سوق مولوي بالسليمانية.. مئة عام من حياة البسطاء

فرح سالم-السليمانية

لن تواجه مشقة للوصول إلى "سوق مولوي" في مدينة السليمانية شمالي العراق، لكن عليك أن تستسلم لتشعباته لتدلك على الوجهة المقبلة، كما ستساعدك في هذه الرحلة وجوه الباعة وابتساماتهم وحفاوة استقبالهم.

ويمتاز السوق بالمحال المختلفة بمعروضاتها المتشابهة في ترتيبها ونظافتها، وبألوان بضائعها الزاهية التي تتفاوت بين محال للقصابة تعرض اللحوم بشكل أنيق مغر للنظر، وصولا إلى محال الموبايلات والأجهزة الإلكترونية.

سوق مولوي يعد من أكثر الأماكن زخما بالمواطنين في المدينة، ويعج بالمتسوقين بحسب توفيق الجاف، وهو من أهالي مدينة السليمانية يمتلك عربة صغيرة لبيع الـ"شلغم" (اللفت) المطبوخ، ويستمتع بالحديث عن ذكرياته في هذا المكان وسنوات بقائه في مهنته، إضافة إلى كونه عنصرا من عناصر البشمركة سابقا قبل تعرضه للإصابة في المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

جانب من سوق مولوي حيث تعرض الخزفيات والأواني (الجزيرة نت)
جانب من سوق مولوي حيث تعرض الخزفيات والأواني (الجزيرة نت)

ويستطرد الجاف بالقول للجزيرة نت إن للسوق خصوصية لدى أهل المدينة ولدى العرب ممن دأبوا على زيارة الإقليم، فبإمكانك إيجاد الفنادق الرخيصة فيه والبضائع التي تناسب أفراد العائلة بأسعار تلائم احتياجات ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة.

وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي في المدينة عموما وسوق مولوي خصوصا مرتبط بزوار المدينة، وهذا ما حدث خلال سنوات النزوح والازدهار الاقتصادي الذي رافق استقبال السليمانية آلاف النازحين من محافظات عراقية.

وخلال المسير في السوق ستجذب نظرك واجهات الدكاكين والبسطات العامرة بمختلف صنوف الخضر والفاكهة، والمرتبة بطريقة مريحة للعين تغوي المارة بطريقة عرضها من أجل شرائها.

نصب الفارس وسط حديقة كبيرة قرب السوق (الجزيرة نت)
نصب الفارس وسط حديقة كبيرة قرب السوق (الجزيرة نت)

نصب الفارس
كلما تقدمت في المسير ستجد أن لا حدود لهذا السوق بل ستكتشف أن فيه من الخبايا ما يجتذبك لاكتشافه أكثر والسؤال عن أسراره، كنصب الفارس وسط حديقة كبيرة تبدو على أرجائها العناية، وهي محاطة بسياج حديدي يفصل النصب وحدائقه الهادئة ويعزلها عن مشهد السوق الصاخب الذي يضج بالحياة منذ الصباح حتى انتصاف الليل.

هذا النصب يعود -بحسب إسماعيل خياط الموظف في دائرة الآثار- إلى إبراهيم باشا بان مؤسس مدينة السليمانية.

ويوضح خياط أن النصب يتوسط ساحة مبنى السراي الحكومي سابقا والذي يشغل مساحة كبيرة وسط سوق مولوي، ومن المؤكد أن موقع السراي الجغرافي كان قد زاد أهمية السوق ودوره الاقتصادي في المدينة على مدى سنوات.

الحبوب والأطعمة المجففة تحتل جزءا كبيرا من السوق (الجزيرة نت)
الحبوب والأطعمة المجففة تحتل جزءا كبيرا من السوق (الجزيرة نت)

من هو مولوي؟
تعود تسمية السوق إلى الشاعر المعروف "مولوي"، وهو عبد الرحيم بن الملا سعيد المعروف بلقب "مولوي" المولود عام 1806 في قرية "سه رشاتة" الجبلية الواقعة ضمن الحدود الإدارية لقضاء حلبجة في محافظة السليمانية.

وقد كان دارسا لعلوم النحو والصرف والعلوم الدينية، وجاب العديد من المدن بحثا عن المزيد من المعارف، وانتقل تباعا لمختلف المدن إلى أن استقر به المقام في مدينة السليمانية ومركزها، وتحديدا جامعها الكبير ثم انتقل إلى جروستانة التي عمل فيها مدرسا.

أما لقبه "مولوي" فقد حصل عليه على الأرجح من زوجته عنبر خاتون، وهي سيدة أفغانية الأصل، وكان هذا لقبا يطلقه قومها على السادات والشيوخ والمتصوفين.

حكايات سوق مولوي -التي تتجاوز في سنواتها المئة عام- هي حكايات مدينة وشخوص، قصص عاصرت فيها شوارعه مختلف الأحداث، ستجدها حاضرة في وجوه الباعة، بين محال الأقمشة ودكاكين الصناعات اليدوية، محال السجاد والأنتيكات، الملابس والأجهزة الكهربائية.

إنه "حياة هذه المدينة وقلبها النابض" بحسب وصف توفيق الجاف، أو كما يحب أن يناديه أصدقاؤه من غير الأكراد بـ"أبو نشوة"، وهو اسم ابنته الكبرى الذي أطلقه تيمنا ومحبة بأهالي ناحية النشوة التابعة لمحافظة البصرة (جنوبي العراق)، الناحية التي قضى فيها فترة خدمته العسكرية، وهي علامة فارقة في حياته على حد وصفه، قد تكون شبيهة بأثرها ببصمة سوق مولوي على الحياة في مدينة السليمانية.

المصدر : الجزيرة