المبادرة الأميركية للإصلاح والتحرك العربي الرسمي


undefined

محمد عبد العاطي


دعوات الإصلاح السياسي والاجتماعي في العالم العربي ليست جديدة، فتاريخها الحديث يعود لبدايات القرن الماضي حينما تحمس لها مصلحون من أمثال عبد الرحمن الكواكبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا. فما الجديد هذه المرة؟

ولماذا اتخذت الآن كل هذا الزخم واستدعت تحركا على مستوى القمة كالذي شهدته المنطقة العربية خلال الأيام الماضية بين كل من مصر والسعودية وسوريا؟ أو على مستوى وزراء الخارجية في اجتماعاتهم بالقاهرة أوائل الشهر الجاري؟ أو على مستوى المنظمات غير الحكومية كالذي تشهده مدينة الإسكندرية المصرية هذه الأيام؟

شرخ في معادلة المصالح

undefinedبنت واشنطن علاقتها بالكثير من حكومات المنطقة على نمط من أنماط العلاقات الدولية معروف خاصة منذ عهد الإمبراطورية البريطانية قائم على مبدأ تحقيق المصالح المتبادلة. ولعل معادلة "الحماية مقابل النفط" التي اتفق عليها الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي ثيودور روزفلت عام 1945 كانت النموذج الأوضح في ذلك.

بيد أن هذه العلاقة أصابها شرخ كبير بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فلم يعد "طلب" النفط بالأسعار والكميات التي تريدها واشنطن كافيا لتحقيق "كل" المصالح الإستراتيجية الأميركية في المنطقة. ولم يعد مقبولا كذلك أن تتغاضى الولايات المتحدة عن "البيئة المفرخة للإرهاب والمهددة للولايات المتحدة في الصميم" على حد وصف مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس.

ومن هنا توصلت الإدارة الأميركية الحالية إلى قناعة مفادها أن المصالح الحيوية الأميركية سواء في الداخل أو الخارج لا يمكن أن تتحقق بالصورة الأكمل في ظل هذا التهديد الذي يمثله "الإرهاب" والذي لا يمكن "اجتثاث جذوره بغير إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي في الشرق الأوسط"، كما تحدث عن ذلك وزير الخارجية كولن باول في مبادرته لإصلاح الشرق الأوسط والتي حملت اسمه قبل نحو ثلاثة أشهر.

وقد عززت وجهة النظر الأميركية هذه بعض الأصوات العربية التي ظهرت على شاشات الفضائيات خاصة بعد زوال نظام حكم الرئيس العراقي صدام حسين والتي أكدت أنها لا تمانع في "أي نوع من الإصلاح حتى ولو كان قليلا يأتي على ظهر دبابة أميركية بعد أن استحال تحقيق ذلك على يد أنظمة حكم عربية مستبدة" على حد وصفها.

إلى هنا وقلق الحكومات العربية من دعوات الإصلاح سواء أكان مصدره أصوات مثقفين عبر الأثير الفضائي أو تيارات فكرية داخل مراكز بحثية وإستراتيجية مقربة من صانع القرار الأميركي أو مبادرات وآراء على ألسنة مسؤولين في الإدارة الأميركية، كل ذلك لا يزال محتملا طالما أنه لم يتبلور بعد في شكل خطوات عملية قابلة للتنفيذ.

مبادرة واشنطن والعرب
لكن وتيرة القلق تزايدت بعد أن أعلنت واشنطن رؤيتها "الإصلاحية" للشرق الأوسط والتي أطلقت عليها "مبادرة الشرق الأوسط الكبير" وقررت أن تطرحها لأخذ موافقة الدول الثماني الكبرى في قمتهم التي ستنعقد في يونيو/ حزيران المقبل في ولاية جورجيا الأميركية.

وتخشى الحكومات العربية –كما يرى بعض المحللين- بصورة أساسية من المطالب الأميركية الداعية إلى الالتزام بمعايير الديمقراطية والنزاهة والشفافية في أي انتخابات قادمة حيث تعتقد هذه الحكومات أن للشارع العربي خيارا آخر قد لا يصب في مصالحها بل إنه قد يهدد وجودها، ومن هنا أسرعت الحكومات العربية بالتحرك على أكثر من صعيد.

بعضه داخلي: يتمثل في تحسين سجلها في حقوق الإنسان سواء بالسماح لأول مرة بإنشاء لجنة حقوق إنسان غير حكومية كما أعلن قبل أيام في المملكة العربية السعودية، أو بتكوين مجلس قومي لحقوق الإنسان كما أعلن في مصر في يناير/ كانون الثاني الماضي.

غير أن هذه الإصلاحات غير كافية في نظر الكثير من رموز المعارضة العربية، بل إن أحدهم وصفها بأنها "هراء وضحك على الذقون وذر للرماد في العيون" كما قال الأمين العام لحزب العمل المصري مجدي حسين.

وآخر خارجي: يتمثل في زيارات متبادلة على مستوى الملوك والرؤساء واجتماعات على مستوى وزراء الخارجية العرب وإرسال مبعوثين على مستوى عال إلى واشنطن في محاولة "للتحذير" من جهة و"للإقناع" من جهة أخرى بأنه من الممكن الأخذ "بأسلوب في الإصلاح" يجفف منابع "الإرهاب" ويصلح من البيئة المفرخة له دون أن يؤدي ذلك إلى السماح بتولي "قوى التطرف والتزمت زمام الأمور في العالم العربي" على حد وصف الرئيس حسني مبارك في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المنظمات غير الحكومية للإصلاح في العالم العربي الذي بدأ أعماله في الإسكندرية ليلة أمس.

ولا يمكن الجزم بالقول -على الأقل في المرحلة الراهنة- إن هذه التحركات العربية داخليا وخارجيا كافية لتغيير قناعات واشنطن في ما يتعلق بكيفية إصلاح ما أسمته الشرق الأوسط الكبير.
____________
الجزيرة نت

المصدر : الجزيرة