في معاني ودلالات تحرير الأسرى

نبيل السهلي - في معاني ودلالات تحرير الأسرى



– صفقة تبادل الأسرى

– الأسرى حقائق مثيرة
– صنوف التعذيب

في خضم الإضراب المفتوح عن الطعام للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي تم الإعلان مساء الثلاثاء 11/10/2011 عن إتمام صفقة الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل بوساطة مصرية، والبدء في تطبيق المرحلة الأولى منها يوم الثلاثاء 19/10/2011.

وفي هذا السياق تعتبر قضية الأسرى من القضايا الجوهرية في إطار القضية الفلسطينية بشكل عام، وقد برزت قضية الأسرى الفلسطينيين في الضفة والقطاع منذ احتلال المنطقتين في الخامس من يونيو/حزيران 1967 على يد الجيش الإسرائيلي.

فمنذ اللحظة الأولى للاحتلال سعت السلطات الإسرائيلية إلى تطبيق سياسة مبرمجة للحد من احتمالات حصول المقاومة في مواجهة الاحتلال، فكانت السجون الإسرائيلية بديل المشانق ومكان القتل الروحي والنفسي للفلسطينيين أصحاب الأرض، ووظف أصحاب القرار في الدولة العبرية أدوات "القانون والقضاء الإسرائيلي" توظيفا مخالفا للقوانين والأعراف الدولية خدمة للأهداف الإسرائيلية الإستراتيجية.

"
إسرائيل تراجعت عن معاييرها التي أطلقتها منذ بداية عملية التفاوض بشأن تبادل الأسرى، فقبلت بفعل صمود المفاوض الفلسطيني إطلاق سراح بعض الأسرى المقدسيين وكذلك أسرى من الأقلية العربية داخل الخط الأخضر
"

صفقة تبادل الأسرى
تم الإعلان مساء الثلاثاء 11/10/2011 عن إتمام صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل بوساطة مصرية. وتعتبر الصفقة إنجازا وطنيا للشعب الفلسطيني، وتعكس في نفس الوقت وحدته في الداخل والشتات.

وبالعودة إلى السنوات الماضية من المفاوضات، يمكن الجزم بأن المفاوض الفلسطيني ممثلا بحركة حماس كان متشبثا بمطالبه، وخاصة ضرورة أن تشمل الصفقة تحرير عدد كبير من الأسرى المحكومين بالمؤبد أو المؤبدات، فضلاً عن كافة الأسرى من النساء والأطفال.

ويبدو أن إسرائيل انصاعت في نهاية المطاف للمطالبات الفلسطينية، وستجري صفقة التبادل على مرحلتين يتم فيهما الإفراج عن 1027 أسيرا وأسيرة فلسطينية.

في المرحلة الأولى التي تمت يوم الثلاثاء 19/10/2011 أفرج عن 477 أسيرا وأسيرة، مقابل الإفراج عن الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط، في حين سيتم إطلاق سراح الآخرين وعددهم 550 أسيرا بعد شهرين من المرحلة الأولى.

وثمة 27 أسيرة من بين الأسرى الذين سيطلق سراحهم في الصفقة، فضلا، عن ذلك ستطلق إسرائيل أيضا سراح 315 أسيرا فلسطينيا حكم عليهم بالمؤبد أو عدة مؤبدات.

ويبدو أن الصفقة لا تشمل كلا من الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح مروان البرغوثي.

في مقابل ذلك ستتضمن عملية التبادل إطلاق سراح 45 أسيراً مقدسيا وستة أسرى من عرب 48، فضلاً عن أسير واحد من هضبة الجولان السورية المحتلة.

واللافت أن إسرائيل تراجعت عن معاييرها التي أطلقتها منذ بداية عملية التفاوض بشأن تبادل الأسرى، فقبلت بفعل صمود المفاوض الفلسطيني إطلاق سراح بعض الأسرى المقدسيين وكذلك أسرى من الأقلية العربية داخل الخط الأخضر، فضلاً عن القبول بإطلاق سراح أسرى محكومين بالمؤبد أو عدة مؤبدات.

الأسرى حقائق مثيرة
تبعا للسياسات والإجراءات الإسرائيلية للحد من المقاومة الفلسطينية تم اعتقال نحو 750 ألف فلسطيني خلال الفترة من عام 1967 وحتى عام 2011، وهؤلاء، يشكلون نسبة تصل إلى 16.7% من إجمالي المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع البالغ 4.5 ملايين نسمة.

وكان من بين الأسرى آلاف من النساء والأطفال والشيوخ. ويلحظ الباحث والمتابع أن النسبة من أعلى النسب في العالم مقارنة بعدد السكان.

واللافت أن عملية الاعتقال والأسر كانت بمثابة حرب إسرائيلية على الفلسطينيين للحد من حركة الشباب الفلسطيني وبالتالي المقاومة المشروعة لهؤلاء ضد احتلال مديد طالت سياساته الأرض والسكان والثروة الطبيعية.

"
منعت إسرائيل زيارات العائلة ضمنيا، نظرا لإمكانية إلغاء أو وقف إسرائيل استصدار تصاريح للعائلات الراغبة في زيارة أبنائها في السجون الإسرائيلية في الوقت الذي تحدده
"

وقد كثفت المؤسسة الإسرائيلية من عمليات الاعتقال والأسر خلال الانتفاضة الأولى 1987-1994، إذ تم اعتقال 275 ألف فلسطيني غالبيتهم من القوة النشيطة اقتصاديا المتمثلة بفئة الشباب.

ومنذ اندلاع انتفاضة الأقصى في نهاية سبتمبر/أيلول 2000 تم أسر واعتقال 35 ألف فلسطيني. ورغم الاتفاقات المعقودة مع السلطة الفلسطينية بقي في السجون الإسرائيلية حتى عام 2011 نحو عشرة آلاف وثمانمائة أسير فلسطيني حسب غالبية المصادر الفلسطينية، يتوزعون على اثنين وعشرين سجنا إسرائيليا ومعتقلا ومعسكرا ومركز توقيف.

ومن بين هؤلاء الأسرى ألف ومائة معتقل إداري، فضلاً عن 27 أسيرة و250 طفلا دون سن الثامنة عشرة من العمر.

وتشير المصادر إلى أن من بين الأسرى أربعين أسيرا عربيا وستين معتقلا من فلسطينيي 1948 كانوا قد اعتقلوا بعد شهر أكتوبر/تشرين الأول عام 2000.

وبالنسبة لظروف الأسر والاحتجاز، فإن عملية احتجاز الأسرى الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية تتم في سجون ومراكز اعتقال عسكرية إسرائيلية تقع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، فهناك خمسة مراكز تحقيق، وستة مراكز احتجاز (توقيف) وثلاثة مراكز اعتقال عسكرية، وعشرون سجنا مركزيا تابعا لمصلحة السجون الإسرائيلية.

إن نقل الأسرى الفلسطينيين إلى سجون تقع داخل أراضي الدولة المحتلة إجراء غير قانوني "مخالف" للقانون الدولي لأن اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالسكان المحميين تنص على وجوب قضاء السكان الذين تتم إدانتهم لفترة محكومتيهم "حكمهم" في الأراضي المحتلة، بند 48.

إن زيارات العائلات للأسرى والأسيرات الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية غير ممكنة غالبا، وإن وقعت فمتقطعة وشبه مستحيلة منذ بداية الانتفاضة في سبتمبر/أيلول 2000، وذلك نتيجة للإغلاق الدائم الذي تفرضه إسرائيل ونظام التصاريح الذي يتحكم في حركة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة والقدس الشرقية.

وقد منعت إسرائيل زيارات العائلة ضمنيا نظرا لإمكانية إلغاء أو وقف إسرائيل استصدار تصاريح للعائلات الراغبة في زيارة أبنائها في السجون الإسرائيلية من الضفة الغربية وقطاع غزة في الوقت الذي تحدده.

ويمكن اعتقال الفلسطينيين حسب الأوامر العسكرية الإسرائيلية، حتى ثمانية أيام دون إعلام المعتقل عن سبب اعتقاله أو إحضاره أمام قاض. وقد أدت هذه السياسات وظروف الأسرى البائسة إلى تحركات وإضرابات متكررة عن الطعام منذ عام 1967.

"
الاعتداء على الأسرى الفلسطينيين يحصل منذ لحظة اعتقالهم وأثناء خضوعهم للاستجواب والتحقيق، ويمكن الجزم بأن 70% من مجمل المعتقلين تعرضوا للتعذيب القاسي والإساءة من قبل المحققين والجيش الإسرائيلي
"

صنوف التعذيب
تشير دراسات فلسطينية إلى استشهاد 275 أسيرا في السجون الإسرائيلية منذ عام 1967 بسبب التعذيب والضرب المبرح، وسياسة العزل الانفرادي في الزنازين، فضلاً عن إطلاق الرصاص من قبل السجانين الإسرائيليين على بعض الأسرى بشكل مباشر.

وقد أشار الأسير المحرر عبد الناصر فروانة في أكثر من مقابلة ودراسة إلى أن إسرائيل اتبعت ضد الأسرى الفلسطينيين أكثر من سبعين شكلا من التعذيب الجسدي والنفسي، منها الضرب والوضع في الثلاجة والشبح والهز العنيف والوقوف فترة طويلة والحرمان من النوم والحرمان من الأكل والعزل والضغط على الخصيتين وتكسير الضلوع والضرب على الجروح واعتقال الأقارب وتعذيبهم أمام المعتقل والبصق في الوجه والتكبيل على شكل موزة والضرب على المعدة وعلى مؤخرة الرأس.

وأكدت تقارير فلسطينية أن الاعتداء على الأسرى الفلسطينيين يحصل منذ لحظة اعتقالهم وأثناء خضوعهم للاستجواب والتحقيق، ويمكن الجزم بأن 70% من مجمل المعتقلين تعرضوا للتعذيب القاسي والإساءة من قبل المحققين والجيش الإسرائيلي، وأن الاعتداء على الأسرى داخل السجون وفرض عقوبات قاسية عليهم تصاعدت خلال الأشهر الماضية.

وارتفعت وتيرة عمليات العنف تجاه المعتقلين في السجون الإسرائيلية، إذ جرى الاعتداء على المعتقلين باستخدام قنابل الغاز والقنابل الصوتية والحارقة.

ومن المهم الإشارة إلى أن سنوات الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987، وسنوات الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000، كانت من أصعب المراحل التاريخية التي تعرض فيها الشعب الفلسطيني لعمليات اعتقال عشوائية شملت الآلاف من أبنائه وبناته كما أشرنا.

وقد قدر عدد حالات الاعتقال اليومية التي حدثت في المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية بين عشر حالات وثلاثين حالة اعتقال يومياً، وهي نسبة عالية جداً مقارنة بالسنوات التي سبقت اندلاع الانتفاضتين.

وحسب شهود عيان من المعتقلين والأسرى الفلسطينيين الذين تم إطلاق سراحهم، فإن السجون الإسرائيلية تحقق هدفين للإسرائيليين، فهي عبارة عن عقاب جماعي لأهالي الأسرى عبر منع زيارتهم منذ عام 2000 من جهة، وعقاب فردي من خلال استخدام العنف والعزل في الزنازين من جهة أخرى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.