السودان.. أزمة اقتصادية وتجاذب مع الجنوب

Sudan's President Omar Hassan al-Bashir (center R) gestures as he launches the new Hadida oilfield in Hadida, South Kordofan State December 27, 2012. Bashir danced, waved his walking stick and delivered a defiant speech on Thursday at his first rally since undergoing surgery in Saudi Arabia and withstanding what officials called an attempted coup. On Thursday, Bashir opened a new oilfield in western Sudan which the government hopes will mitigate the loss of crucial oil reserves since South Sudan seceded last year. REUTERS/Stringer (SUDAN - Tags: POLITICS ENERGY TPX IMAGES OF THE DAY)
undefined

محمد طه البشير 

عانى السودان عام 2012 أزمة اقتصادية نتيجة فقدان عائدات النفط لصالح جنوب السودان الذي انفصل عام 2011، وكادت خلافات بين البلدين أن تجرهما إلى مواجهة شاملة، وعاد صراع الهامش من جديد باستعار التمرد في ولايتين حدوديتين، مع وضع داخلي معقد طالبت فيه المعارضة بإسقاط النظام وسط خلافات بشأن مسودة الدستور الجديد لما عرف بالجمهورية الثانية بعد انفصال الجنوب.

فقد قفز معدل التضخم إلى 46.5% وفقا للتقارير الصادرة عن الحكومة السودانية بفعل ارتفاع في أسعار اللحوم والسكر بعد انحسار صادرات النفط التي تعد المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي الذي تحتاجه البلاد لدعم العملة وتمويل الواردات، و;نتيجة أيضا لتخصيص جزء كبير من الموارد المالية للجهد الحربي.

وخفضت الحكومة دعم الوقود واتخذت إجراءات تقشفية أخرى في يونيو/ حزيران شملت تخفيض الإنفاق الحكومي في محاولة لتقليص العجز في الميزانية الحكومية، وأثارت تلك الخطوة احتجاجات محدودة بالعاصمة ومناطق أخرى في أبريل/ نيسان قمعتها الشرطة.

وقد دشنت الحكومة حقلا جديدا للنفط بولاية جنوب كردفان. ويتوقع أن يرتفع إنتاج البلاد إلى ١٨٠ ألف برميل يوميا. كما يسعى السودان لزيادة صادراته من الذهب لتقليل العجز في الميزانية.

ومثل وقف ضخ النفط الجنوبي عبر السودان عاملا آخر في تدهور الوضع الاقتصادي نتيجة خلاف حول رسوم العبور، ولم تفلح مفاوضات ماراثونية رعاها الاتحاد الأفريقي بين البلدين لحلحلة الأمور وإعادة الأمور إلى نصابها.

وكادت الخلافات بين الدولتين بخصوص النفط والحدود أن تعيدهما إلى مربع الحرب، بعد دخول قوات جنوب السودان منطقة هجليج النفطية المهمة للشمال في مارس/أذار الماضي حيث حشدت البلدان قواتهما قرب الحدود وخاضا اشتباكات محدودة قبل إعلان الخرطوم "تحريرها" للمنطقة بينما أعلنت جوبا أنها انسحبت منها.

كادت الخلافات بين الدولتين بخصوص النفط والحدود أن تعيدهما إلى مربع الحرب، بعد دخول قوات جنوب السودان منطقة هجليج النفطية المهمة للشمال في مارس/أذار الماضي

مربع الحرب
لكن رغم ذلك ظل التوتر سيد الموقف، ومع استمرار التوتر أصدر مجلس الأمن قرارا يوم 12 مايو/أيار أمهل البلدين ثلاثة أشهر لتسوية خلافاتهما مهددا بفرض عقوبات عليهما إذا فشلا في تحقيق هذا الهدف، وفق خطة للحل أعدها الاتحاد الأفريقي، لكن الفشل لازم المفاوضات، حتى تمكن الرئيس السوداني عمر البشير ونظيره الجنوبي سلفاكير ميارديت من إبرام ما أطلق عليه اتفاق التعاون والذي يحتوي على ستة بنود تتعلق بالنفط والتجارة والحدود والتجارة والأمن مع ما يتضمنه من وقف كل طرف دعمه للجهات المعارضة للآخر.

ولم يتطرق الاتفاق لقضية منطقة أبيي المتنازع عليها التي رحلت إلى اجتماع لرئيسين البلدين على هامش قمة الاتحاد الأفريقي في يناير/ كانون الثاني.

غير أن التعثر لازم تنفيذ هذا الاتفاق بسبب تمسك الخرطوم بتطبيق التفاهمات الأمنية أولا قبل ضخ النفط الجنوبي عبر أراضيها، وفي مقدمة الملف الأمني فك ارتباط جوبا بمتمردي الحركة الشعبية-قطاع الشمال الذين كانوا جزءا من الجيش الشعبي الجنوبي ويقاتلون الجيش السوداني بولايتي بجنوب كردفان والنيل الأزرق الحدوديتين، وهو مطلب وصفه سلفاكير بالمستحيل.

كما لازم الفشل مفاوضات أخرى بين الحكومة السودانية وقطاع الشمال والذي شكل ما عرف بالجبهة الثورية مع ثلاث حركات من دارفور هي حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بجناحيها فصيل عبد الواحد نور ومني أركو مناوى، وتقول الحكومة السودانية إن قطاع الشمال ما زالت تؤمن بمشروع السودان الجديد الذي تتبناه الحركة الشعبية الأم ويهدف لطمس الهوية العربية والإسلامية للسودان.

‪رغم انفصال الجنوب، مازال التوتر قائما بين جوبا والخرطوم‬ (الفرنسية)
‪رغم انفصال الجنوب، مازال التوتر قائما بين جوبا والخرطوم‬ (الفرنسية)

التوتر بالجنوب
ولم تقتصر تبعات الانفصال على التوتر مع الجنوب والتمرد بجنوب كردفان والنيل الأزرق، لكنها انعكست بالداخل أيضا حيث طالبت ما يعرف بقوى الإجماع الوطني المعارض بإسقاط النظام محملة إياه انفصال جنوب السودان والتردي الاقتصادي بالبلاد، وسط خلافات بشأن مسودة الدستور الجديد الذي سيحل محل دستور 2005 الانتقالي ونظم خصوصا العلاقة مع جنوب السودان بعد توقيع اتفاقية السلام.

وردت الخرطوم بتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة ضمت الاتحادي الديمقراطي أحد أكبر أحزاب المعارضة لكن غاب عنها أحزاب: الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي والمؤتمر الشعبي بزعامة حسن الترابي والشيوعي، وأحزاب أخرى.

ومؤخرا أعلنت السلطات أنها أحبطت محاولة انقلابية قبل الشروع في تنفيذها ووصفت بأنها من داخل النظام وتعكس التململ داخله، وجاء ذلك في ظل ما وصف بانتكاسات بعد احتلال المتمردين منطقة كاودا بجنوب كردفان وقصف مصنع اليرموك للأسلحة جنوب الخرطوم والذي أنحى فيه السودان باللائمة على إسرائيل.

وعلى صعيد الوضع في إقليم دارفور غربي البلاد الذي يشهد أعمال عنف منذ عام 2003 أُحرز تقدم طفيف بتشكيل السلطة الإقليمية على أساس اتفاق الدوحة بين الخرطوم وحركة التحرير والعدالة، لكن الأزمة في الإقليم ما تزال تراوح مكانها في ظل وجود فصائل للمتمردين خارج إطار الاتفاق.

المصدر : الجزيرة