رحلة رسام هندي أحب الخط العربي وأنجز 11 جدارية خلال مونديال قطر 2022
الدوحة- جلس الطفل عبد الكريم عبد الرحمن -حينما كان ابن 6 أعوام- يتفقد لوحة فنية معلقة على جدار منزلهم في إحدى قرى مدينة كيرالا الهندية، تجسد رجلاً جالسا في الصلاة، وتعلو رأسه الشهادتان مكتوبة بالخط العربي. ومن هناك بدأ ميله للرسم، فأخذ يرسم مناظر طبيعية وحيوانات، لكن لم يجد من يدعمه لتعلم هذا الفن، ويصقل موهبته التي كانت الأعين لا تخطئها.
لم يدر بخلد الطفل عبد الكريم عبد الرحمن، الذي أصبح يعرف في ما بعد باسم كريم غرافي، أن يكون يوما ما رساما غرافيتيا وخطاطا مشهورا، ويصل به الأمر ليكون أحد المشاركين في حدث عالمي -يعد الأكبر على مستوى العالم- بـ11 لوحة وجدارية فنية جسدت عددا من الأحداث المتعلقة بكأس العالم فيفا قطر 2022.
11 جدارية متنوعة
يقول عبدالكريم للجزيرة نت إن المشاركة في بطولة كأس العالم لكرة القدم تعني الكثير بالنسبة لأى فنان، لأنها بمثابة تخليد لأعماله الفنية المشاركة في الحدث الأكبر عالميا الذي تدونه صفحات التاريخ، ومن ثم فهي تجربة فريدة من نوعها، يأمل أن تتكرر في أحداث عالمية أخرى.
ويضيف أنه شاهد إعلانا في الصحف والمواقع الإلكترونية للجنة المشاريع والإرث والفيفا، قبل عدة أشهر، يطلب فنانين وخطاطين، وسرعان ما قدّم طلبه للعمل، فاختارته اللجنة المنظمة لكأس العالم، قبل انطلاق البطولة بأيام قليلة، لتنفيذ لوحات وجداريات تناسب الحدث العالمي.
أنجز كريم العديد من الجداريات الفنية، التي تحمل توقيع "كريم غرافي"، كانت أولاها في منطقة الكورنيش، ثم تبعتها 6 جداريات في المنطقة نفسها، وجدارية أخرى بمنطقة المسيلة، وواحدة في الصحراء تمثل مباراة إيران وويلز، إذ اتصلت به اللجنة المنظمة قبل المباراة لإنجاز عمل فني يعبر عن هذه المباراة.
كما أنجز عملا فنيا أمام ملعب لوسيل يجسد مباراة الأرجنتين وهولندا؛ أما العمل الفني الأخير، فكان تصميم الخط العربي للأغنية الرسمية في الحفل الختامي التي أدّاها الفنان ويجز بعنوان "عز العرب".
الوقت المستغرق لإنجاز جدارية
لا يستغرق إنجاز الجدارية وقتا طويلا، فبعضها يمكن إنجازه في ساعات معدودة، وأخرى في يوم واحد، وأكبرها قد استغرق 3 أيام. ويحرص كريم على استخدام نوعية معينة من الألوان تتسم بالثبات والقدرة على تحمل عوامل الطقس مثل المطر أو الحرارة، كما تصل مساحة الغالبية العظمى من الجداريات إلى نحو 4 أمتار طولا ومتر ونصف المتر عرضا.
وتحكي كل جدارية قصة عن حدث بعينه في المونديال، في تجربة تمزج الفن بالرياضة، وتثير نقاشاً بين محبي العالميْن، وتوضح كثيراً من التشابه بينهما. فالفن – على سبيل المثال – مثل كرة القدم، لغة بلا حروف، يفهمها الجميع ويستمتعون بها بغض النظر عن لغاتهم ووجهات نظرهم المختلفة.
وتكمن أهمية هذه الجداريات في كونها أسلوبًا لتأريخ الحدث وقت قوعه، من خلال التعبير الفني، الذي يوثق ما شهدته دولة قطر خلال فعاليات البطولة، ليكون إرثا للجيل الحالي والأجيال القادمة، كما أنها تمثل وسيلة للتعبير عن الفنان ذاته، وأهمية دوره في المجتمع.
ويأمل كريم، البالغ من العمر 44 عاما، أن يجوب العالم، حاملاً أدواته وأوراقه لنشر الخط العربي، وإيصال رسالته للبشرية عبر هذا الفن.
حياة من الصقل والترحال
لدى كريم غرافي 10 من الإخوة والأخوات، ولم تكن إمكانات والده المادية تسمح بتوفير نفقات إضافية لتعلم الرسم، فبرز في هذه الظروف خاله الذي قرر مساعدته وإعطائه المال اللازم للتسجيل في دورة لتعلم الرسم والخط العربي، لكنّ ضيق ذات اليد مرة أخرى حال دون استمراره في تلك الدورة، وشراء الألوان والأدوات المصاحبة للتعلم.
وحين بلغ 12 عاما، طلب منه والده أن يبحث عن عمل لمساعدته في تحمل أعباء المعيشة، فترك صفوف الدراسة، ثم وجد ضالته لدى أحد أصدقاء والده الذي كان يعمل في الرسم وكتابة لافتات المحال التجارية، وعمل معه لـ6 أعوام، وتعلم منه كثيرا، ليس على صعيد الفن والخط العربي فحسب، بل تعلم منه أيضا الأدب والأخلاق.
وجاء ارتباط كريم بالخط العربي منذ الصغر؛ إذ عاش في قرية غالبية سكانها من المسلمين، والتحق بصفوف تحفيظ القرآن الكريم، وتعلم كتابة الحروف العربية وتشكيلها، حتى صارت اللغة العربية جزءا من شخصيته. كما زاد تعلقه بها عندما عمل بالمدينة المنورة، وحاول التحدث باللغة العربية الفصحى.
ذاعت شهره كريم في القرية التي كان يعيش فيها، واكتسب المزيد من المال إلى أن ترك معلمه، وانتقل إلى السعودية، ليعمل في المدينة المنورة خطاطا لمدة 3 سنوات، حيث تعلم المزيد عن الخط العربي.
وفي رحلة اختط فيها مسارا ليس بعيدا عما بدأه، انتقل كريم إلى الإمارات للعمل مصمم غرافيك، حيث أضاف إلى حصيلته العلمية والعملية، من خلال تعلم كيفية مزج الخط العربي بالرسومات الفنية، مما فتح له المجال واسعا أمام فن الجرافيتي.
مكث كريم 7 أعوام في الإمارات، وكان فرع الشركة (التي كان يعمل بها) في دولة قطر بحاجة لأحد الفنانين الذين يتحدثون اللغة العربية، فتم ترشيحه للانتقال إلى فرع الشركة في الدوحة عام 2011 حيث عمل في تصميم العلامات التجارية.
وقبل عدة أشهر، قرر كريم التفرغ للعمل في فن الجرافيتي، فاستقال من وظيفته، لينصبّ جهده على أعماله الخاصة، وإنجاز مشاريع عدة حول العالم.
ومما رواه كريم حول شغفه بالخط العربي للجزيرة نت، أنه راح يبحث عن المتميزين في هذا الحقل، لينهل من معينهم. فتيّسر له لقاء الخطاط اليمني زكي الهاشمي، الذي شارك في كتابة أكبر مصحف في العالم (مصحف الشام) عام 2007، الذي له أبحاث عدة في علم الخط، ويشغل حاليا منصب رئيس مركز آيا صوفيا للفنون الإسلامية في تركيا. كما تأثر كثيرا بأعمال الخطاطين الشهيرين التركي حسن الجلبي، والمصري مسعد خضير (المعروف بـخضير البورسعيدي)، الملقب بـ"شيخ الخطاطين المصريين".