البرد القارس يضاعف معاناة نازحي إدلب

 

إبراهيم الإدلبي-ريف إدلب

 دهمت العاصفة الثلجية النازحين السوريين كما دهمت غيرهم في دول شرق المتوسط، وإن كان النازحون على الأرض السورية أكثر تأثرا ومعاناة، لافتقارهم إلى ما يقيهم برد الشتاء فضلا عن عاصفة أغرقت المنطقة بثلوجها، وقتلت العديد من اللاجئين والنازحين.

الجزيرة نت جالت على عدة مدارس في ريف إدلب التي تأوي نازحين من عدة مناطق سورية، وهم في معظمهم قادمون من مدينة حمص وريفها حيث تشتد المعارك والقصف على المناطق السكنية.

في إحدى مدارس الريف الشمالي لإدلب ارتسمت المعاناة على ملامح المقيمين بين جدران فصول المدرسة، دونما وسائل تدفئة تحميهم من الريح العاصفة.

‪‬ رضيعة ازرق وجهها من شدة البرد وبالكاد تجد ما تتلحف به(الجزيرة نت)
‪‬ رضيعة ازرق وجهها من شدة البرد وبالكاد تجد ما تتلحف به(الجزيرة نت)

ولعل مشهد الرضيعة ذات الشهرين ونصف الشهر التي ازرق وجهها من شدة البرد، وأربعة أطفال يحتمون من البرد في زاوية أحد الفصول، وقد تجلدت وجوههم الغضة، يلخص الألم الذي تركته العاصفة على حياة هؤلاء النازحين.

سألنا أحد الأطفال الأربعة -في حدود العاشرة من عمره- لماذا لجأتم إلى هذه المدرسة، فقال بعفوية "تهدم بيتنا تحت القصف، ونزحنا إلى هنا، وكما ترى لا تدفئة، لأننا نعجز عن تأمين الوقود أو الحطب للتدفئة، ولا يعلم بحالنا إلا ربنا".

وانتقلنا من مدرسة إلى أخرى، ويكاد يكون حالها واحدا، في إحداها تغرق مياه الأمطار ساحة المدرسة، والثياب المغسولة أو المبللة معلقة على السياج بانتظار أن تجف، فيما يحتمي الأطفال في الفصول من قسوة البرد، وبعض الأطفال لا يجد من الثياب ما يرد البرد عن أجسادهم الصغيرة.

الحاجة أم محمود التي التف حولها أبناؤها في أحد فصول المدرسة، وهي تتحدث لنا عن معاناتها، فتقول "قبل أربعة أشهر قتل زوجي وابنتي في قصف على منزلنا بريف حماة الشرقي، فنزحت أنا ومن بقي من عائلتي إلى هذه المدرسة".

وتواصل والأسى يعتصر قلبها، وصوتها يتهدج، "هذا أول شتاء يمر علينا خارج منزلنا. ودون معيل لي ولأولادي، ولا أملك مدفأة في غرفتنا في هذه المدرسة، ولدي رضيع عمره ستة شهور، وأخشى عليه الموت من البرد".

ولم تزد على أن قالت "إذا لم نمت بقذائف بشار الأسد، يلاحقنا البرد هنا ليقتلنا"، ثم أجهشت بالبكاء.

لا يجد الآباء ما يحمون به أطفالهم من البرد القارس في ريف إدلب (الجزيرة نت)
لا يجد الآباء ما يحمون به أطفالهم من البرد القارس في ريف إدلب (الجزيرة نت)

وفي فصل آخر من فصول المدرسة، طفلة تسعل، وهي جالسة قبالة مدفئة لا تعمل، فتغير الجو المفاجئ وبهذه البرودة دون أن يجد الأطفال ما يحمي صدورهم من عصف الهواء البارد الذي أصاب كثيرين بأمراض البرد. كما قال لنا مرافقنا.

وأشار والد الطفلة المريضة أن شح الوقود أو ارتفاع ثمنه يحول دون إشعال المدفأة طوال الوقت، فحسب قوله أن إشعال المدفأة ليوم واحد يكلف قرابة 750 ليرة (قرابة 7 دولارات) "وهو مبلغ كبير بالنسبة لنا"، ويضيف لقد "بعت ذهب زوجتي لنؤمن احتياجاتنا الأساسية في رحلة العذاب هذه".

وبعد حين من تجوالنا بين مدارس الريف الشمالي لإدلب، بدأت أشعة الشمس تشق طريقها بين الغيوم السوداء، فاستبشر النازحون ببعض الدفء، ونقلوا ما لديهم من مقاعد وفرش لاغتنام هذه اللحظات القليلة من دفء الشمس.

ويعلق أحد النازحين وهو يمشي في ساحة المدرسة بنوع من السخرية التي يغلفها الألم، "إذا كان هذا حالنا ونحن نحتمي بجدران إسمنتية، فكيف بحال من يسكن الخيام في المخيمات الحدودية، حيث لا جدران أو سقف يقيهم البرد أو الموت".

المصدر : الجزيرة