قرية الدراجين في الأردن.. تدريب وتوعية ومواجهة للصور النمطية

يطمح حسونة إلى تعميم تجربة قرية الدراجين في دول الشرق الأوسط، وتكوين فئة من الدراجين والمدربين يمكنها نقل الفكرة لدولها والعمل مع المجتمع على توفير المناخ الآمن لممارسة هذه الهواية.

تقرير عن هواية الدراجات من الأردن
قرية الدراجين تبعد عن العاصمة الأردنية عمان حوالي 12 كيلومترا (الجزيرة)

على بعد 12 كيلومترا من العاصمة الأردنية عمّان، وعلى طريق مطار الملكة علياء الدولي، بدأ مقاول شاب بناء الحلم الذي راوده منذ سنوات، "قرية للدراجين"، وهو مجتمع كامل لعشاق هواية ركوب الدراجات النارية.

تضم القرية مركز تدريب على قيادة الدراجات النارية بشكل محترف، ووكلاء ومحلات متخصصة في مجال الدراجات، بالإضافة إلى مطاعم ومقاهي.

الجزيرة نت زارت القرية وتحدثت إلى صاحب فكرة المشروع سامر حسونة، الدراج والمدرب المعتمد من قبل شركة "هارلي دافيدسون" الأميركية، حول الهدف من وراء المشروع الذي يعتبر الأول في منطقة الشرق الأوسط.

أن تبدأ متأخرا

يقول سامر إن عشقه لهواية الدراجات بدأ متأخرا، فهو في الأساس صاحب شركة مقاولات، ولم تكن له علاقة بهذه الهواية التي كانت ممنوعة في الأردن بحسب القوانين، وكانت قيادة الدراجات تقتصر على المؤسسات الحكومية والخاصة وليست للأفراد. ومع فتح المجال عام 2009، كان سامر من أوائل الذين يقتنون دراجة ويبدؤون التدريب عليها.

تقرير عن هواية الدراجات من الأردن
عشق سامر لهواية الدراجات بدأ متأخرا فهو في الأساس صاحب شركة مقاولات ولم تكن له علاقة بهذه الهواية (الجزيرة)

الرغبة في التحسن

حين بدأ حسونة التدرب على قيادة الدراجات، كان التدريب بسيطا ومقتصرا على دراجات صغيرة ليست كالدراجات التي يقتنيها الدراجون في الواقع، وهي مصممة لتوصيل الطلبات ولا تمكن صاحبها من القيادة بثقة على الشوارع المزدحمة ومواجهة المواقف المختلفة.

وبعد تعرضه لحادث بسيط عام 2010، شعر بضرورة أن يهتم بالتدريب المتخصص، وهو ما دفعه للبحث عن مراكز مؤهلة ومتخصصة في هذا المجال، ولكنه لم يجد مثل هذه المراكز في المنطقة، فلجأ للبحث عن فيديوهات تدريب على منصة يوتيوب، وهناك اكتشف تدريبات خاصة بالشرطة الأميركية على دراجات هارلي.

وأوحت له هذه الفيديوهات فكرة إقناع فرع الأردن لشركة هارلي بضرورة عقد دورات تأهيلية متقدمة، بالتعاون مع مراكز متخصصة في الخارج لاستقدام المدربين.

وبعد أن ساعد الشركة في عقد عدة دورات، طُلب منه العمل مدربا متطوعا معتمدا من قبل فرع الأردن لشركة هارلي الأميركية، وحصل على شهادات معتمدة عام 2016 من الشركة في برنامج القيادة الآمنة للدراجين (Safe Rider Training)، وهو ما أهله ليكون مدربا معتمدا ليس فقط في الأردن ولكن في منطقة الشرق الأوسط، حيث كان المدرب العربي الوحيد الذي يمكنه إصدار شهادة تدريب معتمدة من قبل الشركة، مما أهله لعقد العديد من الدورات في الأردن ومصر وقطر والكويت.

تقرير عن هواية الدراجات من الأردن
في 2016 أصبح حسونة المدرب العربي الوحيد الذي يمكنه إصدار شهادة معتمدة من قبل شركة  هارلي دافيدسون (الجزيرة)

مشاكل الدراجين المبتدئين

يخسر العديد من الدراجين حياتهم على الشوارع كل يوم، ومعظم هذه الوفيات تكون ناتجة عن عدم تلقيهم التأهيل الكافي الذي يمكنهم من التعامل في المواقف المختلفة، والتي يكون فيها الفارق بين الحياة والموت مجرد أجزاء من الثانية لاتخاذ القرار الصحيح.

من هنا ركز حسونة على بناء "مركز مهارات للتدريب" الذي سيكون مقره في قرية الدراجين.

وحول الفارق بين التدريب للحصول على رخصة قيادة دراجة والتدريب على مهارات قيادة الدراجة، يقول حسونة "التدريب الذي نحصل عليه لاجتياز الرخصة هو كأي تدريب بدائي، يؤهلك فقط لتقود الدراجة بشكل قانوني ولكن ليس بشكل محترف".

وأضاف "الفرق بين السيارة والدراجة أنك قد تتمكن من تحسين قيادتك للسيارة بعد فترة بسيطة، لأنها كآلة تساعدك على ذلك بالإضافة لوجود عوامل الأمان الحديثة، بينما الدراجة تعتمد بالدرجة الأولى على مهارات الدراج، وبعد ذلك التقنية الموجودة فيها بدرجة أقل".

وتابع "لذلك يقع تحسين هذه المهارات على عاتق الدراج وهدفه من قيادة الدراجة، فمهارات الدراج الذي يتخذ الدراجة وسيلة مواصلات يومية، تختلف عن مهارات من يتخذها رياضة ويطمح لاستخدامها في السباقات، وكذلك تختلف المهارات التي يحتاجها الدراج الذي يسعى للسفر بدراجته عمن يود استخدامها داخل مدينته فقط".

ولهذا يعتمد البرنامج التدريبي في مركز مهارات على برنامجين تدريبيين، هما: برنامج القيادة الآمنة، وبرنامج القيادة المتقدمة، وهما برنامجان معتمدان لدى شركة هارلي، مصممان خصيصا لسائقي الدراجات.

تقرير عن هواية الدراجات من الأردن
مركز مهارات يقدم برنامجين تدريبيين معتمدين هما: برنامج القيادة الآمنة، وبرنامج القيادة المتقدمة (الجزيرة)

القيادة السيئة سبب الحوادث

يقول حسونة إن هذه الدورات تكرز على معرفة العادات السيئة في القيادة لسائقي الدراجات وتلافيها، وتهتم بالأشخاص أكثر من المهارات، فربما كانت لدى البعض مهارات قيادة جيدة ولكنهم ضعيفون في مهارات السلامة أو العكس.

ويرى أن كل دراج لديه عادات قيادة اكتسبها خلال الممارسة، وهي ليست بالضرورة عادات صحيحة، ولا يمكن للدراج معرفة تلك العادات في بعض الأحيان إلا حين يتعرض لموقف خطر، ولهذا يجب على المدرب الخبير ملاحظتها وتدريب الدراج بشكل عملي على كيفية تحسينها.

قرية لا مركز تدريب

يرى حسونة أن فكرة القرية لا تقتصر على التدريب، بل تسعى لتغيير قناعات المواطنين في الشارع حول الدراجين وهوايتهم، وتهدف لتعريف المجتمع بهذه الهواية وهؤلاء الأشخاص الذين يعتبرون في نظر العديد من فئات المجتمع في الوطن العربي مجرد مزعجين أو متهورين.

وقال "نود من خلال هذا المشروع جمع الدراجين وعائلاتهم، بالإضافة للفئات الأخرى التي تود أن تتعرف على هذه الهواية، في مكان واحد يقدم خدمات تدريب وترفيه وتوعية وحتى رحلات سياحية لمعرفة مناطق مختلفة من الأردن".

ويرى حسونة أنه يحتاج إلى أن يزيل المجتمع الصورة النمطية عن الدراجين، ويعرف أن قيادة الدراجة النارية هي هواية ومن واجب أفراد المجتمع المساعدة في جعلها آمنة والبداية تكون عبر التوعية، وأشار إلى أن هذا هو الهدف الأساسي من قرية الدراجين وليست الناحية المادية.

مشروع قرية الدراجين يهدف لجمع الدراجين وعائلاتهم بالإضافة للفئات الأخرى التي تود أن تتعرف على هذه الهواية (الجزيرة)

سياحة واسترخاء

ويدين حسونة بالفضل لهواية الدراجات النارية في التعرف على أماكن مختلفة في الأردن لم يكن ينتبه لها عندما كان يقود السيارة، ويتذكر تجربته الفريدة في الذهاب لأخفض منطقة في العالم "البحر الميت" على متن الدراجة لأول مرة، والتي كانت مختلفة كليا عندما كان يذهب لها بالسيارة.

ويذكر سامر كيف أن صديقه الطبيب النفسي أراد أن يعمل بحثا عن تأثير هواية قيادة الدراجات على الحالة النفسية، ووجد في استبيان أن هذه الهواية تساعد ممارسيها على الاسترخاء والتركيز، حيث إنها تحتاج إلى التركيز الكامل على سلامة الدراج وحالة الطريق.

تقرير عن هواية الدراجات من الأردن
حسونة يهدف لبناء مجتمع خاص بالدراجين وتوعية الآخرين بحقيقة هذه الهواية (الجزيرة)

مستقبل القرية

يطمح حسونة إلى تعميم تجربة قرية الدراجين في دول الشرق الأوسط، وتكوين فئة من الدراجين والمدربين يمكنها نقل الفكرة إلى دولها والعمل مع المجتمع على توفير المناخ الآمن لممارسة هذه الهواية.

ويقول إن الهدف هو بناء مجتمع خاص بالدراجين وتوعية أفراد المجتمع الآخرين بحقيقة هذه الهواية، وليس الربح المادي، وبالنسبة للناحية الاقتصادية للمشروع فهو لا يرى أنها ذات جدوى إذا ما قورنت بعمله في مجال المقاولات.

وأضاف "المهم أن نحسن مهارات أبنائنا وإخواننا وآبائنا الدراجين، لنمنحهم فرصة ممارسة هوايتهم المفضلة في جو من الأمان والتفهم، ضمن محيط مجتمعي واع بهذه الرياضة ومشجع لها، وحتى يرجعوا لأهلهم وبيوتهم بسلامة وفرح بعد ممارستهم هوايتهم".

المصدر : الجزيرة