آموس هوكشتاين.. مبعوث بايدن الإسرائيلي وخطة غاز من أجل السلام

ظهر اسم آموس هوكشتاين في جولاته الأخيرة لمناقشة مستقبل غزة "بعد حماس"، بما في ذلك مصير الغاز الموجود قبالة سواحلها.

U.S. Senior Advisor for Energy Security Amos Hochstein speaks at the presidential palace in Baabda, Lebanon August 1, 2022. Dalati Nohra/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY
"آموس هوكشتاين" (رويترز)
"آموس هوكشتاين" (رويترز)

في قلب مدينة نيويورك الأميركية، وبإطلالة فريدة على أحد الأركان الأربعة لحديقة "سِنترال بارك" الشهيرة، يقف فندق "ذا بيير" (The Pierre) العريق والباهظ بطوابقه الأربعة والأربعين. عبر أبواب الفندق يسير أثرياء العالم دخولا وخروجا بدءا من أكبر الطهاة ومصممي الأزياء وحتى رجال الأعمال والملوك، لكن في ليلة من ليالي ربيع عام 2004، كان الفندق على موعد مع ضيف ثقيل من إحدى الديكتاتوريات الصغيرة والمنسية في قارة أفريقيا. لقد وصل "ميغويل بوريكو"، رئيس وزراء غينيا الاستوائية، للقاء أحد موظفي شركة "كاسِّيدي وشركاه" للعلاقات العامة والحكومية، آتيا من دولته التي لا يتجاوز تعداد سكانها مليون نسمة يرزح معظمهم تحت وطأة الفقر، رغم ما تحويه سواحلها من نفط.

لم يكُن الشاب الأميركي "آموس هوكشتاين" يعرف الكثير عن غينيا الاستوائية إلا ما أخبره به موقع "غوغل"، لكن شركته المعروفة في عالم جماعات الضغط أوكلت له ملف عميلها السخي الديكتاتور "تيودورو أوبيانغ"، رئيس غينيا الاستوائية منذ عام 1979، وأطول رؤساء العالم بقاء في السلطة في الوقت الراهن، فجلس يستمع إلى رئيس وزرائه بوريكو على أي حال. كانت العلاقات بين واشنطن ومالابو متوترة على خلفية شكوك أوبيانغ في ضلوع إدارة الرئيس جورج بوش الابن في محاولة انقلاب فاشلة عليه (1). ناهيك بكون البيت الأبيض تحرَّج من ظهور رئيسه علنا مع الديكتاتور، وحرمه من الصورة الوحيدة له مع بوش أثناء اجتماع مُغلَق عام 2002 (2).

لم يكن الحَرَج غريبا، فلطالما نظر العالم إلى أوبيانغ على أنه "ديكتاتور لا يرحم"، كيف لا والإذاعة المحلية (الوحيدة في البلاد) تقول إنه "على اتصال دائم بالله"، و"إن الرب نفسه هو مَن يمنحه القوة" (3). وكانت واشنطن قد توقَّفت عن إيفاد السفراء إلى مالابو، العاصمة الغينية، منذ عام 1994 بسبب تصرفات أوبيانغ، حيث اتَّهمت مالابو السفير الأميركي بأنه يقوم بأعمال سِحر ضد الزعيم الغيني، فقط لأنه زار مقابر لضباط بريطانيين في العاصمة عام 1993 (4). "كان بوسع أحد موظفينا أن يسمع أصوات الصراخ بسبب التعذيب في بعض الأماكن"، هكذا صرَّح سفير سابق آخر. ولكن لدهشة الجميع، بما في ذلك السفيران السابقان، انفتحت أروقة واشنطن أمام أوبيانغ بفضل الثروة النفطية، وكذلك بفضل الجهود الدؤوبة لهوكشتاين (5).

كان اجتماع "ذا بيير" بداية لعلاقة متينة جمعت هوكشتاين بالديكتاتورية الساحلية، التي دفعت 120 ألف دولار شهريا لشركة كاسِّيدي كي تطرق لها باب العلاقات مع إدارة بوش. وقد انفتح الباب سريعا بشكل لعل أوبيانغ نفسه لم يتوقَّعه. فبعد أشهر قليلة من اجتماع هوكشتاين وبوريكو، دُعي أوبيانغ بوصفه ضيفا خاصا على حفل توزيع جائزة "ليون سوليفان" للدبلوماسية الدولية عام 2004 بعد أن نالتها "كوندوليزا رايس"، التي استهلَّت حديثها بالإثناء على أوبيانغ. وكانت تلك صدمة للبعض، إذ إن الجائزة باسم رجل كافح ضد العنصرية في الولايات المتحدة، ولم يكن يتوقع أن يُدعى شخص مثل أوبيانغ إلى الحفل، ناهيك بأن يكون من ضيوف الشرف (6).

U.S. Secretary of State Condoleezza Rice (R) shakes hands with Equatorial Guinea's President Teodoro Obiang Nguema following their meeting at the State Department in Washington April 12, 2006. Rice said on Wednesday Iran's assertion it has enriched uranium will require
وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس مع رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانغ عام 2006 (رويترز)

بيد أن أيًّا من "شطحات" الرجل لم يُسلَّط عليها الضوء بعد أن تدفّق النفط الغيني إلى السوق الأميركي، وتدفَّق جزء من أرباحه إلى جماعات الضغط في واشنطن. وسرعان ما حصل أوبيانغ على كل ما أراد، بما في ذلك صورة مع وزيرة الخارجية "كوندوليزا رايس" عام 2006 بعد اجتماع وصفته فيه بأنه "صديق جيد" (7)، ثم صورة بعد ثلاثة أعوام مع الرئيس أوباما (8)، وهي سنوات وُصِفَت فيها شركة كاسِّيدي بأنها تعمل وكأنها "وزارة خارجية الظِّل" لغينيا الاستوائية (9).

في تلك الأثناء، راج الحديث عن هوكشتاين وجهوده من أجل تلميع أوبيانغ، حتى أجرت معه صحيفة واشنطن بوست حوارا عن علاقته بديكتاتور مالابو، وسُئل فيه: "حين ذهبت للقاء أوبيانغ، ألم تُفكِّر في قرارة نفسك بأن هذا الرجل اقترف أشياء بشعة؟"، فرَد هوكشتاين: "لا، لم أفكر بذلك. كانت اجتماعاتنا ودية وعملية، وأقنعني باهتمامه العميق بشعبه، ورأيت التغيير بنفسي. لقد أرسل 120 ممرضة من بلاده إلى إسرائيل للتدريب، ورأيت أطفالا يذهبون إلى مدارس جديدة" (10). كان تدشين العلاقات مع تل أبيب وسيلة من أوبيانغ لنيل الرضا في واشنطن، ولا نعلم إن كان هوكشتاين قد لعب دورا في هذا الصدد أم لا، لكنه لن يكون أمرا مُستغربا.

لم يكُن آموس هوكشتاين مجرد شاب أميركي سرعان ما انتقل من جماعات الضغط إلى الخارجية الأميركية، بل هو في الأصل إسرائيلي وُلِد لأبويْن أميركيَّيْن يهوديَّيْن في دولة الاحتلال عام 1973 (11)، وخدم في جيش الاحتلال الإسرائيلي ودخل دباباته جنديا مُقاتلا، قبل أن ينتقل إلى العاصمة الأميركية ويعمل في الكونغرس مع سياسيي الحزب الديمقراطي، دون أن يتوانى عن تمرير مصالح بلده الأول من ثنايا عمله الرسمي في بلده الثاني (12). وقد جاءته الفرصة لفعل ذلك مرارا وتكرارا في السنوات الأخيرة، حيث ظهر اسمه راعيا دؤوبا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان ودولة الاحتلال، وفي جولاته الأخيرة لمناقشة مستقبل غزة "بعد حماس"، بما في ذلك مصير الغاز الموجود قبالة سواحلها. غير أن حضور هوكشتاين في المنطقة العربية يسبق "طوفان الأقصى" بكثير، بل ويسبق الانتفاضة الثانية ذاتها.

المصدر : الجزيرة