إلهام توهتي.. قمع صوت الإيغور المسالم

الأكاديمي الاقتصادي توهتي تعرض للاضطهاد بسبب دعواته السلمية لمنح شعبه الإيغوري حقوقهم السياسية والاجتماعية- أسوشيتدبرس
الأكاديمي الاقتصادي توهتي تعرض للاضطهاد بسبب دعواته السلمية لمنح شعبه الإيغوري حقوقهم السياسية والاجتماعية (أسوشيتدبرس)

رافع أبو رحمة – أورومتشي

إلهام توهتي ولد يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 1969 في إقليم شنغيانغ ذاتي الحكم لوالدين ينتميان لقومية الإيغور المسلمة، عمل أستاذاً للاقتصاد في جامعة القوميات المركزية ببكين، وعُرف بأبحاثه حول العلاقات بين قومية الإيغور وقومية الهان، أكبر قوميتين في شنغيانغ.

عرف عنه دفاعه القوي عن تنفيذ قوانين الحكم الذاتي الإقليمي في الصين. مع نهايات العام الماضي شغل الرأي العام الصيني والعالمي بقضيته، فوصفه البعض بأنه مانديلا الصين، ووصفه آخرون بأنه انفصالي خائن، بينما حار آخرون في انتمائه بين نزعاته الإصلاحية وعصبيته العرقية وديانته الإسلامية، فقالوا إنه من الشخصيات المعتدلة المطالبة باحترام الخصوصية الثقافية والدينية للأقليات القومية.

بدأت قصة هذا الرجل مع تأسيسه موقع "إيغور أونلاين" على شبكة الإنترنت المهتم بالقضايا الاجتماعية الصينية بشكل عام وقضايا قومية الإيغور بشكل خاص، فشرع في نشر مقالات حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تطال أبناء قومية الإيغور، تبعتها مقالات تنتقد سياسات الحزب الشيوعي الحاكم، ليشكّل هذا الموقع فيما بعد مربع صدامه الأول مع الجهات الحكومية المحلية والمركزية التي تعاملت مع هذا الملف بشكل طارئ وإجراءات عاجلة مؤسسة على دوافع احترازية وأخرى رادعة على المستويين الفردي والجماعي.

وقفة تضامنية مع إلهام توهتي في واشنطن بعد الحكم عليه السجن المؤبد (غيتي)
وقفة تضامنية مع إلهام توهتي في واشنطن بعد الحكم عليه السجن المؤبد (غيتي)

وشملت تلك الإجراءات إغلاق الموقع الإلكتروني في مناسبتين، واعتقال إلهام توهتي والتحقيق معه عدة مرات، وفرض الإقامة الجبرية عليه، وكان آخرها في سبتمبر/أيلول 2014 بعد سلسلة من المظاهرات وأعمال العنف حولت إقليم شنغيانغ إلى مكان مضطرب استدعت حالته الإعلان عن "خطة إستراتيجية كبرى" للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في الإقليم.

وتضمنت لائحة الادعاء التي قُدمت بحق إلهام توهتي اتهامه بنشر استطلاع رأي زائف أظهر أن 12% من الإيغور يفضلون الانفصال عن الصين، ووصفه للسياسات الحكومية المتمثلة في إعادة التوزيع الديمغرافي لأبناء القوميات "بالإقصاء الممنهج" للإيغور من المنافع الاقتصادية في إقليم شنغيانغ، وسعيه لتكريس وتعزيز استخدامات اللغة الإيغورية التركمانية.

وقدمت النيابة دليلاً هو عبارة عن تسجيل مصور لإحدى محاضرات توهتي في الجامعة، قال فيها إن شنغيانغ تنتمي للإيغور لا للأغلبية العظمى من قومية الهان. وانتهى به المطاف في السجن تنفيذاً لحكم محكمة أورومتشي عاصمة إقليم شنغيانغ الصيني بالسجن مدى الحياة بتهمة تأييد الانفصال، وأنه قيادي في "منظمة انفصالية إجرامية"، وقد صادقت محكمة الاستئناف على هذا الحكم في نوفمبر/تشرين ثاني 2014.

من المنصات الأكاديمية إلى غياهب السجون، تحوّل مادي ومعنوي قد يكون له أثره الكبير في حياة أسرة إلهام توهتي، وهذا ما دفعنا للتواصل عبر برنامج التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مع ابنته جوهر المقيمة في الولايات المتحدة، وسألناها عن الكيفية التي تستقبل بها التساؤلات حول مصير والدها وكيف تجيب عليها؟ فقالت "لي زميلة صينية تعتقد أنني شجاعة جداً، وأنها لو كانت مكاني فلن تخبر الآخرين بموضوع الحكم بالسجن على والدها، ولعلها قصدت أنه لو كان والدها في السجن لشعرت بالخجل والحرج، بينما أعتقد أن فكرتها سخيفة جداً، فبالنسبة لي لن يكون وجود أبي في السجن عارا، فأنا أعرف أنه حكم عليه بالسجن بسبب تعبيره عن رأيه الشخصي ونيابة عن قوميته ومطالبته بالمساواة، وليس بسبب ارتكابه جريمة.. أعتقد أن ما فعله مدعاة للفخر في كل مكان وأتشرف بأبي، وأؤكد أن أبي ليس إرهابياً، وهو لم ولن يدعو إلى العنف وتقسيم الوطن، فهو بريء".

زوجة إلهام توهتي تبكي بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد بسبب نشاطه السياسي السلمي (أسوشيتد برس)
زوجة إلهام توهتي تبكي بعد الحكم عليه بالسجن المؤبد بسبب نشاطه السياسي السلمي (أسوشيتد برس)

وبمرور ما يقارب العام على تثبيت الحكم بالسجن مدى الحياة على إلهام توهتي، شهد العالم بأسره احتفالات الصين بالذكرى الـ70 للانتصار في الحرب العالمية الثانية، وكان أهم ما ميّز تلك الاحتفالات على الصعيد المحلي صدور مرسوم عفو عام من الرئيس الصيني شي جين بينغ إكراماً لتلك الذكرى.

وللتعرف على مدى استحقاق إلهام توهتي لهذا العفو، اتصلت مجلة "الجزيرة" بأحد محاميه وسألته عما إذا شمل هذا العفو السيد إلهام؟ وإذا لم يشمله فما هي المدة المتوقعة لبقائه في السجن؟ فأجاب المحامي ليو شياو يوان بأن "حكم إلهام توهتي هو السجن مدى الحياة، وبحسب القوانين الصينية فإن تخفيض مدة الحكم من السجن مدى الحياة إلى السجن المحدود بسنوات معدودة يمكن تطبيقه، ولكن بعد مرور عامين على دخول الحكم حيز التنفيذ".

يرى البعض أن الحكم على إلهام توهتي هو الأكثر قسوة فيما يتعلق بالخطاب السياسي غير القانوني في الصين على مدى السنوات القليلة الماضية، بينما يعتقد آخرون أن الدستور الصيني ينص على عقوبة الإعدام على تهم من قبيل الدعوة للانفصال، والإرهاب، والتطرف… لنقف مع نهاية القضية أمام حقيقة لها وجهان: هاجس أمني كضرورة صينية ملحّة مع صعودها الاقتصادي وتعاظم ثقلها الدولي، ورسالة مباشرة لكبح العنف المتصاعد في شنغيانغ، وأنه لم يعد هناك مكان لمعارض وإن كان معتدلاً.

المصدر : الجزيرة