المرأة العربية بعيون غربية

-


عادل لطيفي

– توظيف قضية المَرأة العربية والمسلمة
– انتقائية الإعلام
– تلك المرأة المغيبة.. فلسطين والعراق

إذا انطلقنا من مفاهيم العقل الحديث، المؤسسة على مبادئ مثل الحريات والمساواة القانونية، فإن وضع المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية لا يحتاج إلى مجهود كبير من التحليل للإقرار بتخلفه.

إنه تخلف ناتج عن تخلف الهياكل الاجتماعية الفاعلة، وعن تقليدية البني الفكرية التي تسندها والتي لا بد من العمل على تحييدها، إذا أردنا تأسيس مواطنة حقيقية.

مثل هذه الأفكار تجمع حولها أغلب مناضلي الحقوق والحريات سواء في البلدان العربية أو في البلدان الغربية، لأنها تستمد شرعيتها من طبيعة البديل المجتمعي الذي تطمح إلى إنجازه، غير أنه بإمكان نفس هذه الأفكار أن تحيد عن هدفها السامي هذا لتصبح وسيلة سياسية لمحاربة ثقافة ما أو مجموعة بشرية ما.

هذا ما ألاحظه مع الأسف في بعض البلدان الأوروبية حيث أصبح الحديث عن المرأة في السياق العربي الإسلامي فرصة لتشويه الثقافة العربية الإسلامية، حتى العقلانية منها، وكذلك وسيلة للضغط على الهجرة وعلى المهاجرين.


"
لا يمكن التشكيك في عدالة القضايا التي تناضل من أجلها المرأة، لكن الخلل يتمثل في الجهل المعرفي التام بالطبيعة السوسيولوجية للمجتمعات العربية والإسلامية، وكذلك بالإسلام كتجربة تاريخية، بالإضافة إلى عدم أخذ مسافة نقدية من التوظيف الإعلامي الغربي
"

توظيف قضية المَرأة العربية والمسلمة
جرت العادة في فرنسا وخلال كل مناسبة احتفالية، وطنية كانت أو عالمية، أن تهرع وسائل الإعلام لتقتفي أثر الفاعلين في الشأن السياسي من وزراء ورؤساء أحزاب، بهدف تغطية تنقلاتهم ومعرفة الأماكن الرمزية التي اختاروها لإبراز موقفهم من الحدث.

ولضمان تغطية إعلامية ذات تأثير تسعى هذه الشخصيات أحيانا لإعلام الصحفيين مسبقا عن محتوى جدول أعمالها، خاصة إذا كانت وجهتهم مستحدثة.

في هذه السنة، وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس/آذار، كانت الوجهة مستحدثة بالفعل، حيث حظيت جمعية "لا عاهرات ولا مذعنات" (Ni putes ni soumises) باهتمام كبير من طرف هؤلاء الساسة الذين كان على رأسهم الرئيس جاك شيراك والأمين العام للحزب الاشتراكي الفرنسي، فرنسوا هولاند.

هذه الجمعية التي تأسست على إثر قيام شبان من أصول مهاجرة بحرق فتاة حتى الموت لرفضها الخضوع لابتزازهم، أصبحت بمثابة رمز للنضال ضد العقلية الشرقية في التعامل مع المرأة في المهجر.

ورغم نبل القضية، فإن مثل هذا الاهتمام يندرج في حقيقة الأمر ضمن رؤية مغلوطة ترى أن مجمل الممارسات الاجتماعية التي تعرفها المجموعات المهاجرة ذات الأصول الإسلامية، تنبع في الأساس من طبيعة ثقافتهم الدينية، ومن عدم الرغبة في الانصهار في المجتمعات المستقبلة.

وسواء كان الهدف إنجاح الهجرة عن طريق التصدي للتطرف الديني بالنسبة للاشتراكيين أو الحد منها بالنسبة لليمين، فقد التقت الأطراف السياسية التقليدية في مواجهة الإسلام.

فهو إما عقبة أمام اندماج المرأة المهاجرة وبالتالي فهو مجال للصراع من أجل حقوقها في البلدان الغربية، أو أنه ببساطة مبرر أساسي لإغلاق أبواب الهجرة.

في هذا السياق يمكن فهم التركيز على بعض القضايا مثل تعدد الزوجات، وضرب النساء، أو ختان المرأة، حيث أصبحت هذه المواضيع بمثابة الواجهة الوحيدة التي تعرف من خلالها الهجرة ذات الأصول العربية الإسلامية.

ولإعطاء فاعلية أكثر لهذا الخطاب السياسي السلبي حول الإسلام، تم تجنيد العديد من النساء ممن يمثلن الهجرة الإسلامية للعب دور الثائر على التقاليد في مجال حقوق المرأة.

من بينهن الفرنسية ذات الأصل الإيراني شهدورت جافان، والهولندية ذات الأصل الصومالي أيان هرسي علي النائبة في البرلمان الهولندي ومساعدة السينمائي تيو فان غوغ الذي اغتاله متطرف إسلامي في أمستردام، وهي تعلن صراحة أن نضالها يتمحور حول تحرير المرأة من الإسلام على الطريقة الغربية كما تعتقد.

لكنها تجهل أن حركة التحرر النسوي في السياق الغربي لم تطرح على نفسها يوما ما التخلص من الدين، لأنها كانت واعية بأن المشكل يكمن في التوظيف الاجتماعي للمسيحية وليس في الدين في حد ذاته.

بطبيعة الحال ليس بإمكاننا إنكار وجود وضع صعب تعاني منه المرأة المهاجرة بسبب محافظة المحيط الأسري، وبسبب إصرار أزواجهن على ممارسة هيمنتهم الذكورية وتبرير ذلك بطبيعة الثقافة الدينية.

كما لا يمكنني التشكيك في عدالة القضايا التي تناضل من أجلها هؤلاء النسوة، لكن الخلل يتمثل في الجهل المعرفي التام بالطبيعة السوسيولوجية للمجتمعات العربية والإسلامية، وكذلك بالإسلام كتجربة تاريخية، بالإضافة إلى عدم أخذ مسافة نقدية من التوظيف الإعلامي الغربي.

جملة هذه النقائص تجعل من نضال هذه الأطراف ضد التطرف الديني الإسلامي وضد تقليدية المجتمع وسيلة لتشجيع التطرف، إضافة إلى دورها السلبي في توسيع الهوة بين الثقافة الإسلامية والغرب من خلال تقديم صورة مغلوطة عن الإسلام كمعطى كلي شامل وفاعل في أدق مجالات الحياة الاجتماعية.

لكن يجب الانتباه في نفس الوقت إلى أن جانبا كبيرا من سوء التفاهم هذا مبني على كون العديد من الممارسات الاجتماعية ضد المرأة مؤسس على فهم معين للتراث النصي الإسلامي.


"
المثال الأكثر جاذبية للأعمال الصحفية الغربية هو المرأة الخليجية وخاصة السعودية، حيث إن حرمان المرأة من قيادة السيارة يجعل من التفكير في حقها في القيادة السياسية من باب الخيال العلمي، لكنها تتحاشى الإشارة إلى الحالات التي تبرز ما حققته بعض الشعوب من تقدم في مجال حقوق المرأة
"

انتقائية الإعلام
في سياق التغطية الإعلامية لليوم العالمي للمرأة لهذه السنة أثارت إحدى القنوات التلفزيونية الحكومية الفرنسية، موضوع فرض زيجات على البنات ذات الأصل العربي، وقدمت مثالا على ذلك شابة من بلد مغاربي قيل إنها هربت من عائلتها لتفادي مثل هذا الزواج المفروض.

رغم الإقرار بوجود هذه الممارسة وبمدى تأثيرها، فإنني لاحظت نوعا من المبالغة في التقرير الإخباري شككت في مدى صدقيته في تناول قضية مساواة المرأة بكل موضوعية.

فلمزيد التأثير على المشاهد ولإعطاء بعد أكثر درامية للقضية، أشارت الفتاة إلى أنها أرسلت غصبا إلى مدرسة قرآنية، والحال أن المدارس القرآنية مخصصة للذكور فقط، بالإضافة إلى أنها لم تعد موجودة في البلد المعني.

لقد بدا وكأن صاحب التقرير كان مصرا على الربط بين هذا الزواج وثقافة البلد الدينية من خلال استحضار رموزها المتمثلة في المدرسة القرآنية.

هناك مثال آخر يجسد غياب الموضوعية والنزاهة في تناول قضية المرأة في السياق الإسلامي من طرف الوسط السياسي والإعلامي الغربي.

فمن خلال بعض البرامج التي تناولت هذا الموضوع مؤخرا نلاحظ أن معديها يعتمدون التركيز على حالات تعكس أسوأ الأوضاع التي تعيشها المرأة ثم سحبها على كل الفضاء العربي والإسلامي.

والمثال الأكثر جاذبية لهذه الأعمال الصحفية الغربية هو المرأة الخليجية وخاصة السعودية، حيث أن حرمان المرأة من قيادة السيارة يجعل من التفكير في حقها في القيادة السياسية من باب الخيال العلمي.

مقابل ذلك تتحاشى هذه المادة الإعلامية في كثير من الأحيان الإشارة إلى الحالات التي تبرز ما حققته بعض الشعوب من تقدم مهم في مجال حقوق المرأة، فلا يعرف المشاهد الغربي إلا القليل عما تحقق في تركيا مثلا، حيث حصلت المرأة على حقوق سياسية قبل نظيرتها الفرنسية والسويسرية.

كما أنه لا يعرف ما تحقق في تونس منذ سنة 1958 في مجال حقوق المرأة والأسرة، وهي إصلاحات تعامل معها المجتمع بشكل عفوي مكن من تقبلها دون ضجة كبرى حتى ترسخها التدريجي.

لا يعرف الشارع الغربي ما يدور من سجال ومن حراك سياسي حول موضوع حقوق المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية، كل ما يستحضره المواطن العادي في البلدان الغربية هو ما تردده بعض الكتابات عن وضع شديد القتامة ميؤوس منه، لعل أبلغ تعبير عنه ما قالته بكل سذاجة الكاتبة شهدورت جافان، في أحد البرامج التلفزيونية من أنها فوجئت عند وجودها مرة في إحدى الإدارات الفرنسية حين خاطبها أحد الموظفين بكل احترام وطلب منها إن كانت تود الجلوس، وختمت قائلة للحضور من الفرنسيين: "هل تعتقدون بأن المرأة تعامل بنفس الطريقة هناك (في إيران والبلدان المشرقية)".

يبدو أن الهدف الكامن وراء هذا التعاطي السلبي مع واقع المرأة هو، من ناحية التركيز على حالة الجمود التي تعيشها هذه المجتمعات الإسلامية، ثم ربط هذا الجمود بالعنصر الديني باعتباره ركيزة البنية العامة للمجتمع من جهة أخرى.

فكأن مصير هذا الفضاء قد حسم لصالح الجمود خارج التاريخ، وما الحل إلا في الخروج عن هذه البنية الشمولية لتمكين المجتمع من التعبير عن ذاته والقفز نحو آفاق جديدة.

في هذا الإطار تقدم وسائل الإعلام، وحتى بعض الدراسات العلمية، الغرب على أنه فرصة تاريخية للمسلمين وللمرأة للخروج من حالة الجمود والعودة لحظيرة التاريخ.

وهنا تبرز الأبعاد العميقة لهذا التعاطي السياسي والإعلامي غير الموضوعي مع قضية المرأة، فهذه القضية أصبحت وسيلة لتكوين صورة الغرب عن ذاته من خلال عملية إنشاء إيديولوجي وسياسي لصورة الآخر، أكثر منه موضوعا ذا أبعاد إنسانية وفلسفية أشمل.

أي إن هذا الأنا الغربي لا يوجد في سياق علاقته العقلانية مع ذاته فقط بل كذلك في سياق تميزه عن الآخر، إنها إحدى سلبيات عقلانية عصر الأنوار التي يجب تجاوزها.


"
لا بد من التنبيه على ضرورة التمييز بين تحرير المرأة والمساواة بين الجنسين كقضية مبدئية، وبين استعمالها السياسي وتوظيفها الإعلامي السلبي من طرف بعض الأوساط في الغرب
"

تلك المرأة المغيبة.. فلسطين والعراق
ما هو مسكوت عنه في الإعلام الغربي أو ما لا يتم تناوله إلا نادرا، هو وضع المرأة الفلسطينية والمرأة العراقية، لأن هذا الجانب من واقع المرأة العربية لا يخدم ذلك الهدف النهائي، أي صناعة صورة الغرب من خلال تميزه عن الآخر، أي الشرق.

أستحضر هنا تحقيقا قام به فريق صحفي فرنسي أراد تتبع آراء الفلسطينيين بعد فوز حماس في الانتخابات، ومن بين الذين تمت محاورتهم، شابة فلسطينية تدير مقهى، قد يكون اختارها الفريق لأن رموز المرأة المتحررة بادية على هيئتها.

سألها أحد الصحفيين إن كانت لا تخاف من فرض الحجاب على النساء بعد فوز حماس، فردت بكل استهزاء على سؤال تأكدت من سخفه: "هل تعتقد أن مشكل المرأة الفلسطينية يتلخص في ارتداء الحجاب أو في نزعه؟".

وقد علق الصحفي على ذلك بالقول إن جواب تلك الفتاة كان درسي الأول في هذا البلد الذي جئته بعقلية فرنسية.

بالفعل إن سؤال هذا الصحفي يركز على موضوع الحجاب لأنه موضوع فرنسي، وهو لا يعلم أن مشكل المواطن الفلسطيني مرتبط بما هو أعظم: الاحتلال.

لا يعلم المواطن العادي في الغرب إلا القليل عن هذه المرأة التي جمعت كل ما يمكن أن تقدمه الحياة من قسوة على الإنسان، الاحتلال وويلاته، الفقر والفلتان الأمني، كل ذلك في سياق ثقافي واجتماعي ذكوري لا يعطي للمرأة مكانها التي تستحق.

لا يعلم هذا المواطن أن هذه المرأة تحرم أحيانا من حق الولادة حين تفاجئها نقاط التفتيش الإسرائيلية وتجبرها على والولادة داخل السيارة أو في العراء.

كما أنه لا يعرف وضع المرأة الفلسطينية السجينة التي لا تحترم أنوثتها ولا إنسانيتها حين يتم سجنها بدلا من ابنها أو من زوجها المطلوب، وحين يتم تفتيشها عارية بحضور حراس رجال أو حين تسجن وهي قاصر (حسب مصادر حقوقية فلسطينية).

هذه المشاهد لا تخدم صورة إسرائيل تلك الدولة الامتداد للغرب في فضاء يسود فيه الجهل والتخلف والدكتاتورية.

نادرا ما يتعرض الإعلام الغربي كذلك إلى واقع المرأة العراقية بعد سقوط نظام صدام، لأنه سيجد نفسه أمام أسئلة محرجة، ففي هذا البلد أدى المجهود الغربي، والأميركي تحديدا، لنشر الديمقراطية إلى تطبيق قراءة معينة للشريعة الإسلامية في مجال الأحوال الشخصية.

"
المهم هو إيجاد حيز من التحرك يسمح بالعمل على تغيير الواقع الاجتماعي في السياق العربي والإسلامي دون الوقوع في فخ الابتزاز السياسي
"

وفي هذا الإطار تتهم بعض الجهات القليلة المهتمة بشأن المرأة العراقية، القوات الأميركية بالتواطؤ مع المرجعيات الدينية الشيعية في هذا المجال لضمان مساندهم السياسية، إذ تم إلغاء قانون الأسرة الذي يعود إلى سنة 1958، ولا علاقة له بنظام صدام حسين، وهو قانون كان يعد رائدا في مجال حقوق المرأة على الصعيد الإقليمي.

نضيف إلى هذا السياق السياسي، ما خلفه الوضع الأمني من اعتداءات على النساء في الشوارع ومنعهن من العمل ومن الدراسة إلا تحت حراسة لصيقة من ذويهم.

لقد أدى مشروع دمقرطة العراق إلى واقع يتعارض تماما مع صورة الغرب الحامل للواء التحرر والانعتاق، لقد أدى إلى تطبيق فهم معين للشريعة، كما أدى إلى حرمان المرأة من العمل ومن الدراسة.

مع كل هذا لا بد من التنبيه على ضرورة التمييز بين تحرير المرأة والمساواة بين الجنسين كقضية مبدئية، وبين استعمالها السياسي وتوظيفها الإعلامي السلبي من طرف بعض الأوساط في الغرب، خاصة أن في البلدان الغربية العديد من القوى الحية التي تناضل بكل صدق لمساعدة المرأة العربية والمسلمة للمطالبة بحقوقها.

كما أنه لا يستطيع نقدنا للتوظيف السياسي أن يحجب واقع المرأة الصعب الذي تسنده تفسيرات وتأويلات معينة للتراث النصي.

لكن المهم هو إيجاد حيز من التحرك يسمح بالعمل على تغيير الواقع الاجتماعي في السياق العربي والإسلامي دون الوقوع في فخ الابتزاز السياسي.
__________________
كاتب تونسي

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.