هل أصاب ترمب في دبلوماسيته السرية مع كيم؟

كومبو لترمب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون

عندما أعلن عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيوجيرسي روبرت مِنِندِز أنه سيعارض ترشيح مايك بومبيو لمنصب وزير خارجية الولايات المتحدة؛ أوضح أن السبب وراء معارضته هو أن بومبيو (مدير وكالة الاستخبارات المركزية حينها) فشل في الإفصاح عن سفره إلى كوريا الشمالية -في عطلة عيد الفصح– بصفته مبعوث الرئيس دونالد ترامب.

يرى مِنِندِز أن جرأة وسرية استعدادات إدارة ترامب للقمة المخطط لانعقادها بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون؛ سلوك غير مقبول.

ففي خطاب ألقاه مؤخرا قال مِنِندِز: "أنا لا أتوقع أن يجري التفاوض الدبلوماسي علنا، لكنني أتوقع من شخص مرشح لمنصب وزير الخارجية أن يشارك -حين يتحدث مع قيادات اللجنة فتوجه إليه أسئلة محددة تتعلق بكوريا الشمالية- ببعض التصورات بشأن هذه الزيارة. وأعتقد أن الدبلوماسي الأرفع منصبا في أمتنا لابد من أن يكون صريحا".

تاريخ الدبلوماسية السرية -في ظل الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء- يبين فوائدها بوضوح. فقد بدأ الاختراق الدبلوماسي الأكثر أهمية في زمن الحرب الباردة (انفتاح الصين) بمفاوضات سرية بين هنري كيسنجر -مستشار الأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون آنذاك- والرئيس الصيني شو إن لاي عام 1971، وأرست مفاوضاتهما الأساس لزيارة نيكسون التاريخية في العام التالي

يكلف دستور الولايات المتحدة أعضاء مجلس الشيوخ بمسؤولية تأكيد صلاحية مرشحي الرئيس لشغل المناصب في حكومته عبر التصويت بالأغلبية. وقد سعى مؤسسو أميركا إلى ضمان أهلية الأفراد الذين يشغلون مناصب رفيعة في الخدمة العامة، ليس فقط استنادا إلى حكم فرد واحد، بل بعد مراجعة دقيقة من قِبَل مجلس شيوخ منتخب بشكل مستقل.

في ممارسة واجبهم الدستوري؛ ينبغي لأعضاء مجلس الشيوخ أن ينظروا بعناية في معايير توفير ما يسميه الدستور "النصيحة والموافقة". وهناك العديد من الأسباب الوجيهة التي قد تحمل أعضاء مجلس الشيوخ على اتخاذ القرار بدعم أو معارضة ترشيح بومبيو. لكن حجب بومبيو لحقيقة انخراطه في عملية دبلوماسية سرية ليست بين هذه الأسباب.

من المؤكد أن الدبلوماسية السرية كانت دوما موضع انتقاد، رغم كونها دعامة أساسية للسياسة الخارجية الأميركية. إذ يزعم بعض المراقبين أنها نوع من الخداع الذي يعمل على تقويض الشفافية والمساءلة، وغير ذلك من القيم التي تقوم عليها الديمقراطية الأميركية.

ولا يعارض آخرون الدبلوماسية السرية في حد ذاتها، لكنهم يعتقدون أن الحفاظ عل درجة معقولة من المساءلة الديمقراطية يستلزم إطلاع مجموعة فرعية صغيرة من قادة الكونغرس على مثل هذه الأنشطة. وفي انتقاده بومبيو لأنه لم يكن "صريحا" حتى مع "قيادات اللجنة"؛ أعرب مِنِندِز عن كل من هذين التخوفين.

ومع ذلك؛ فإن تاريخ الدبلوماسية السرية -في ظل الإدارات الجمهورية والديمقراطية على حد سواء- يبين فوائدها بوضوح. فقد بدأ الاختراق الدبلوماسي الأكثر أهمية في زمن الحرب الباردة (انفتاح الصين) بمفاوضات سرية بين هنري كيسنجر -مستشار الأمن القومي للرئيس ريتشارد نيكسون آنذاك- والرئيس الصيني شو إن لاي.

والواقع أن رحلة كيسنجر السرية إلى بكين عام 1971 أرست الأساس لزيارة نيكسون التاريخية في العام التالي. كما ساعدت تدفئة العلاقات الصينية الأميركية في توسيع فجوة الانقسامات بين الصين والاتحاد السوفياتي خصم الولايات المتحدة في الحرب الباردة.

وعلى نحو مماثل؛ لم يكن إنجاز الرئيس باراك أوباما الدبلوماسي الأكبر (الاتفاق النووي مع إيران عام 2015) ليتحقق لولا المحادثات السرية. ففي مارس/آذار 2013؛ أرسل أوباما اثنين من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية -وهما ويليام بيرنز وجاك سوليفان- لبدء محادثات سرية مع الإيرانيين في سلطنة عُمان.

ونظرا لانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ أكثر من ثلاثين عاما، ولأن كلا منهما كان متربصا بسياسات الآخر الداخلية؛ فإن محاولة إجراء مفاوضات تمهيدية علنا كانت ستفشل قبل أن تبدأ.

وسرعان ما قادت المحادثات السرية المسؤولين الأميركيين لاستنتاج أن الإيرانيين جادون بشأن دخول محادثات رسمية. وفي السِر؛ عمل المفاوضون الأميركيون والإيرانيون على وضع خطوط عريضة لما سيصبح "خطة العمل الشاملة المشتركة"، التي أغلقت كل المسارات الكبرى المتاحة لإيران لتكون قوة نووية، بمنعها من إعادة معالجة البلوتونيوم أو تخصيب اليورانيوم بمستويات صالحة لتصنيع الأسلحة.

رغم صعوبة المحادثات مع إيران؛ فإن التفاوض مع مملكة كيم جونغ أون المنعزلة سيكون أشد صعوبة. فلا تزال الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في حالة حرب من الناحية الفنية، بسبب عدم إبرام معاهدة سلام رسمية بين البلدين منذ الحرب الكورية (1950-1953) التي انتهت بوقف إطلاق النار وهدنة. وعلاوة على ذلك؛ كان كل اتفاق لنزع السلاح النووي بين البلدين في الماضي مصيره الانهيار

كما أزال الاتفاق ثلثيْ أجهزة الطرد المركزي التي بحوزة إيران، فضلا عن 98% من مخزونها من اليورانيوم المخصب؛ وأسس لنظام التحقق والتفتيش الأكثر تدخلا على الإطلاق.

ورغم صعوبة المحادثات مع إيران؛ فإن التفاوض مع مملكة كيم جونغ أون المنعزلة سيكون أشد صعوبة. فلا تزال الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في حالة حرب من الناحية الفنية، بسبب عدم إبرام معاهدة سلام رسمية بين البلدين منذ الحرب الكورية (1950-1953) التي انتهت بوقف إطلاق النار وهدنة.

وعلاوة على ذلك؛ كان كل اتفاق لنزع السلاح النووي بين البلدين في الماضي مصيره الانهيار. ومنذ تولى ترامب منصبه؛ اشتبك مع كيم في تقاذف للإهانات وتبادل للتهديدات. وفي هذا السياق؛ كان إرسال مبعوث خاص إلى بيونغ يانغ لإرساء أساس مفاوضات مثمرة هو بالضبط ما ينبغي للولايات المتحدة أن تفعله.

ومع ذلك؛ يظل التساؤل قائما بشأن السبب الذي دفع المبعوث الخاص إلى الامتناع عن إخطار قادة السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ، خاصة أنه يسعى إلى تولي منصب كبير الدبلوماسيين في أميركا.

تتلخص إحدى الإجابات في أن إدارة ترامب ربما تعتقد أن المفاوضات السرية ستُصبِح غير سرية بمجرد إبلاغ الكونغرس بها. خلال تحقيقات العام الماضي في التواطؤ المحتمل بين حملة ترامب وروسيا قُبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية؛ كان الكونغرس يسرب الأسرار كالغربال، وأوضح العديد من الديمقراطيين فيه أنهم "سيقاومون" ترامب عند كل منعطف.

وعلى هذا؛ كان من المعقول أن يخشى بومبيو أن تتسرب المعلومات المتعلقة بمحادثاته السرية، في محاولة لتقويض القمة وحرمان الإدارة من إحراز نصر سياسي محتمل. وتظل الشفافية والمساءلة من المعايير الأميركية المهمة؛ لكن تاريخ الدبلوماسية الأميركية أثبت أن السرية ضرورة أساسية للنجاح غالبا.

وفضلا عن ذلك؛ يعطي الدستور الرئيس مساحة واسعة في السياسة الخارجية. وهذا سبب ترحيب زملاء مِنِندِز الديمقراطيين -الذين ربما يعارضون بومبيو لأسباب سياسية- بأخبار زيارته لكوريا الشمالية.

ولذا قال عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كونيتيكت كريس ميرفي: "سأكون صادقا معك؛ يسعدني أن أرى شخصا على مستوى رفيع في إدارة ترامب يتحدث مع الكوريين الشماليين في معالِم هذا الاجتماع".

وميرفي على حق؛ فهناك أسباب وجيهة ومشروعة لمعارضة مرشح لمنصب وزير الخارجية الأميركية. لكن الامتناع عن الكشف عن محادثات تحضيرية سرية لأهم قمة رئاسية في هذا القرن ليس واحدا من هذه الأسباب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.