فتح وسلام فياض

فتح وسلام فياض



القادم من خارج عباءة الحركة الوطنية
"مجزرة تنظيمية"

إنشاء الخط الموازي مع الغرب

جاءت ردود الفعل الفتحاوية على تكليف سلام فياض بتشكيل حكومة جديدة عبر توسيع التشكيلة التي كان يقودها, وإعلانه التشكيلة الحالية لتفضح المستور من الخلافات الفتحاوية الداخلية (القديمة الجديدة) بشأن شخص سلام خالد عبد الله فياض، ولتطلق ألسنة النيران المستعرة تحت الرماد بين حركة فتح وكوادرها من جهة ومواقع القرار فيها التي تصر على استمرار سلام فياض في قيادته للحكومة، بل والإصرار على شخصه لقيادة أي حكومة قد تتأتى في سياقات النتائج المتوقعة في ختام حوارات القاهرة الفلسطينية في المرحلة التالية من جهة أخرى.

فقد احتدم الخلاف داخل حركة فتح خلال الأسبوع الأول من مايو/أيار الجاري حول رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض، الأمر الذي دعا الرئيس محمود عباس إلى التدخل وبشكل شخصي لمنع قيادات من حركة فتح من عقد اجتماع لها كانت تعتزم من خلاله إصدار بيان ضد فياض وحكومته.

فما هي حيثيات الحراكات الخفية والتناقضات المخفية التي تختبئ وراء التململ الفتحاوي من شخص سلام فياض، واعتراض كتلة فتح البرلمانية على إعادة تكليفه بتشكيل أو ترميم الوزارة؟

القادم من خارج عباءة الحركة الوطنية
لقد جاءت الخطوة الاحتجاجية الفتحاوية الأخيرة على تكليف سلام فياض، صرخة قوية، ومباشرة، وعلى لسان رئيس كتلة حركة فتح البرلمانية في المجلس التشريعي باسم أعضاء فتح وممثليها في المجلس.

كما جاءت لتعكس أيضاً التذمر الذي ما زال يلاحق سلام فياض من قبل أبناء وكوادر حركة فتح من الكوادر الوسطى والقاعدية بشكل رئيسي، الذين يرون بفياض رجلاً قادماً بالأساس من خارج عباءة الحركة الوطنية الفلسطينية، بل ويعتبرونه الرجل الهابط بالمظلة الأميركية على السلطة الوطنية الفلسطينية بعد أن فرضته إدارة الرئيس بيل كلينتون ومن بعده إدارة الرئيس جورج بوش وبضغط مكثف من قبلها ومعها دول الاتحاد الأوروبي، لترؤس حقيبة المالية في الحكومة الفلسطينية بين أعوام (2002 إلى 2005) ثم في حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت في مارس/آذار 2007، ومن ثم دفعت به إدارة الرئيس السابق جورج بوش لفرضه كرئيس للوزراء.

"
الاحتجاج على تكليف فياض بالحكومة يعكس التذمر الذي ما زال يلاحقه من قبل أبناء وكوادر حركة فتح من الكوادر الوسطى والقاعدية بشكل رئيسي، الذين يرون بفياض رجلاً قادماً بالأساس من خارج عباءة الحركة الوطنية الفلسطينية
"

فأحدث فياض منذ دخوله إلى معقل السلطة عبر بوابة وزارة المال تباينات كثيرة حوله وحول دوره في السلطة ودوره في القضية الفلسطينية، ففياض في عرف غالبية الفتحاويين من أبناء الكوادر الوسطى والقاعدية "صناعة أميركية خالصة" أدت إلى إضعاف قوة ياسر عرفات في السيطرة على مقاليد الأمور، في جانبها المالي على الأقل, إن لم نقل في جانبها السياسي وغير السياسي.

ومن نافل القول بأن الخلاف الفتحاوي على شخص سلام فياض يعكس أيضاً وفي جانب هام منه حال التيارات التي تتنازع صفوف حركة فتح، والتي تشكل انعكاساً لحالة الحركة ومواقفها من مؤتمرها السادس الذي يعول عليه غالبية كوادر فتح وقواعدها التنظيمية لتوحيد حركة فتح في مواجهة "الصراع على فتح لإعادة قولبتها وتطويعها" ومسخها على يد حكومة فياض بعد سيطرتها على الوزارات المدنية والمؤسسة العسكرية حيث أصبح مسؤولو الأجهزة الأمنية بغالبيتهم أقرب إلى سلام فياض من حركة فتح، ويتم استبدالهم شيئاً فشيئاً لتتم سيطرة فياض على الأجهزة الأمنية.

فيما الجدل ما زال مستمراً بشأن إمكانية التئام المؤتمر العام السادس بعد الخطوات الدراماتيكية الأخيرة التي وقعت، وعبرت عن نفسها بقرارات الرئيس محمود عباس القاضية بحل اللجنة التحضيرية، وتحديد مكان انعقاد المؤتمر في رام الله أو بيت لحم، وتوقيت موعده في الأول من يوليو/تموز القادم.

الأمر الذي أثار ردود فعل قوية من جانب أعضاء اللجنة التحضيرية وخصوصاً رئيسها محمد راتب غنيم عضو اللجنة المركزية، الذي أصدر بياناً في العاصمة الأردنية عمان أكد فيه وقوع اجتماع عمل لأعضاء اللجنة المركزية المتواجدين خارج فلسطين، وتضمن رفضهم حل اللجنة التحضيرية، وتأكيدهم استمرار عملها لعقد المؤتمر العام السادس في الخارج وبقوام (1550) عضواً.

"مجزرة تنظيمية"
وفي هذا المسار من التباينات الفتحاوية الداخلية، لم يعد خافياً للمتابعين لخبايا البيت الفلسطيني، أن عنواناً هاماً من عناوين الاستعصاءات الجارية في حوارات القاهرة بجولاتها المتتالية، كان يدور داخل حركة فتح ذاتها قبل غيرها من القوى والفصائل، بين اتجاهين اثنين، اتجاه أول كان يرى بضرورة القفز عن سلام فياض كمرشح محتمل لرئاسة الوزارة القادمة، ليس استجابة لمطالب حركة حماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية، بل استجابة لأغراض فتحاوية داخلية إضافة لغرقه في مشروع سياسي يمس مستقبل حركة فتح ذاتها.

واتجاه ثان يرى بسلام فياض المرشح الأفضل من زاوية القبول الدولي وخصوصاً الأميركي، وهو أمر لا بد منه (حسب أصحاب الاتجاه الثاني) كي تقلع أية حكومة فلسطينية قادمة في برنامج عملها، مشددين على أن الوضع الفلسطيني لا يحتمل التصعيد حالياً مع سلام فياض الذي يحظى بدعم الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي، ومعتقدين بأن سلام فياض خبير اقتصادي يعمل بلا كلل، حيث "نجح في كسب ثقة الغرب لجهوده في تحسين القطاع المالي الفلسطيني بعد سنوات من سوء الإدارة".

"
انتصار الوزير: فئة حول الرئيس محمود عباس لا يعنيها أمر فتح، ومنهم سلام فياض وحكومته التي قامت بـ"مجزرة تنظيمية" أحالت من خلالها على التقاعد أكثر من 6000 كادر فتحاوي، غالبيتهم ممن لم يصل إلى سن التقاعد
"

كما لم يعد خافياً على أحد، أن تبلور الاتجاهين المذكورين داخل حركة فتح قد بدأ منذ فترة ليست بالقصيرة سبقت حوارات القاهرة الفلسطينية، منذ أن بدأت تتعالى الأصوات الفتحاوية المنادية باستعادة الموقع التاريخي لحركة فتح، واستعادة موقع رئاسة الوزارة من يد سلام فياض وحزبه غير المعلن (كاديما الفلسطيني) الذي تعتبره غالبية الكوادر الوسطى لفتح رجلاً قادماً من خارج عباءة الحركة أو أي من فصائلها وقواها السياسية، التي باتت تتحدث بوضوح، محذرة من محاولات تجري لتهميش حركة فتح، وهو ما حدى بالسيدة انتصار الوزير (أم جهاد) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وأرملة الشهيد أبو جهاد للقول قبل أشهر "إن هناك شعوراً لدى العشرات من قيادات حركة فتح بأن هناك مخططاً لإنهاء الحركة بإضعافها أولاً ومن ثم تهميش دورها"، كما رأت انتصار الوزير أن هناك "فئة حول الرئيس محمود عباس لا يعنيها أمر فتح، ومنهم سلام فياض وحكومته (التي شكلها بعيد إصدار محمود عباس أمرا رئاسيا بحل حكومة الوحدة الوطنية التي كان يترأسها إسماعيل هنية) والتي قامت بـ"مجزرة تنظيمية" أحالت من خلالها على التقاعد أكثر من 6000 كادر فتحاوي، غالبيتهم ممن لم يصل إلى سن التقاعد" وقذفت بهم خارج دائرة الفعل والتأثير.

إضافة لتوجه فياض لتقليص عديد قوات الأمن الفلسطينية بإحالة كل عنصر عمل مدة 15 عاماً على التقاعد، إضافة إلى الذين تجاوز عمرهم 45 عاما. الأمر الذي حدا للمطالبة بـ"وقف العمل بكافة القرارات المتعلقة بتعديل قانون التقاعد العام، نظراً لما تركته من آثار سلبية على أوضاع المؤسسات الفتحاوية وتنظيم حركة فتح بشكل عام، تمهيدا لإلغائها، وإلغاء كل قرارت الإحالة إلى التقاعد التي صدرت بموجب هذه التعديلات، واستمرار العمل بالقانون الذي أقره المجلس التشريعي، ومصادقة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية".

خط مواز مع الغرب
وفي سياق تنامي دور فياض السياسي، ما كلت العديد من الجهات الفتحاوية تتهمه بإنشاء خط مواز لحركة فتح مع الإدارة الأميركية والغرب بشكل عام، وهو ما افترض خشية مضمرة أن يؤدي نهج فياض إلى تشكيل بديل سلطوي على حساب فتح، فبرزت دعوات متكررة من قبل قيادات فتحاوية في رام الله طالبت الرئيس بتحجيم فياض، متهمةً إياه بتهميش حركة فتح وكوادرها، وإبعاد زبدة مناضليها المخلصين من الحقائب الوزارية، وترشيح الموالين له لشغلها.

حيث أشارت بعض التعاميم الفتحاوية الداخلية بأن سلام فياض عمل طوال الفترة الماضية على استقطاب لجان الأقاليم المنتخبة في حركة فتح عبر توظيف المال، حيث قام فياض بعدة زيارات لمدن الضفة الغربية، اجتمع خلالها بأعضاء لجان أقاليم حركة فتح المنتخبة، عرض فياض على قادة أقاليم فتح مساعدتهم على أن يقوم بتفريغ عدد غير محدد منهم داخل مقار ومكاتب حركة فتح على راتب الحكومة، وعرض عليهم رصد موازنة خاصة بالأقاليم التنظيمية لحركة فتح، ولا سيما أن موازنة حركة فتح باتت تقررها وزارة المالية في حكومة فياض، وهو ما حدا بالبعض من عتاولة الفتحاويين للقول بأن "انقلاباً أبيض" قادم إذا ما استمر سلام فياض على رأس الوزارة الفلسطينية.

وعليه، وصل الأمر أن تعرض فياض لتهديدات كثيرة في فترات سابقة من قبل بعض المجموعات الفتحاوية القاعدية، خصوصاً منها التي كانت تعمل تحت عنوان كتائب الأقصى بعد أن تم رفض تبني أي من كوادرها في لوائح المتفرغين في السلطة، فقد أصدرت كتائب شهداء الأقصى بياناً يوم الأحد (30/12/2007) توعدت فيه سلام فياض، وقالت فيه "إزاء التطورات المتلاحقة التي تشهدها الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وإزاء التعاون والتنسيق الأمني الذي بات واضحاً من قبل حكومة فياض الأميركية" في رام الله، وبعد تسليم الأجهزة الأمنية لثلاثة صهاينة مجرمين إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فإن قيادة كتائب الأقصى تطالب عناصرها في أجهزة السلطة عدم السماع لأوامر حكومة فياض الأميركية" وختمت بيانها بالقول: "حان الوقت للضرب بيد من حديد للذين يعبثون بمقاومتنا الشريفة في الضفة الغربية".

وكانت غالبية أعضاء المجلس الثوري لحركة "فتح" في اجتماع عمل له نهاية الأسبوع الأول من يونيو/حزيران 2008 قد أعلنوا وأبدوا قناعتهم وأشهروها بتصريحات تطايرت هنا وهناك، بأن حكومة سلام فياض لا تمثل حركة "فتح" ولا منظمة التحرير الفلسطينية وأيا من قواها، وأن كل ما تقوم به من إجراءات يستهدف حركة فتح. وكشفت بعض المصادر الفتحاوية في حينها أن سلام فياض رد على من أبلغه بمواقف أعضاء المجلس الثوري في الاجتماع المشار إليه، بأن "رحيل حكومته يعني توقف جميع المساعدات الأميركية والأوروبية للسلطة".

"
استعراض المواقف الاحتجاجية الفتحاوية بشكل عام على شخص سلام فياض لا يعني البتة غياب الأنانيات التنظيمية الداخلية التي يرى من خلالها البعض من المحتجين على فياض أن السلطة لهم، وأن مكاسبها وامتيازاتها يجب أن تبقى حكراً على فتح
"

إلا أن الاجتماع المذكور للمجلس الثوري لحركة فتح كان قد أصدر القرار رقم (6) الداعي لـ"تشكيل لجنة خاصة من عدد من أعضاء المكتب الحركي العسكري لحركة فتح ومن الكفاءات العسكرية ذات الخبرة سواء من العاملين بالخدمة أو ممن أحيلوا إلى التقاعد، بهدف متابعة إلغاء أو وقف العمل بالقرارات والمراسيم التي كان سلام فياض قد أصدرها تباعاً، واستطاع من خلالها أن "يقصقص" نفوذ المئات من الكوادر الفتحاوية المدنية والعسكرية (خصوصاً منها تلك التي تمتلك موقفاً نقدياً للسلطة وسياساتها) وتصحيح الأوضاع التي نجمت عن التعديلات المشار إليها، والتوصية باستدعاء من يلزم من الضباط المتقاعدين لضرورات المصلحة العامة.

أخيراً، إن استعراض المواقف الاحتجاجية الفتحاوية بشكل عام على شخص سلام فياض لا يعني البتة غياب الأنانيات التنظيمية الداخلية التي يرى من خلالها البعض (ونقول البعض) من المحتجين على فياض أن السلطة لهم، وأن مكاسبها وامتيازاتها يجب أن تبقى حكراً على فتح.

ومع هذا، ومهما بلغت موجات الاحتجاج الفتحاوية الداخلية على مستوياتها القاعدية والوسطى بشأن استمرار سلام فياض كرئيس للوزراء أو رحيله خصوصا بعد تشكيله وزارة جديدة قبل أيام في رام الله, ومهما تباينت التقديرات بشأن شخصه بين مؤيد له في بعض المواقع القيادية لحركة فتح وبين مناهض لبقائه في موقعه، إلا أن موقفاً فلسطينياً آخر بدأ بالتبلور مع مقاطعة كتلة فتح البرلمانية للحكومة الجديدة التي أعلنها فياض، داعياً لرحيل سلام فياض حال وصول الحوار الفلسطيني في القاهرة إلى توافق وطني شامل، وهو موقف أكده مؤخراً رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل. وتوافق موقف مشعل مع مواقف أمين سر اللجنة المركزية لفتح فاروق القدومي الذي انتقد تشكيل حكومة جديدة برئاسة فياض معتبرا إياها عاملا سلبيا على طريق إنجاح الحوار الفلسطيني بالقاهرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.