البرنوس.. من لباس تقليدي لواجهة ثقافية للدولة الجزائرية

لا تكاد تزور شخصية بارزة في الجزائر حتى تحظى بـ"برنوس" كهدية راقية ينسجها المتمسكون بصناعة هذا اللباس التقليدي.

تختلف ألوان البرنوس حسب اختلاف المادة الأولية التي صنع منها الجزيرة نت
تختلف ألوان البرنوس وفق اختلاف المادة الأولية التي صنع منها (الجزيرة)

الجزائر – يقال في عرف منطقة الجلفة الجزائرية إن من يلبس البرنوس هو "راجل ترَّاس" (رجل جدع) ومن يلبس برنوسين "راجل ونص"، في إشارة إلى أن هذا اللباس دليل هيبة للرجل في البلاد. ويقال أيضا إنه "جاه الغني ودفء الفقير".

و"البرنوس" هو لباس تقليدي ترتديه فئة كبيرة من سكان شمال أفريقيا، ولعل أجود أنواعه على الإطلاق هو ما يصنع في مدينة مسعد الجزائرية ويصدر لدول الجوار، يلبسه قادة وزعماء البلاد على مر السنوات ويهدى للشخصيات المرموقة التي يستضيفونها.

وهو عبارة عن سترة طويلة تغطي الجسم من الأكتاف للقدمين مربوطة بقلنسوة، بدون أكمام، ويلبس في فصل الشتاء وله ألوان عديدة تختلف وفق المادة الأولية التي صنع منها، أبيض وبني محمر وقاتم وأسود ورمادي.

يلبس البرنوس فوق اللباس التقليدي وحتى البدلات الرسمية الجزيرة نت
يلبس البرنوس فوق اللباس التقليدي وحتى فوق البدلات الرسمية (الجزيرة)

المادة الأولية

أما البرنوس "المسعدي " العربي الأصيل "نسبة لمدينة مسعد"، فيعد الأجود، وفق أصحاب الاختصاص، حيث يصنع من وبر الإبل في عامه الأول أو ما يعرف في المنطقة بـ"المخلول" وفي مناطق أخرى بـ"العقيقة".

ويصف السيد عمار حجاب -وهو أحد أقدم أصحاب "الصنعة" لما يقارب الـ40 سنة- للجزيرة نت طريقة استخراج وبر أجود أنواع البرنوس.

ويقول حجاب "يتم جز وبر الإبل حديث الولادة والذي لا يتجاوز عمره السنة، يغسل ثم يمرر عبر "شاش" -وهو قطعة قماش بها ثقوب صغيرة جدا- ليتم تصفية الوبر الخشن من الرفيع ويستخدم الأخير في صناعة البرنوس فيما يتم التخلي عما بقي".

ووفق العم عمار حجاب، فقد يستغرق جمع المادة الأولية أشهرا عدة، ويستدعي جز الكمية المطلوبة للـ"برنوس" الواحد عشرات الإبل، ليتم تحصيل ما يقارب الـ2 كيلوغرام من الوبر التي يتم استخدام حوالي 700 غرام منها فقط.

وبعد تصفية الوبر، يتم غزله وتمريره على الآلة اليدوية المعروفة محليا بـ"القرداش" بهدف تنعيمه وجعله خيطا متجانسا وبعدها تجتمع النسوة لنسجه، حيث يبلغ عرض "البرنوس" 4.5 أمتار في الغالب.

قيمة البرنوس

وتعرف جودة "البرنوس" عند أصحاب الخبرة من خلال شدة رفعه وسماكته، ومن أبرز خصائصه أنه يمكن طيه وحمله بكف اليد الواحدة، ويمنع هذا اللباس دخول الهواء والريح ومرور المطر والبرد.

ويشبه مصمم الأزياء الشاب "أمين حجاب" حسنَ طريقة استخدام وبر الإبل في "البرنوس" بما يستخدم في البيرو وتشيلي، ويقول للجزيرة نت "في هذين البلدين يتم تصنيع أرقى أنواع الأوشحة الشتوية بوبر حيوان "اللامة" بالاعتماد على ذات تقنية "البرنوس".

ووفق المتحدث يصل سعر الوشاح بالبيرو وتشيلي للماركات العالمية لحوالي 5 آلاف دولار، وعن سعر "البرنوس" فيختلف وفق اختلاف المادة الأولية فلا يتجاوز سعر الأبيض المصنوع من الصوف 150 دولارا، فيما يصل الوبري إلى ألفي دولار وأكثر.

يمنع البرنوس الوبري من الريح ومانع ايضا لتسرب ماء المطار الجزيرة نت
يمنع البرنوس الوبري الريح وتسرب ماء المطر (الجزيرة)

برنوس النساء

ولبست المرأة لاحقا البرنوس في الجزائر، بعدما تم إدخال مواد جديدة عليه، فبات يصمم بتطريزات خاصة إلى جانب استخدام قماش الحرير والمخمل وغيرها، مما يجعله قابلا لـ"التأنيث".

وتخرج العروس من بيت أهلها في عادات بعض المناطق مرتدية برنوس والدها، يقال "خرجت بستره وتحت جناحه".

الهيبة

وقد ارتبط البرنوس بأسماء قادة الثورات الشعبية بالجزائر وأبطال ثورة التحرير على غرار الأمير عبد القادر والشيخ بوعمامة والعلامة عبد الحميد بن باديس وغيرهم كثر.

وكان يستخدم البعض البرنوس ليخبئ تحته المناشير السرية في صفوف جبهة التحرير إلى جانب الأسلحة والأدوية.

بعدها توالى لبس رؤساء وزعماء الجزائر لـلـ"برنوس" ولعل الراحل هواري بومدين الذي يحبذ البعض تلقيبه بـ"مول صاحب البرنوس"، أبرز من تمسكوا به، حتى إن البعض يقول إنه تنقل خصيصا لمدينة مسعد لاختيار "برنوسه".

ويروي محي الدين عميمور -وهو دبلوماسي سابق- قصة تعيينه سفيرا في باكستان، في مقالة يحكي فيها عن ارتدائه لهذا اللباس التقليدي في أثناء تسليم أوراق اعتماده وكيف أن "البرنوس" أصبح حديث العام والخاص في باكستان آنذاك.

ولا تكاد تزور شخصية بارزة في الجزائر حتى تحظى "ببرنوس" وبري (طاقية- قبعة) كهدية راقية، ينسجها المتمسكون بصناعة هذا اللباس التقليدي ويتباهى رؤساء البلاد بلبسها وتقديمها لضيوفهم. فمن دخل الجزائر وحظي ببرنوس قد حظي باحترام أهلها ووقارهم.

المصدر : الجزيرة