تنامي ظاهرة انتحار الخادمات بلبنان

اتهامات عديدة وجهت لأرباب مكاتب استقدام العاملات
undefined

جهاد أبو العيس-بيروت 

فتحت ملابسات حادثة انتحار خادمة إثيوبية في لبنان الشهر الماضي الباب أمام الانتقادات والمطالبات الدولية والحقوقية بضرورة وضع حد للمعاملة السيئة التي تقابل بها هذه الشريحة داخل لبنان.

آخر الانتقادات جاءت قبل يومين من مفوض الأمم المتحدة الخاصة بقضايا الرق جولنارا شاهينيان، الذي طالب الحكومة اللبنانية بإجراء تحقيق شامل في الظروف التي أحاطت بانتحار الخادمة الإثيوبية ديشاسا.

وأقدمت ديشاسا (33 عاما وأم لطفلين) على الانتحار داخل مستشفى للطب النفسي منتصف مارس/آذار الماضي بعد أيام من تعرضها لضرب مبرح من قبل رجلين خارج مبنى القنصلية الإثيوبية في بيروت اتضح بعد ذلك أنهما يتبعان لأحد مكاتب استقدام الخادمات.

وكان مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش ببيروت أشار في دراسة له إلى أن العام 2008 شهد ارتفاعا في حالات الوفاة والانتحار في صفوف الخادمات بلبنان بمعدل وفاة واحدة كل أسبوع، فيما شهد أكتوبر/تشرين الأول 2009 وحده وقوع ثماني حالات انتحار.

مصادر رسمية أكدت ارتفاع نسب انتحار الخادمات (الجزيرة نت)
مصادر رسمية أكدت ارتفاع نسب انتحار الخادمات (الجزيرة نت)

تنامي الظاهرة
وأكد أحد مستشاري وزراء العمل السابقين -فضل عدم الكشف عن اسمه- صحة هذه الإحصاءات مقرا بتنامي ظاهرة الانتحار في صفوف هذه الشريحة في لبنان.

لكنه استدرك بالقول "إن بعض حالات الوفاة المسماة انتحارا بنظر البعض ليست كذلك، بل تأتي بسبب سقوط الخادمة ووفاتها جراء محاولتها التنظيف في أماكن مرتفعة أو أمراض مزمنة فجائية بسبب ضغوط العمل وضنك العيش".

المستشار كشف أيضا للجزيرة نت أنه وأثناء زيارة له للأمم المتحدة وجد أن ملف لبنان لدى منظمة العمل الدولية "سيئ وأسود للغاية" مشيرا لوجود نظرة لدى شرائح لبنانية لا تزال تنظر للخدم على أنهم "عبيد يجوز استرقاقهم".

وقال "هذه الشريحة مهضومة الحقوق لعدم وجود دولة بالمفهوم الفعلي تنتبه لسمعتها الخارجية فضلا عن غياب القضاء وانتشار مافيات المكاتب دون حسيب".

من جهته عزا رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان نعمة جمعة ما تتعرض له الخادمات من سوء معاملة لقدم نظام الكفيل وتباطؤ الدولة في إجراء تحديثات عليه رغم المطالبات الحقوقية الملحة.

وقال جمعة "إن من أسباب الانتحار فقدان الخادمات للمعاملة الإنسانية وقدومهن من بيئات مجتمعية مختلفة تماما عن بيئة لبنان وتعرضهن للظلم والضيم على يد أرباب المنازل".

ثمان منظمات من المجتمع المدني بلبنان طالبت السلطات اللبنانية بتعديل نظام الكفيل ونشر نتائج التحقيق في انتحار الإثيوبية ديشاسا

آليات الشكوى
فيما عزت منظمة هيومن رايتس ووتش فشل حماية عاملات المنازل للافتقار لآليات شكوى يسهل الوصول إليها والإجراءات القضائية المطولة ولسياسات الإقامة التقليدية.

حليمة سعيد -خادمة من بنغلاديش- أكدت للجزيرة نت أن سوء المعاملة المؤدية للانتحار ليست قاعدة عامة، بل ترجع لنوعية الأسرة ومقدار معرفتها "بالحلال والحرام" في التعامل مع الخادمات، على حد وصفها.

حليمة أضافت أن القاسم المشترك بين جميع الخادمات دون استثناء هو وقوعهن تحت الظلم إما ماديا وإما في التعامل الإنساني، مشيرة إلى الغياب التام لدور سفارات بلدانهن في الدفاع عنهن وجهل أغلبهن لكيفية تقديم الشكاوى وللجهات المستقبلة لها.

ويقدر عدد العاملات في المنازل في لبنان حسب منظمة هيومن رايتس ووتش بحوالي 200 ألف خادمة (منهن 85 ألف سيرلانكية حسب السفارة السيرلانكية 20 ألفا منهن دون إقامة رسمية)، فيما تتوزع بقية الخادمات على دول مثل إثيوبيا والفلبين ونيبال وبنغلاديش.

وترجع مصادر رسمية -أكدت صحة الأرقام السابقة- النسبة العالية للعاملات في لبنان مقارنة بعدد السكان حوالي (3.5 ملايين نسمة) لتدني رواتبهن التي تتراوح بين 70 و200 دولار شهريا، وهو ما يشجع العائلة الواحدة على استقدام أكثر من خادمة.
 
فيما تترواح أعداد مكاتب الاستقدام بين 300 و400 مكتب تعمل بصورة قانونية وتسمح وزارة العمل لكل واحد منها باستقدام ما معدله 170 خادمة سنويا، إلى جانب وجود عشرات المكاتب الوهمية التي تعمل بطرق ملتوية، حسب مصادر رسمية.

يذكر أن ثمان منظمات من المجتمع المدني بلبنان، هي هيومن رايتس ووتش ومركز كاريتاس للمهاجرين وكفى عنفا واستغلالا وحركة مناهضة العنصرية ومؤسسة عامل الدولية، وإنسان والمجلس الدانماركي للاجئين طالبت السلطات اللبنانية بتعديل نظام الكفيل ونشر نتائج التحقيق في انتحار الإثيوبية ديشاسا.

المصدر : الجزيرة