شاي الكرك.. إرث ثقافي مصدره الهند وتتوارثه الأجيال في الخليج

شاي الكرك أشهر المشروبات الشعبية في الخليج
الكرك هو شاي مخلوط بالحليب والهيل، وصل إلى قطر قديما قادما من الهند وبلاد شرق آسيا (شترستوك)

يسارع محمد شمس الدين الزمن لتلبية طلبات زبائنه، الذين اصطفوا أمام ذلك المقهى الصغير بالعاصمة القطرية الدوحة للحصول على شاي الكرك، أحد أشهر المشروبات الشعبية في الخليج.

ويرى شمس الدين الذي يعمل مع أكثر من 6 أخرين لتوصيل الكرك إلى الزبائن في سياراتهم قبل توجههم إلى عملهم صباحا، أنه لا وقت للراحة في ظل الزحام الشديد على المقهى، فإذا تأخر وزملاؤه لدقائق تكتظ المنطقة بسيارات محبي الكرك.

من أين جاء الكرك؟

مشروب الكرك هو شاي مخلوط بالحليب والهيل، يحضر بطريقة خاصة تختلف عن تلك المستخدمة لإعداد الشاي العادي، وصل إلى قطر قديما قادما من الهند وبلاد شرق آسيا، بفعل التواصل التجاري والرحلات البحرية بين الجانبين.

ومثلما حملت تلك الرحلات البضائع الهندية من بخور وبهارات ومنسوجات، حملت أيضا الكثير من العادات الاجتماعية والثقافية، التي ما تزال بقاياها ماثلة في المجتمع حتى اليوم.

أخذ الكرك تسميته من اللغة الأردية، فالكلمة في الأصل تعني "الثقيل أو المركز"؛ لكن الشعبية الكبيرة التي يلاقيها الكرك مؤخرا في قطر حولته إلى ظاهرة اجتماعية متزايدة تنتشر خاصة بين الشباب، بل أصبح رمزا من رموز الحياة الثقافية والعادات في قطر، وبات معروضا على لوائح أكبر مقاهي ومطاعم الدوحة، ومشروبا يقبل عليه السائحون الأجانب.

زبائن من كل الجنسيات

ورغم كثافة الزبائن أمام المقهى إلا أن شمس الدين وزملاءه يحفظون طلباتهم، فما إن تظهر سيارة معينة حتى يهرولوا لتلبية طلب صاحبها، ويقول شمس الدين إن عمله في المكان طوال 8 سنوات عرفه على طلبات زبائنه.

وعن طبيعة الزبائن وجنسياتهم، يقول شمس الدين إن غالبية زبائنه من القطريين، إلا أن هناك زبائن كُثر من كافة الجنسيات، لافتا إلى أنه لا يعرف زبائنه فحسب؛ بل إنه يعلم مواعيد قدومهم للمكان، ويلاحظ غياب البعض، وعندما يعودون يسألهم عن سبب الغياب.

ويوضح شمس الدين أن ذلك المقهى الصغير يوزع يوميا قرابة 3 آلاف كوب من شاي الكرك خلال فصل الشتاء، بينما ينخفض الرقم في فصل الصيف، ورغم أن مقهاه يقدم العديد من المشروبات والوجبات الخفيفة، إلا أن الكرك يظل المطلب الأول لمعظم الزبائن.

شاي الكرك أشهر المشروبات الشعبية في الخليج
تحضير شاي الكرك مهمة ليست بالسهلة؛ لأن عشاقه لا يقبلون إلا بالنكهة المعتادة له (شترستوك)

الكرك لبدء اليوم

ويقول الشاب السوري عمر خطاب إنه لا يستطيع أن يبدأ يومه إلا بعد أن يحصل على كوب كبير من الكرك، عندها فقط يمكنه التوجه للعمل، موضحا أنه عندما يسافر خارج قطر خلال الإجازة السنوية، فإن الكرك هو أكثر ما يفتقده.

طريقة التحضير

وعن مقادير تحضير شاي الكرك يقول شمس الدين إن إعداده مهمة ليست بالسهلة؛ لأن عشاقه لا يقبلون إلا بالنكهة المعتادة، التي تتكون من الشاي الخشن والسكر والهيل وبعض الزعفران الذي يعطي المشروب لونه المميز، كما يضاف إليه الحليب المركز السائل، ثم يصب الشاي في الكأس من على مسافة بعيدة تكون كفيلة بمزج الشاي مع الحليب.

ويحتل شاي الكرك مرتبة كبيرة في منطقة الخليج برمتها؛ لكن مع اختلافات طفيفة في المكونات من دولة إلى أخرى، ويحتفظ باسمه في دول المنطقة باستثناء اليمن حيث يطلق عليه هناك الشاي العدني.

الشاي والكرك .. مشروب مجاني لزوار المهرجان
شاي الكرك يحتل مرتبة كبيرة في منطقة الخليج برمتها؛ لكن مع اختلافات طفيفة في المكونات (الجزيرة)

إرث ثقافي خليجي

ويرى الباحث في شؤون التراث القطري خليفة السيد أن القطريين تذوقوا طعم الكرك مع قدوم الهنود العاملين في شركة البترول خلال أربعينيات القرن الماضي، ليقدم لاحقا بمقاهي وسط الدوحة، خصوصا في براحة الجفيري عام 1956.

ويضيف السيد، في حديثه للجزيرة نت أن الكرك بات إرثا ثقافيا في منطقة الخليج برمتها تتوارثه الأجيال، فلا تخلو أي منطقة في قطر من مقهى متخصص فقط بتقديم شاي الكرك، ويكون الزحام على هذا المقهى أكبر دليل على أهمية هذا الموروث، وارتباط الناس به داخل البلاد.

المصدر : الجزيرة