فرحة بلا تباعد.. شوارع القاهرة تستعد لرمضان رغم موجة كورونا الثالثة

محلات تعرض فوانيس رمضان بأحياء القاهرة (الجزيرة)

صمت وخوف وتباعد، هكذا كانت أجواء رمضان 1441هـ/2020م، فرحة لم تكتمل في الشهر الكريم مر بها العالم الإسلامي أجمع، لكن في القاهرة كان الشعور بالحزن أكبر من أي مكان آخر، فالمصريون الذين اعتادوا أن ينقلوا للعالم بهجة الشعور بالشهر الفضيل، افتقدوا روحانياته وطقوسه ولياليه العامرة بالقاهرة.

تلك الأيام التي خلت من زحام البشر، وضجيج حركة البيع التي لا تتوقف، وحالة البهجة التي تشعر بها على وجوه الجميع، صوت الطرق على صاج الفوانيس، والزينة الورقية تتأرجح بفعل نسمات الشهر، وصوت المسحراتي، وصخب الإفطار على التمر الملقى بالسيارات وقت أذان المغرب.

حياة افتقدتها أيضا الأمة الإسلامية في رمضان العام الماضي بسبب جائحة كورونا، وجاء العام التالي في ظل كورونا لكن هذه المرة من دون حظر أو تباعد، والبهجة تعاود الظهور برغم الكمامة.

البهجة بدأت بالعودة إلى شوارع القاهرة مع اقتراب أولى ليالي شهر رمضان (الجزيرة)

طقوس ما قبل رمضان

زوار القاهرة القديمة يعرفون جيدا منطقة "تحت الربع"، ذلك الحي الذي أصبح قبلة المصريين في الأيام القليلة التي تسبق الشهر الكريم، إذ باتت زيارة هذا المكان عادة سنوية، فمن المعتاد ألا يكون هناك موطئ قدم في تلك البقعة الأثرية، التي تمتلئ بورش الفوانيس وحوانيت أقمشة الخيامية، بالإضافة لياميش رمضان بأسعار تناسب محدودي ومتوسطي الدخل.

لكن العام الماضي كان الأمر مختلفا، كورونا التي فاجأت الجميع، بإجراءات لا ترحم كانت سببا في خسارة فادحة لأصحاب الورش، هؤلاء البسطاء الذين لا يملكون من حطام الشهور سوى رزق رمضان الذي ينعش أحوالهم ويعوّض خسارتهم عن بقية الشهور.

في ظل كورونا كان هناك أمر آخر، يحكيه الحاج عبدالرحيم، صاحب إحدى ورش الفوانيس، فيقول للجزيرة نت "العام الماضي تكبدنا خسارة كبيرة، خاصة أننا كنا قد اشترينا الخامات من النحاس والألومنيوم، ثم جاءت قرارات الحظر في منتصف مارس/آذار 2020، لتكون ضربة لم تتحملها الكثير من ورش المنطقة، إذ كان موسمنا شهرين فقط في العام، ومع الأسف فقدناه العام الماضي".

من داخل إحدى ورش تصنيع فوانيس رمضان بحي الغورية (الجزيرة)

تغيرت الأحوال في رمضان 1442هـ/2021م، مرت كورونا وموجتها الأولى والثانية بكل آلامهما، أما الموجة الثالثة فلا أحد يهتم لها في القاهرة العامرة بالأجواء الرمضانية، والكمامات حاضرة على استحياء، إذ قلة فقط من المارة يرتدونها داعين بأن يخفف الله الوباء والبلاء، وأن يعيد عليهم الأيام باليمن والبركات.

تصدح الأغاني الرمضانية في شوارع القاهرة التاريخية، الغورية والخيامية وتحت الربع والحسين والسيدة زينب، الجميع يعوض خسائر الموسم السابق وحركة البيع والشراء لا تنقطع.

فوانيس نحاسية وألعاب أطفال تملأ شوارع القاهرة (الجزيرة)

خسائر العام الماضي

يقول طارق، صاحب "فرشة" الأشغال الرمضانية على مدخل الغورية "فرق شاسع بين رمضان ورمضان، دي أيام (تلك الأيام) ربنا ما يعيدها"، لا يرتدي طارق الكمامة ولا مساعده كذلك، تلامس يده كل شيء، ورغم ذلك لا تنقطع أسئلة الزبائن عن أسعار البضاعة وأشكال الزينة وأحجام المفارش وأحبال الإنارة والقطع الممغنطة بالرسوم الرمضانية.

ويضيف طارق "كل شيء وله سعر، والأسعار هنا أقل كثيرا من البيع على الإنترنت، كثيرون يشترون من الغورية ثم يبيعون لهؤلاء الذين يخافون من النزول للشوارع بسبب كورونا ولكن بأسعار مضاعفة".

أسعار الياميش لم تختلف هذا العام عن العام السابق، فروق طفيفة طالت بعض الأصناف، لكن رغم ذلك فالجميع يشتري، كما يقول رجب، أحد باعة البلح القادم من أسوان بمحصول العام ليبيعه في وكالة المعز، في رحلة سنوية، قطعها كورونا في العام الماضي، لكنه عاودها هذا الصيف إذ يقول "البلح سر رمضان، لا توجد أسرة لا تتناول البلح" أما عن الأسعار فتتراوح من 15 جنيها وحتى 120 جنيها (ما يعادل دولارا -7.6 دولارات أميركية).

الأفراح الرمضانية تطغى على المخاوف من عدوى كورونا (الجزيرة)

حالة الطوارئ

رفعت شوارع القاهرة ومقاهيها حالة الاستعداد القصوى لاستقبال الشهر الكريم، وتعويض خسائر العام الماضي، تلك أيام لا يريد أحد أن يتذكرها كما يقول صاحب إحدى مقاهي شارع المعز بالقاهرة الفاطمية "اعتدنا طوال العقود الماضية ألا يكون هناك موطئ لقدم في الشوارع في أثناء ليالي رمضان، لم نصدق ما حدث العام الماضي الذي كان فارغا مظلما بلا بشر ولا أنوار".

بدأت مقاهي المعز في تحضير برنامج خاص يليق برمضان الأول بعد موسم الإغلاق، التنورة وفرق موسيقية خاصة وبعض الإجراءات الاحترازية مثل الأكواب البلاستيكية بدلا من الزجاجية وكحول لتعقيم الأيدي، تلك أبرز ما يستعد به أصحاب المحال في شارع المعز الشهير، ورغم التحذيرات القوية بشأن الموجة الثالثة من كورونا فإنها مرت مرور الكرام في الحي العتيق.

استعدادات الأسر المصرية لاستقبال شهر رمضان رغم الموجة الثالثة لجائحة كورونا (الجزيرة)

أما ربات البيوت فلهن استعدادات خاصة حُرمن منها في العام الماضي، لكن هذه المرة لا شيء يعلو فوق صوت التجهيز والتفريز والاستعداد لرمضان تملؤه الولائم واللقاءات العائلية، بعد أن استبدلوا بحرارة اللقاءات برودة الإنترنت في العام الماضي.

اليوم، عادت الطقوس على أشدها، حيث تقول هبة عبدالحافظ، زوجة وأم مصرية، للجزيرة نت "رمضان الماضي كان الأول في حياتي الزوجية الذي أقضيه كاملا في منزلي، دون ولائم للأهل والأقرباء والأصدقاء، حتى والدتي ووالدي، منعنا من الذهاب إليهما والإفطار معهما ولو ليوم واحد، وهو ما سنعوضه في رمضان المقبل".

بدأت هبة الاستعداد لرمضان منذ شهرين تقريبا، بداية من تجهيز ما تحتاج إليه من لحوم ودجاج مبرد ومتبل، وخضروات مغسولة ومعدة للطهي، وتحضير الثوم تم فرمه وتعبئته، وإعداد صلصة الطماطم التي تتم الاستعانة بها في معظم الأكلات، لا شيء تركته هبه للصدفة، كل شيء أصبح الآن جاهزا لاستقبال ليلة الرؤية ومدفع الإفطار على نغمات "رمضان جانا".

المصدر : الجزيرة