يلدا.. بين فكي الحصار والجوع

الشوارع تكاد لا ترى من أنقاض البيوت المهدمة نتيجة القصف
undefined

أحمد يعقوب-دمشق

على رصيف أنهكته الحرب ووسَمته شظايا القذائف، لم يكن يعلم أنه في يوم من الأيام سيقف ليبيع الخضراوات في بلدته يلدا الواقعة جنوب العاصمة دمشق، علّه ينجح في إحضار القليل من العدس الجاف لعائلته في المساء.

أبو محمد المهايني رجل عرك الدنيا وعركته.. قبل الثورة كان يعمل خياطا بإحدى ورشات الخياطة في البلدة، ولكنه اليوم اتجه نحو بيع الخضراوات بعدما جار عليه الزمن وغزا الجوع بيوت الجنوب.

يقطن مع زوجته وأطفاله الأربعة الذين يكبرهم محمد (13 عاما) في منزل صغير لم تخترقه نيران المدفعية ولا الرصاص، خلافا لمعظم المنازل والأبنية السكنية في المنطقة.

لم يغادر أبو محمد منزله رغم الجوع والقصف والخطر المحدق بأطفاله من كل حدب وصوب، لأن تكلفة استئجار منزل في العاصمة دمشق خيالية لرجل بسيط مثله. فعندما كان يعمل في الخياطة، كان راتبه حينها يبلغ 12 ألف ليرة سورية (نحو 86 دولارا)، وسرعان ما كان ينفذ قبيل نصف الشهر، أما الآن فكل أمله أن يؤمّن بعض البقوليات والخضراوات لعائلته.

يفتقر منزل أبو محمد إلى العديد من المواد الأساسية مثل الأرز والبرغل والسكر وحتى الغاز والمازوت والكهرباء، ورغم كل ذلك فإن جلّ ما يخشاه الآن هو برد الشتاء القارس، لذا أقدم هو وكثيرون مثله على قطع بعض الأشجار من الطرقات العامة.

الدمار الذي لحق بالأبنية السكنية في يلداكان هائلا(الجزيرة نت)
الدمار الذي لحق بالأبنية السكنية في يلداكان هائلا(الجزيرة نت)

تجويع وقتل
في غضون ذلك يستمر أبو محمد في البحث عن مدفأة مستعملة وسط ارتفاع أسعار المدافئ الجديدة بالنسبة له، حيث يصل ثمن الواحدة منها إلى نحو 10 الآف ليرة (72 دولارا).

قبل الثورة كان يسكن في يلدا قرابة 80 ألف نسمة، معظمهم من أحياء دمشق، والبقية هم سكان البلدة الأصليون. أما الآن فلا تجد سوى بضعة الآف يرزحون تحت حصار لا يرحم.

يتذكر الناشط الإعلامي في يلدا أسامة الشامي انطلاق الثورة في البلدة يوم 13 يوليو/تموز 2011، حين خرجت مظاهرة من مسجد الصابرين وسط ذهول قوات الأمن الموجودة هناك.

ويتحدث الشامي عن تلك الفترة قائلا "استمرت المظاهرات في الخروج دون أن تقمع حتى أواخر عام 2011، وفي ديسمبر/كانون الأول أطلق الأمن الرصاص على شاب فارتقى شهيدا، مما أثار غضب الأهالي الذين استمروا في التظاهر بانتظام حتى انسحاب الأمن بشكل كلي من البلدة، وبعدها اقتحمها الجيش النظامي وارتكب مجزرتين بحق المدنيين، حينها أعلن الجيش الحر سلسلة عمليات انتهت بتحرير البلدة بشكل كامل".

وعن المواد الغذائية الموجودة يقول الشامي "لا يتوفر في البلدة سوى بعض الخضراوات الشتوية المزروعة محليا، ولكن أسعارها مرتفعة جدا، كما يوجد أيضا العدس الذي أوشك على النفاد، هذا ما نعيش عليه منذ قرابة العام".

ويضيف "حاولنا أن نركز على الزراعة، ولكن عدم وجود الكهرباء منعنا من الحصول على المياه من الآبار. أما بالنسبة للمواشي، فقد هلكت نسبة كبيرة منها بسبب عدم توافر الأعلاف".

المصدر : الجزيرة