مخيم البقعة.. لجوء وإصرار على العودة

مشهد عام لمخيم البقعة
undefined

محمد النجار-عمان

رغم صغر سنها التي لم تتجاوز الثانية عشرة فإن الحقيقة لدى الطفلة هديل سالم تبدو واضحة بأن ولادتها في مخيم البقعة للاجئين بالأردن وحملها للجنسية الأردنية لا يعني أن تنسى فلسطين والعودة إليها.

تقول الطفلة التي تنتمي للجيل الرابع من اللاجئين "أنا فلسطينية من عجور قضاء القدس، جدي ولد في فلسطين ووالدي ولد هنا في مخيم البقعة".

وبلهجتها الطفولية تضيف للجزيرة نت "سنعود لفلسطين.. جدي قال إن اليهود أخذوها وعلينا تحريرها وألا ننساها".

وخلال الحديث مع الطفلة كان أطفال تتراوح أعمارهم بين السابعة و13 سنة يجيبون عن سؤال "من أين أنت؟" بأجوبة متفاوتة "أنا من يافا.. غزة.. بيت محسير.. بيت جبريل.. الخضر.. أريحا..", وغيرها من مدن وبلدات فلسطين وخاصة المناطق التي احتلت عام 1948.

ويعتبر مخيم البقعة الواقع على بعد 22 كلم شمال غرب العاصمة عمان أكبر التجمعات الفلسطينية خارج فلسطين، ويصل عدد سكانه نحو مائتي ألف نسمة رغم أن سجلات (أونروا) تتحدث عن 104 آلاف لاجئ في المخيم فقط.

والبقعة هو واحد من المخيمات الستة التي أقيمت في الأردن بعد حرب عام 1967 إضافة للمخيمات الأربعة التي كانت قائمة منذ عام 1948، وجهز عام 1968 بأكثر من خمسة آلاف خيمة على مساحة لا تزيد على 1.5 كلم مربع، تحولت وفق سجلات أونروا لثمانية آلاف مسكن جاهز، إلا أنه بات اليوم تجمعا مكتظا بعشرات الآلاف من المساكن الإسمنتية.

‪لاجئة فلسطينية طاعنة بالسن تمشي بإحدى حواري المخيم‬ (الجزيرة نت)
‪لاجئة فلسطينية طاعنة بالسن تمشي بإحدى حواري المخيم‬ (الجزيرة نت)

منطقة الكرامة
ويميز المخيم أن اللاجئين فيه موزعون إلى قدر كبير وفق مكان لجوئهم الأول، فتجد منطقة الكرامة -أكبر مناطق المخيم- للاجئين الذين سكنوا في الفترة ما بين (1948–1968) في مخيم الكرامة على الحدود الأردنية الفلسطينية في الغور، ومناطق الخليل ونابلس والقدس موزعة وفق المحافظة التي هجر منها اللاجيء في فلسطين.

وما يلفت النظر أن غالبية اللاجئين في المخيم تعرضوا للجوء مرتين، واحدة في مخيمات داخل الضفة الغربية أو على حدود الأردن مع فلسطين، والثانية إلى مخيم البقعة منذ 44 سنة.

في إحدى حارات منطقة القدس كانت تجلس السبعينية "فاطمة" التي روت حكاية لجوئها من بيت محسير قرب القدس بفلسطين إلى مخيم عقبة جبر في الضفة الغربية إلى أن استقر بها المقام في مخيم البقعة التي تقول إنها دخلته أما لثلاثة أطفال واليوم لديها عائلة مكونة من 33 ابنا وحفيدا.

وقبل يومين من الذكرى الـ64 للنكبة الفلسطينية تروي الحاجة تفاصيل تهجير العصابات الصهيونية لأبناء قريتها وكأنها تحدث أمامها اليوم، رغم أنها هاجرت منها وعمرها 14 سنة.

ولا يعبر المخيم عن قصص مآس وفقر وحرمان بل تحول لقصة نجاح للكثير من أبنائه الذين تقلدوا مناصب سياسية وحققوا إنجازات أكاديمية وعلمية بعد أن تحول سلاح مواجهتهم للجوء هو العلم.

الأستاذ الجامعي والأمين العام السابق لوزارة التنمية الاجتماعية بالأردن حسين أبو الرز روى للجزيرة نت كيف أن عائلة والده التي خرجت من فلسطين عام 1948 ولجأت مرتين إلى الضفة الغربية ثم إلى البقعة باتت اليوم تشكل 13 أسرة تعيش داخل وخارج المخيم.

‪مركز صحي تابع لأونروا في مخيم البقعة للاجئين شمال عمان‬ (الجزيرة نت)
‪مركز صحي تابع لأونروا في مخيم البقعة للاجئين شمال عمان‬ (الجزيرة نت)

القضية الفلسطينية
وقال "القضية الفلسطينية تمثل أطول صراع على وجه الأرض اليوم لشعب يناضل ويجاهد من أجل أرضه ووطنه منذ أكثر من مائة عام في صراع اتخذ -وما زال- كافة الأشكال السياسية والعسكرية وغيرها".

قضية اللاجئين هي العنوان الأبرز لهذا الصراع، يقول أبو الرز، الذي يضيف بأن ذلك لا يعني الانتقاص ممن صمدوا وتمسكوا بأرضهم من فلسطينيي عام 1948 أو الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويتحدث الأستاذ الجامعي عن مفارقة رافقت اللاجئين الفلسطينيين وهي أنه جرى تأسيس وكالة خاصة لهم من الأمم المتحدة وهي (أونروا) بخلاف كل لاجئي العالم الذين يتبعون المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

وتابع "قد يحمل ذلك على المحمل الإيجابي لكن الأغلب أنه يحمل على محمل الشك والريبة، فمنذ وعيت على هذه الدنيا قبل خمسين عاما وأنا أسمع عن أزمة تعاني منها موازنة أونروا حتى وصلنا لوضع يقتصر فيه دورها على الحد الأدنى من الخدمات التعليمية والصحية ودور إغاثي محدود".

لكن أبو الرز يسجل للوكالة أنها قدمت للاجئين الفلسطينيين التعليم الذي جعلهم يسبقون أبناء الأمة العربية ويقدموا خبراتهم التعليمية لأجيال من العرب من المغرب حتى البحرين.

وعن العودة وحضورها في أذهان الصغار والكبار، يرى أبو الرز أن سبب حضورها يعود لكونها حقا شخصيا لكل لاجئ لا تملك سلطة ولا منظمة ولا دولة التخلي عنه، إضافة لارتباط اللاجئين بالمخيمات التي ظلت عنوانا يطرق باب العودة لا تؤثر فيها سنوات اللجوء الطويلة.

المصدر : الجزيرة