العلاج بالمعنى.. المدرسة النفسية التي أسسها ضحية النازية

العلاج بالمعنى.. المدرسة النفسية التي أسسها ضحية النازي
عرف فرانكل مبكرا أن الناس ذات يوم سيمتلكون كل وسائل العيش، لكنهم سيعانون لأنه لا معنى للعيش (مواقع التواصل)

شيماء عبد الله

"لماذا أحيا؟"، هل سألت نفسك يوما هذا السؤال، في خضم ما تمر به من أحداث ومواقف تؤثر بالسلب على مجرى حياتك، هل فكرت يوما في جدوى الحياة؟ هل بحثت عن "معنى"؟ إذا كنت قد فعلت ذلك، فاعلم أنك لست الأول، وإن لم تفعل فعليك بالاطلاع على أفكار العالم النمساوي فيكتور فرانكل (1905-1997)، صاحب المدرسة النفسية الشهيرة "العلاج بالمعنى".

بالرغم من فقدان كل شيء وتحطم كل القيم ومعاناة الجوع والقسوة وتوقع الموت في كل لحظة، كيف وجد فرانكل أن الحياة تستحق أن تعاش؟ رجل كهذا جدير بأن نستمع إليه.

في مقدمة كتاب "الإنسان والبحث عن المعنى.. معنى الحياة والعلاج بالمعنى" لفيكتور فرانكل، كتب عالم النفس الأميركي الشهير جوردون ألبورت كلماته عن مؤلف الكتاب صاحب التجربة، أن وجوده كان مزيجا من الدراما والانتصار من الفوز والهزيمة.

بحث فرانكل عن المعنى في قلب المأساة، لم تستطع سجون النازية أن تنزع منه إنسانيته، ولم يمنعه مقتل أمه وشقيقته من الانشغال بإيجاد سبب يحيا من أجله.

عرف فرانكل مبكرا أن الناس ذات يوم سيمتلكون كل وسائل العيش، لكنهم سيعانون لأنه لا معنى للعيش، فعاش من أجل المعنى وأسس مدرسته النفسية من أجل أن يجد الإنسان هدفا لحياته حتى في أقسى لحظات الألم والمعاناة.

مذهب العلاج بالمعنى
"ما دمتَ حيا فستعاني، الطريق الوحيد للنجاة أن تجد معنى لمعاناتك"، مقولة نيتشه التي آمن بها فرانكل، فعاش من أجل أن يجد الطريق لمعنى الحياة. كان قادرا على أن يرى الحياة بنظرة ملؤها الحكمة والرحمة، دون أن يدخل في جدال مع مدارس العلاجات النفسية الأخرى، بل كان يرحب بالدمج معها.

‪فيكتور فرانكل مؤسس مدرسة العلاج بالمعنى في علم النفس‬ (مواقع التواصل)
‪فيكتور فرانكل مؤسس مدرسة العلاج بالمعنى في علم النفس‬ (مواقع التواصل)

فيقول -على غرار الأديب الفيلسوف الروسي فيودور ديستوفيسكي- إن شيئا واحدا يروعني، هو ألا أكون جديرا بآلامي. الحياة عند فرانكل مليئة بالفرص التي تمكن الإنسان من استخدام قيمه في تقديم عمل إبداعي، لأننا يجب في النهاية أن نتسامى فوق آلامنا لنصل إلى المعنى.

يعتبر مذهب العلاج بالمعنى من بين المذاهب الإنسانية في العلاجات النفسية التي تعتمد على التركيز على الإنسان، ويعتمد على الخصائص الشخصية للفرد ومصداقيته واستقلاله وتكامل قدراته وإمكاناته وقدرته على التحدي والمواجهة.

فالمذاهب الإنسانية ترتكز على أن لكل مشكلة حلا، وأن نقطة النهاية يمكن أن تكون محورا لانطلاقة جديدة، وأن في كل أزمة تستحكم وتشتد فرصة مختلفة، فاليأس في نظر فرانكل هو معاناة منقوص منها المعنى.

تكوين الشخصية
كان لمعاناة فرانكل في سجون النازية والمعاملة الوحشية التي تعرض لها وهو في ريعان شبابه، ومقتل أمه وأخته أمام عينيه، أثرا بالغا على نظرياته في تكوين الشخصية، فقسمها إلى ثلاثة محاور:

1- بنيان الشخصية، ويتكون من ثلاثة أبعاد: البعد البدني، والبعد العقلي، والبعد المعنوي وهو ما يميز الإنسان عن غيره من سائر المخلوقات.

2- الدوافع: سعي الإنسان إلى المعنى في رأي فرانكل هو قوة أولية في حياته، وليس تبريرا ثانويا لحوافزه الغريزية، كما أن المعاني والقيم ليست ردود أفعال بل هي قوة جاذبة، فالإنسان لا يتصرف على نحو جيد وأخلاقي لأنه يريد أن يشبع دافعا أخلاقيا، ولكن من أجل قوة يؤمن بها أو إله يعبده أو شخص يحبه.

3- الشخصية بين السوية والمرض: لا تتحقق الشخصية السوية من منظور العلاج بالمعنى إلا بوجود قدر كاف من القلق والتوتر، ينتج عن إدراك الفرد للفجوة بين ما أنجزه وبين ما يتمنى أن يحققه، وهذا التوتر هو الأساس لكون الإنسان إنسانا.

 
 

العصاب في غياب المعنى
إذن ماذا يحدث عندما يفقد الإنسان معنى حياته؟ كيف تظهر عليه علامات الاكتئاب والمرض النفسي وعصاب القلق؟ 

يشرح فرانكل في كتابه حالة العصاب التي تصيب الإنسان عند فقد ثروته الحقيقية، ففي هذا الوقت يصبح فريسة للمرض النفسي: العصاب، وهو فشل الإنسان في تحقيق إمكاناته الإنسانية، وفشله في النهوض بمسؤوليات هذه الحرية.

ويؤدي هذا إلى فقدان الشعور بالوجود، ومحدودية الوعي والإمكانات، وانبعاث حالة من اللامعنى تؤدي بدورها إلى الشعور بالذنب والفراغ والاغتراب. والإنسان العصابي، هو من يعتقد أن الحياة كلها محن وآلام ومعاناة، ويحاول دوما الهرب من دوره فيها، وإذا أمكن للعلاج أن يرفع من قدر إسهامه في الحياة فهو قد تخلص من عصابه.

حين يخبرك الطبيب النفسي أن من بين علاج الاكتئاب أن تمارس أنشطة جديدة، وأن تمارس عملا تطوعيا، أو تقابل أناسا جددا وتستمع إليهم، فإنه لا يشغل وقت فراغك فقط وإنما يحاول أن يخلق معنى لحياتك ويجعلك قادرا على المقاومة.

فمدرسة فرانكل لا تستهدف الشفاء من المرض أو التخلص من الأعراض الملازمة له، لكنها تسعى لبلوغ معاني أكثر عمقا، حتى إن اقتضى ذلك تحمل الإنسان مزيدا من الألم والمعاناة والقلق، وهنا على المعالج النفسي أن يترك كرسي العلاج ويقابل مريضه إنسانا لإنسان، كما قال فرانكل "في النهاية لا ينبغي على الفرد أن يسأل عن معنى حياته، بل لا بد له من الاعتراف بأنه هو من يطلب ذلك المعنى".

المصدر : مواقع إلكترونية