قضية الإيدز بليبيا.. معلومات متأخرة وروايات متضاربة

المتهمات البلغاريات الخمس والطبيب الفلسطيني خلال جلسة لجنائية بنغازي(الأوروبية-أرشيف)
المتهمون الستة خلال جلسة لمحكمة بنغازي (الأوروبية-أرشيف)

من مستشفى تونسي نقل إليه بسبب نقص الأدوية والعلاجات في بلاده، أعادت وفاة الشاب الليبي محمد عمر الربيع يوم 12 مايو/أيار الماضي فتح ملف أطفال الإيدز في بنغازي، باعتباره أحد أثقل الملفات وأكثرها غموضا ضمن تركة العقيد الراحل معمر القذافي.

توفي عمر الربيع بمصحة قرطاجنة بعد إيقاف وزارة المالية الليبية صرف موازنة اللجنة المسؤولة عن متابعة ملف المصابين منذ يوليو/تموز 2022، وانقطاع الأدوية عن عيادتهم منذ 3 أشهر، حسب رئيس لجنة أسر ضحايا المحقونين بالفيروس إدريس الأغا، الذي حمّل مسؤولية الإيقاف لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة ووزير ماليتها خالد المبروك. واعتبر أن "تقصير الدولة في متابعة الملف ليس بالجديد، وهو الأمر الذي أدى إلى وفاة 131 ضحية حتى الآن".

بعد أسبوعين من وفاة عمر الربيع، طوّر ذوو الضحايا تحركاتهم، فدخل 55 منهم في اعتصام مفتوح في العاصمة طرابلس، تخلله إضراب عن الطعام لحين تحقيق مطالبهم المتمثلة في الإفراج عن المستحقات المالية للشباب المرضى، وتوفير فرص تلقيهم العلاج في الخارج. ثم ما لبثوا أن علقوا إضرابهم عن الطعام في الخامس من يونيو/حزيران الجاري، بعد لقائهم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي وعد بالنظر في أمرهم، مع إصرارهم على مواصلة الاعتصام المفتوح حتى تحقيق مطالبهم.

وكانت قضية أطفال الإيدز قد شغلت الرأي العام الليبي والأوروبي منذ نهاية عام 1998 عندما أوقف 23 من العاملين الأجانب والليبيين في الحقل الطبي للاستجواب، تم إطلق سراحهم. وخلال شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 1999، أعيد توقيف 5 ممرضات بلغاريات وطبيب فلسطيني متدرب يدعى أشرف الحجوج، واستجوبوا للاشتباه في تورطهم في حقن 393 طفلا ليبيا بفيروس الإيدز في مستشفى الفاتح في بنغازي.

في العام التالي، وُجّه للممرضات الخمس والطبيب المتدرب اتهام بتعمد حقن الأطفال بفيروس الإيدز "لزعزعة استقرار الجماهيرية"، ليصدر بعدها بأربعة أعوام حكم قضائي بإعدامهم رميا بالرصاص، تم تأكيده مجددا عام 2006. ودفعت الإجراءات القضائية الليبية والاتهامات للأجهزة الأمنية الليبية بتعذيب الموقوفين المفوضيةَ الأوروبية إلى التدخل باعتبار البلغاريات رعايا دولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، والعمل لإنشاء صندوق بنغازي لعلاج الضحايا، وتحديث المستشفى، وتعويض الأهالي.

European Union's External Relations Commissioner Benita Ferrero-Waldner (L) and France's first lady Cecilia Sarkozy (R) discuss outside the French presidential plane after their arrival 24 July 2007 at Sofia airport. The French presidential plane with the officials and the Bulgarian medics had arrived in Sofia from Tripoli at 9:51 am (06:51 GMT) and the European officials departed shortly before 11:00 pm local time (0800 GMT) after leaving the medics home and giving a short briefing to the press. AFP PHOTO / DIMITAR DILKOFF (Photo by DIMITAR DILKOFF / AFP)
سيسيليا ساركوزي (يمين) وبينيتا فالدنر لدى وصول الطائرة الرئاسية الفرنسية إلى مطار صوفيا (الفرنسية-أرشيف)

ودخلت الوساطة الأوروبية مرحلتها الحاسمة مطلع عام 2007 مع انتخاب نيكولا ساركوزي لرئاسة فرنسا، وتصويت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة على دعم قضية الممرضات. وأثمرت المفاوضات العسيرة التي قادتها المفوضة الأوروبية بينيتا فيريرو فالدنر، والتي أسهمت فيها فرنسا وقطر بفعالية، اتفاقا يوم 24 يونيو/حزيران 2007 على إقفال الملف بإطلاق سراح الممرضات اللواتي خفف القضاء الليبي عقوبتهن إلى السجن المؤبد، وكذا الطبيب الفلسطيني الذي منحت له الجنسية البلغارية، على أن يقضوا باقي العقوبة في سجون بلغاريا.

بالمقابل تم الاتفاق على إنشاء الصندوق الليبي من أجل الأطفال المصابين بالإيدز (صندوق بنغازي)، على أن تدفع تعويضات للضحايا بواقع مليون دولار للضحية، فضلا عن تعهد فرنسا بتجهيز مستشفى بنغازي، وتدريب فريقه لمدة 5 أعوام، بالإضافة إلى تدريب 50 طبيبا آخرين. وفي اليوم ذاته، وقعت أيضا في طرابس الغرب وثيقة شراكة بين ليبيا والاتحاد الأوروبي.

اعترافات سيف الإسلام

ما إن وطأت أرجل المدانين الستة أرض مطار صوفيا بصحبة سيسيليا ساركوزي زوجة الرئيس الفرنسي، حتى أصدر الرئيس البلغاري غيورغي بارفانوف مرسوما بالعفو عنهم، بعدما كانوا قد أمضوا 8 سنوات ونصف السنة في سجون ليبيا. وأثار القرار البلغاري غضب ليبيا التي طلب وزير خارجيتها آنذاك عبد الرحمن شلقم من الجامعة العربية إدانته. ليبدأ بعدها، مسلسل المفاجآت المتعددة الأوجه في القضية، التي شغلت الرأي العام في كل من ليبيا وبلغاريا.

epa06021855 (FILE) A file photograph shows Saif al-Islam Gaddafi, at a press conference in Tripoli, Libya, 23 March 2010 (reissued on 10 June 2017). According to media reports on 10 June 2017, Saif al-Islam Gaddafi has been released from prison...
سيف الإسلام أقر بتعرض الحجوج والبلغاريات للتعذيب(الجزيرة-إرشيفية)

في التاسع من أغسطس/آب 2007 عرض رئيس "مؤسسة القذافي للتنمية" سيف الإسلام القذافي -في حوار مع الجزيرة- حصيلة وساطته في ملف الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، مؤكدا وجود "إهمال وسوء خدمات (طبية) ولم يكن هنالك تعمد" في نقل الإيدز للأطفال.

وقال لبرنامج بلا حدود "لو كنت متأكدا من أن هنالك تعمدا لم أكن لأتدخل في القضية بتاتا، وهذا ما قلته لأسر الضحايا".

وفي موضوع التعذيب، أكد القذافي الابن تعرض الطبيب أشرف الحجوج للتعذيب بالكهرباء، وتهديده "بالاعتداء على أسرته". ويتعارض هذا الاعتراف مع فحوى حكم كانت أصدرته محكمة الاستئناف في طرابلس قبل ذلك بشهرين.

ففي الثامن من يونيو/حزيران من العام ذاته برأت المحكمة، في جلسة ترأسها القاضي عبد الله عون، 10 ضباط ليبيين كان محامو الممرضات والطبيب قد ادعوا عليهم بتهمة التعذيب لانتزاع اعترافات بحقن الأطفال بالإيدز. وقال أحد الضباط العشرة، وهو برتبة مقدم ويدعى جمعة المشري، وقتها "لا يوجد تعذيب في ليبيا، والغرب يدفع هذه القضية إلى اتجاه سياسي، بينما نحن تركناها للقضاء العادل والنزيه"، ثم صاح "يحيا العدل".

وفي تلميح لدور الأجهزة الأمنية الليبية في فبركة الاتهامات، قال سيف الإسلام القذافي في المقابلة ذاتها مع الجزيرة، إن "القضية تم التلاعب فيها من البداية. القضاء الليبي نزيه، والقضاة الليبيون قاموا بعمل جيد جدا نفتخر به. لكن القضية تم التلاعب بها منذ البداية من (قبل) أفراد الشرطة الذين قاموا بالتحقيق أول مرة".

الصفقة المعقدة

Bulgarian Foreign Minister Ivailo Kalfin (4th R) poses with Bulgarian medics convicted of infecting Libyan children with HIV, Snezhana Dimitrova (L), Valia Cherveniashka (2nd L), Valentina Siropoulo (3rd L), Christiana Valcheva (3rd R), Zdravko Georgiev (2nd R), Nasya Nenova (R) and Palestinian doctor Ashraf Alhajouj (3rd L back), after their meeting in Sofia August 2, 2007. The Bulgarian government agreed on Thursday to forgive $56.6 million in Soviet-era debt owed by Libya and said the money would instead be paid into an international fund to help Libyan HIV/AIDS victims. The announcement follows the release by Libya last week of the six medics. REUTERS/Stoyan Nenov (BULGARIA)
شملت صفقة الإفراح عن الممرضات تحويل 56.6 مليون دولار من قبل بلغاريا إلى ليبيا لصالح صندوق بنغازي (رويترز-أرشيف)
شملت صفقة الإفراح عن الممرضات تحويل 56.6 مليون دولار من قبل بلغاريا إلى ليبيا لصالح صندوق بنغازي (رويترز-أرشيف)

رواية الوسيط

لم تقتصر الكشوفات على إقرار سيف الإسلام بتعذيب الممرضات والطبيب وتلاعب المحققين الليبيين بالقضية، بل امتدت إلى بنود الصفقة المعقدة التي أفضت إلى إطلاق الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني، والتي حُفظت طي الكتمان. فقد كشف سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا مارك بيريني، الذي عيّن رئيسا لمجلس إدارة صندوق بنغازي الدولي، في كتابه المعنون "ثمن الحرية.. ليبيا خلف كواليس المفاوضات" عدة حقائق.

بخصوص بدايات انتشار الإيدز في ليبيا، قال بيريني في كتابه "إذا كانت كيفية انتشار فيروس الإيدز لم تتحدد في الماضي، فلدينا الآن أدلة علمية أتت بعد تحليل سلالة الفيروس الذي أصاب الأطفال في مستشفى ببنغازي، والتي تفيد بأنه بدأ قبل وصول الممرضات إلى هناك بفترة طويلة" (ص 15).

وتحدث بيريني عن مفاوضات شاقة استمرت إلى ما قبل صعود السجناء الستة إلى الطائرة الرئاسية الفرنسية بصحبة سيسيليا ساركوزي، وأفضت إلى موافقة القذافي على إطلاق سراحهم، مقابل توقيعهم على تعهد مكتوب بالعربية والإنجليزية بعدم ملاحقة الدولة الليبية قضائيا.

وقال بيريني "لا يوجد دبلوماسي في العالم يفتخر بمنع الحق في تحقيق العدالة، خصوصا من جانب شخص مسجون يعتقد أنه بريء. كان من الطبيعي أن ينظر السجناء إلى ذلك باعتباره تحقيرا، حتى إن إحدى الممرضات قارنت هذه اللحظة باللحظة التي أجبروها على الاعتراف بواسطة الضغط". ويضيف بيريني "للأسف الواقع المر هكذا: من دون تواقيع السجناء الستة، لا إمكانية لإطلاق سراحهم" (ص: 85).

تصميم كتاب بللغه البلغاريه Цената на свободата - Либия зад
غلاف كتاب بيريني (الجزيرة)

أما بالنسبة للمفاوضات مع الوفد الليبي لتعويض الضحايا التي سبقت سفر الممرضات والطبيب، فقال بيريني: "قدموا لي طلبا بقيمة 599 مليون دينار ليبي أي ما يوازي 461 مليون دولار أميركي، أبديت تحفظا قاطعا مستدلا بأن لدي قائمة مصدقا عليها تتضمن 453 اسما. ظهر عدم الارتياح على الموجودين. بدأ بحث محموم في الوثائق. اتصالات هاتفية، جاء كاتب عدل يرافقه رجل طويل (ربما كان حارسا) يخرج من حقيبته قائمة تشبه تماما القائمة الموجودة بحوزتي، بالغلاف ذاته والأختام ذاتها والتواقيع نفسها على كل صفحة، لكنها تنتهي إلى أن عدد الضحايا 460. حساباتنا اختلفت بمقدار مليون دولار. بعض الواقفين أوصلوا جبهتهم إلى الأرض وهم يحلفون الإيمان المغلظة. وآخرون غضبوا. في النهاية ذهب أحدهم واستدعى مسؤولا في منظمة القذافي ليشرح لي أنه في اللحظة الأخيرة من المباحثات، تم التوافق على إضافة 7 أشخاص للقائمة، مما يرفع عدد الضحايا إلى 460. وعلي أن أتوقع بأن هنالك مليون دولار ستدفع خلف الكواليس لشخص ما في ليبيا" (ص: 87-88 ).

وتطرق بيريني كذلك في كتابه إلى ما حصل لاحقا مع الأطفال الضحايا، فقال بوصفه رئيسا لصندوق بنغازي: "الأخبار التي تلقيتها من بنغازي خلال شهر سبتمبر/أيلول تثير الارتياح والقلق في الوقت ذاته. الفوائض المالية المتوفرة هنا اجتذبت كل الفرضيات المتوقعة؛ الدعارة، انتشار مخدرات، الأطفال (أصبحوا شبانا) يلحون على حصتهم من الأموال المخبأة. مراجعات العيادات الطبية انخفضت بصورة دراماتيكية، لعدة أسباب أهمها الثقة المفتقدة فيها. هذا الاتجاه المقلق يتطابق بحذافيره مع ما كنت قد حذرت منه خلال المفاوضات ضمن المجموعات الحكومية ومع أهالي الأطفال المصابين" (ص: 118).

تدوين ومحاكم

أما الممرضات الخمس فعرضت 3 منهن روايتهن لما شهدنه في ليبيا على مدى 2910 أيام في 3 كتب صدرت في باريس وصوفيا. أصدرت "لسنيجانا ديميتروفا" عام 2007 كتابا حمل عنوان "رهينة القذافي". ودونت "كريستيانا فلتشيفا" في العام ذاته قصتها تحت عنوان "8 سنوات رهينة لدى القذافي". وبعد عامين نشر كتاب بتوقيع "فاليا شرفينياشكا" حمل عنوان "سجلات الجحيم.. الأهوال في سجون ليبيا". وتطرقت فلتشيفا الممرضة التي قدمت إلى ليبيا عام 1991 بحثا عن فرصة عمل، إلى تدهور شروط الخدمة الصحية في المستشفيات الليبية التي عملت بها بدءا من عام 1995 جراء الحصار الغربي على خلفية تورط ليبيا في قضية تفجير طائرة بان أميركان فوق لوكربي (ص: 34).

تصميم لثلاثه كتب بللغه البلغاريه
3 كتب باللغه البلغاريه تضمنت روايات الممرضات عن سنوات سجنهن الثماني (الجزيرة)

لم يبق الطبيب الفلسطيني المتمرن أشرف الحجوج بدوره بمنأى عن السعي لتبرئة نفسه من التهمة التي غيّرت مسار حياته وحياة أسرته. فمن هولندا التي انتقل للعيش فيها واستقدم إليها أسرته، بدأ تحركا منفردا غير عابئ بالتعهد المكتوب الذي وقّعه بعدم ملاحقة الدولة الليبية. فقد أصدر في هولندا عام 2010 بدوره كتابا بعنوان "رهينة القذافي".

لكن الحجوج تجاوز زميلاته الخمس برفعه، أثناء حياة القذافي الأب، 4 قضايا في بلغاريا وفرنسا وهولندا ضد 12 ضباطا ليبيا كانوا قد عذبوه أثناء اعتقاله. من جهته، كرر النائب السابق لرئيس البحث الجنائي الليبي العميد المتقاعد جمعة المشري براءته من تهمة التعذيب في اتصال أجرته معه الجزيرة نت يوم 24 يونيو/حزيران 2023. وأبدى المشري استعداده للمثول أمام المحاكم الدولية للدفاع عن موقفه.

وكانت بلغاريا قد أغلقت القضية لعدم القدرة على الوصول إلى رجال الأمن الليبيين المتهمين بالتعذيب، لكن محكمة مدنية هولندية قبلت الدعوة، وحكمت يوم 27 مارس/آذار 2012 بتعويض الحجوج بمبلغ مليون يورو يدفعه له نظام العقيد معمر القذافي.

وقال الحجوج إنه تم استدعاؤه من قبل وزارات الخارجية البلغارية والهولندية، ونُصح بعدم رفع قضايا على الحكومة الليبية مخافة تعرض المواطنين الأوروبيين في ليبيا للخطر. وأضاف في مقابلة نشرت مع الجزيرة نت يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول 2011، "لم ولن أستمع إلى هذه النصائح، فما أريده يختلف تماما عما يريدونه من مصالح المال والأعمال".

وقبل ذلك كان الحجوج قد رفع في عام 2008 قضية أمام محكمة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عندما ترأستها ليبيا. وتداولت وكالات الأنباء العالمية في 20 أبريل/نيسان 2009 مقاطع مصورة لسفيرة ليبيا في جنيف ورئيسة لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة نجاة الحجاجي وهي تقاطعه مرتين أثناء مداخلته في المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب، لمنعه من الحديث عن تعرضه للتعذيب مع الممرضات البلغاريات الخمس خلال احتجازهم في بلدها.

Palestinian doctor Ashraf Alhajouj (R) crpand his parents attend a joint news conference of the Bulgarian medics convicted of infecting Libyan children with HIV, in Sofia, 25 July 2007. REUTERS/Nikolay Doychinov (BULGARIA)
أشرف الحجوج (يمين) انتقل وأسرته للإقامة في هولندا (رويترز-أرشيف)

وثائق ميديا بارت

في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2016 فجّر موقع "ميديا بارت" (Mediapart) الفرنسي مفاجأة من العيار الثقيل عند نشره معلومات منقولة من مذكرات أمين اللجنة الشعبية العامة الأسبق شكري غانم، عثر عليها بعد وفاته، تؤكد ضلوع بعض مسؤولي نظام القذافي في نقل الإيدز إلى أطفال بنغازي.

وكشف غانم أنه استقبل في 2007 محمد الخضار، عضو لجنة التحقيق التي شكلت في ليبيا وقررت الإفراج عن الممرضات البلغاريات، ونقل له الأخير أن رئيس الاستخبارات العسكرية عبد الله السنوسي روى، خلال استجوابه أمام لجنة التحقيق، أنه حصل مع، رئيس الاستخبارات الليبية وقتئذ موسى كوسا، على 31 زجاجة صغيرة تحوي الفيروس، مضيفا أن السنوسي وكوسا "حقنا الأطفال بها".

وقال -بعد يومين من إطلاق سراحه الممرضات- أيضا إن "عبد الله السنوسي بكى أثناء التحقيق مؤكدا إصابته بالسرطان"، وإن "البلغاريات بريئات".

شكري غانم / رئيس شركة النفط الوطنية الليبية
أوراق شكري غانم عثر عليها بعد موته عام 2012 (الجزيرة)

وبحسب نص الموقع الإخباري الفرنسي، قال غانم إن "السنوسي تعاون مع موسى كوسا في نقل الدم الملوث للانتقام من بنغازي". وأكد موقع "ميديا بارت" أن هذه المعلومات قد توجد أدلة لتوجيه اتهامات لأطراف أخرى، رغم وفاة صاحبها في ظروف مشبوهة في فيينا عام 2012. ويلمح الموقع إلى وفاة شكري غانم -آخر رئيس وزراء ليبيا في عهد القذافي- في ظروف غامضة في فيينا، التي لجأ إليها بعد سقوط نظام العقيد.

ومعلوم أن موسى كوسا يقيم حاليا في المنفى، أما عبد الله السنوسي فينتظر محاكمته في ليبيا بعد أن سلمته موريتانيا في سبتمبر/أيلول 2012 على أثر لجوئه إليها بعد إطاحة نظام القذافي.

ولم تتأكد صحة الرواية التي نشرها الموقع الفرنسي حتى اليوم بشكل رسمي. علما أن المعارضة الليبية كانت في فترة وقوع الحادثة تتهم بها مرارا نظام القذافي، وتقول إنه لجأ لارتكاب هذه الجريمة لكسب التعاطف الدولي في فترة الحصار التي كانت مفروضة عليه بسبب اتهامه بتفجير طائرة أميركية فوق قرية "لوكربي" الإسكتلندية نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي.

لكن معلومات "ميديا بارت" تقاطعت جزئيا مع ما ورد في كتاب فاليا شيرفينياشكا، إحدى الممرضات البلغاريات الخمس، إذ تقول: "خلال شهر مارس/آذار 2000 حضر إلى السفارة البلغارية في واشنطن شخص قدّم نفسه على أنه قريب للطبيب أشرف الحجوج. وقال إن الممرضات والطبيب تعرضوا للتعذيب وانتزعت منهم اعترافات بالقوة، وإن المحاكمة مفبركة للتغطية على المذنبين الأساسيين وهم مقربون من القيادة العليا في ليبيا" (ص: 97).

ونقل الموقع الفرنسي كذلك ردود الممرضات على المعلومات الجديدة. فقالت شرفينياشكا إنها "شعرت بالحرية بعد هذه الأنباء. لقد ظهرت الحقيقة بعد نحو 10 سنوات من الإفراج عنا". وقالت ممرضات أخريات إنهنّ سيطالبن بتعويض. وعلقت فالنتينا سيروبولو قائلة "هذا أمر يصعب تصوره، إنه مثل فيلم رعب"، متسائلة "هل تعرفون الآن الوحوش الذين كنا تحت إمرتهم طوال 8 سنوات ونصف السنة؟".

في إجابته على سؤال: لماذا تم اختيارك واختيار البلغاريات دون غيرهم؟ قال الحجوج للجزيرة نت في مقابلة سابقة: "كنت كبش الفداء المناسب لكون قدري أن أكون لاجئا فلسطينيا، لا أملك دولة تحميني". ويضيف أما اختيار البلغاريات فسببه "أن بلغاريا دولة شرق أوروبية خرجت من الشيوعية، ولم تكن عضوا بالاتحاد الأوروبي، ولا في حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO) فجميعنا لا يساوي في المحصلة شيئا".

فريق العمل 

إعداد وتحرير : محمد العلي، عمرو فتح الله

فيديو  : قسم الوسائط

المصدر : الجزيرة