائة مليون دولار من مجموع 380 مليون دولار (حصة لبنان من هذه المساعدة) مما يشير بحسبه إلى فقدان المانحين الثقة في شركائهم اللبنانيين.

‪ياسر: أغلبية جمعيات الإغاثة تستغل مأساتنا‬ (الجزيرة نت)
‪ياسر: أغلبية جمعيات الإغاثة تستغل مأساتنا‬ (الجزيرة نت)

تفاقم الوضع
وسواء وصلت أم لم تصل هذه المساعدات الإنسانية، فالأمر الواضح هو أن وضع اللاجئين السوريين الإنساني والاجتماعي في تفاقم مستمر وهو ما أكده للجزيرة نت ياسر، وهو أحد الجرحى النازحين من مدينة حمص الذي حدثنا عن معاناته اليومية.

وأكد أنه يعيش في بيت يضم سبع عائلات كاملة، وأنه أحيانا لا يجد هو وأفراد عائلته مكانا ينامون فيه.

ويضيف "الآن وضعيتنا ازدادت سوءا ومشاكلنا صارت أكثر، ولا تصلنا أي مساعدة من أي كان.. أنا مصاب ومسؤول عن ستة أشخاص ولا أستطيع الاشتغال نظرا لحالتي الصحية. لا أحد أعطانا إيجارات للبيوت، والمساعدات الغذائية لا تصلنا إلا كل ثلاثة أشهر فقط".

نفس الرأي عبر عنه حامد، اللاجئ القادم من حمص القديمة والذي استقر بمنطقة أبو سمرا بطرابلس، فقد أكد لنا أن الشعب اللبناني كان الوحيد الذي قدم لهم المساعدة مع بداية الأزمة في غياب تام لأي جمعية، لكن الوضع الآن تغير.

ويضيف "الوضع سيئ جدا وأنا مسؤول عن ست عائلات وأبنائي وأحفادي انقطعوا عن الدراسة.. الجمعيات لا تسلم لنا المساعدات التي تأتيها، فهي تأخذ 95% ولا توزع علينا سوى 5%. الأغلبية يستغلون مأساتنا ويحصلون على خمسمائة ألف دولار فيوهمون الجميع في الإعلام وغيره أنهم سيخصصونها للاجئين، لكن ما يقع هو أنهم يضعون هذه المبالغ في جيوبهم".

ويسترسل حامد قائلا "المطلوب هو أن تصل المساعدات والأموال للجمعيات المحترمة التي لها مصداقية وتشتغل في العلن، والتي لها ضمير".

المصدر : الجزيرة