حرائق الغابات.. كيف تندلع وكيف تنطفئ؟

Locals try to extinguish a fire burning on the Mount Taygete, in the Peloponnese region of Greece 24 August 2007. Greece has battled multiple forest fires since June after


محمد عبد العاطي
 
لم يخطر على بال الشاعر العربي الحكيم الذي قال قديما إن معظم النار من مستصغر الشرر، أن قوله سيصبح في يوم من الأيام مفتاحا لتفسير الكثير من حرائق الغابات المدمرة التي تزايدت وتيرتها في السنوات الأخيرة.
 
ولم يدر بخلده كذلك أن مثله سيصبح أيضا عنوانا للعديد من المؤتمرات الدولية المتخصصة في حرائق الغابات وطرق الوقاية منها، وتوصية حاضرة في دراسات خبراء إطفاء الحرائق في العالم.
 
الحريق
علميا لا يشب الحريق إلا إذا توافرت له ثلاثة عوامل على الأقل، الأول هو المادة القابلة للاحتراق، والثاني الحرارة المرتفعة، والثالث هو أكسجين الهواء الذي بدونه لا تتكون النار.
 
الأسباب
هناك أسباب كثيرة ومتنوعة تقف وراء حرائق الغابات يمكن تجميعها تحت تصنيفين أساسيين، الأول مسؤولة عنه "عوامل طبيعية" لا دخل للإنسان فيها كصواعق البرق وحمم البراكين، والثاني ناجم عن "فعل الإنسان" نفسه وتعامله غير السوي مع البيئة التي سخرها الله له.
 
جناية الإنسان
undefinedالجاني المتسبب في حرق الغابات والمتهم الأول أمام محكمة الطبيعية هو الإنسان. فأكثر الأسباب وأخطرها في العديد من أكبر الحرائق التي يشهدها العالم حاليا ترجع إلى تعامل الإنسان غير الرشيد مع البيئة، من أمثلة ذلك:
 
– زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون: الذي رفع من درجة حرارة الأرض (ظاهرة الاحتباس الحراري) وجعل من شهور الصيف القائظ موسما لاشتعال حرائق الغابات. وينحو معظم العلماء باللائمة على الدول الصناعية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة المسؤولة وحدها عن ربع غاز ثاني أكسيد الكربون الصناعي في العالم والرافضة حتى الآن التوقيع على اتفاقية كيوتو.
 
– حرق الأعشاب والشجيرات: وهذا كثيرا ما يحدث، حيث يقوم بعض المزارعين بجمع الأعشاب الضارة والشجيرات الصغيرة الجافة في أكوام، ثم يتخلصون منها بالحرق، فيتطاير الشرر ويعجزون عن السيطرة عليه، فتكون النتيجة التهام النيران لأجزاء واسعة من الغابة.
 
– وسائل النقل: في بعض البلدان لا تتم مراعاة إجراءات الأمن والسلامة بالقدر الكافي، ولا تتوالى عمليات الصيانة وبخاصة لأعمدة الكهرباء ووسائل النقل والماكينات الزراعية سواء تلك التي تعمل في مجال المحاصيل الحقلية أو تلك التي تسخدم في قطع الأشجار. فينجم عن ذلك كله تماس كهربائي أو شرر يخرج مع عوادم السيارات والقطارات فيصيب الحشائش الجافة، ويولِّد نارا تحرق وتدمر.
 
– النسيان والإهمال: وهذا من الأسباب المتكررة. فالبعض قد يرمي عقب سيجارة على أرض الغابة ويتركه وينصرف وهو لا يدري أن فعلته هذه قد تتسبب في حريق هائل. والبعض الآخر قد يلهو ببعض الألعاب النارية فيحدث بذلك حريقا مدمرا. وقد يترك فريق ثالث من المتنزهين خلفهم جمرات فحم مشتعلة كانوا يستعملونها في الشواء وينصرفون دون أن يطفئوها أو يتأكدوا من تمام إطفائها، فإذا بها تعاود الاشتعال من جديد ومع قليل من الرياح تنتشر محدثة حريقا مروعا.
 
وقد يأتي الحريق من حيث لا يتوقع المرء أو يحتسب. فطفل صغير قد يلهو بعود ثقاب في غيبة أو غفلة عن أهله يتسبب هو الآخر في نشوب حريق تصعب السيطرة عليه.
 
إخماد الحريق
undefinedتعتمد نظرية إطفاء الحريق على كسر أحد أضلاع المثلث المسؤول عنه (المادة المشتعلة والحرارة والأكسجين). ومن هنا يتبع خبراء الإطفاء ثلاثة وسائل رئيسة تتمثل في التبريد والخنق والتجويع.
 
التبريد: والمقصود به تبريد المكان المحترق وما فيه من مكونات وما حوله خشية امتداد الحريق. ويتم ذلك بقذف أو رش المياه بأي وسيلة سواء عن طريق الخراطيم أو الخزانات المحمولة جوا عبر الطائرات.
 
والهدف من هذا التبريد هو جعل المكان المحترق يمتص المياه المقذوفة أو المرشوشة، فإذا ما ارتفعت درجة حرار المياه الممتصة في مكان الحريق تبخرت، فيعمل بخار الماء المتصاعد على سحب أكسجين الهواء ومن ثم كتم الحريق حتى ينطفئ.
 
الخنق: والتعبير مستخدم لدى خبراء الأمن والسلامة والدفاع المدني وفي أدبيات الإطفاء، والمقصود به تغطية الحريق بحاجز يمنع وصول أكسجين الهواء إليه وذلك بوسائل كثيرة منها:
  • تغطية المادة المشتعلة -إذا كانت مساحتها في متناول أجهزة الإطفاء- بالرغى الكيماوية.
  • فصل مصادر النيران عن المادة المحترقة بنسف مكان الحريق بالديناميت، وهذا ما يتم غالبا أثناء إطفاء حرائق آبار البترول.
  • غلق منافذ وفتحات التهوية -إذا كان الحريق في مكان مغلق- للتقليل من نسبة الأكسجين في الهواء إلى النسبة التي لا تسمح باستمرار الاشتعال.
التجويع: أما التجويع فالهدف منه الحد من كمية المواد القابلة للاشتعال بالوسائل
undefinedالتالية:
  • نقل المواد القابلة للاشتعال بعيدا عن تأثير الحرارة والنار مثل إزالة النباتات والأشجار بالغابات والأراضي الزراعية لوقف سريان وانتشار الحريق.
  • إبعاد المواد المشتعلة فيها النيران بالفعل بعيدا عن الأماكن المحتمل أن تمتد إليها، وذلك باستخدام جرافات ضخمة مخصصة لهذا الغرض.
  • تقسيم المساحات الجغرافية المشتعلة فيها النيران من الغابة إلى مساحات صغيرة لتكون كل واحدة منها حريقا صغيرا قائما بذاته يمكن السيطرة عليه.
  • الطرق على أخشاب الأشجار المشتعلة لتفتيتها إلى أجزاء صغيرة يمكن أن تتأثر بمواد الإطفاء.

الوقاية
وإذا نجح رجال الإطفاء بعد هذا كله في السيطرة على الحريق، فإن الآثار الناجمة عنه لن تزول من الغابة إلا بعد سنوات عديدة، ولن تتمكن الحيوانات التي هربت من الحرائق من العودة مرة أخرى إلى بيئتها الأولى إلا بعد سنوات مديدة.

وهي كلها أمور تجعل من مقولة الحكيم العربي الآخر "درهم وقاية خير من قنطار علاج" مدخلا لتفادي كثير من آلام الإنسان والحيوان والنبات التي يكتوي بنارها من لم يتجنب من البداية مستصغر الشرر.

المصدر : الجزيرة