بكين تطمس معالم أورومتشي الدينية والثقافية

محل لبيع القبعات التقليدية لدى قومية الإيغور في تركستان الشرقية
محل لبيع القبعات التقليدية لدى قومية الإيغور في تركستان الشرقية (الجزيرة)

علي أبو مريحيل – أورومتشي

يخيل لك حين تطأ قدماك أرض العاصمة الإدارية لإقليم تركستان الشرقية أورومتشي أنك في دولة أوروبية شيدت على الطراز الحديث بأبنيتها الشاهقة، وشوارعها الواسعة، وجسورها المعلقة لولا وجوه المارة وواجهات المحال التجارية، وبعض اللافتات المكتوبة باللغة المحلية ذات الحروف عربية الشكل.

إنه المد العمراني الذي تسعى من خلاله السلطات الصينية إلى طمس المزيد من المعالم الدينية والثقافية في مدينة أورومتشي، وذلك في إطار سياسة الإقصاء التي تنتهجها الدولة في التعامل مع قومية الإيغور المسلمة.

ترى الصين في بروز الطابع الديني للمدينة تهديدا لأمنها القومي لما يحمله من تأكيد وتثبيت لهوية الإيغور الذين تحركهم نوازع انفصالية، لذلك تعمل على طمس كافة المظاهر الإسلامية لديهم تمهيدا لإذابتهم في بوتقة المجتمع الصيني.

لا يزال الحرف العربي مستعملا في اللغة المحلية للإيغور سكان إقليم شينغيانغ (الجزيرة)
لا يزال الحرف العربي مستعملا في اللغة المحلية للإيغور سكان إقليم شينغيانغ (الجزيرة)

وهذا ما يفسر الانتشار الكبير للمحال التي تباع فيها الخمور، وأماكن اللهو والنوادي الليلية التي يديرها أبناء قومية الهان الذين يسيطرون بفضل الدعم الكبير الذي يحظون به من الحكومة على كافة القطاعات الاقتصادية في المدينة.

وأثناء تجولي في سوق أورومتشي المركزي أثارت انتباهي مجموعة من الصور الإباحية لإعلانات تجارية لا علاقة لها بالمنتجات التي تباع في المحال التي علقت على واجهاتها تلك الصور، وهو ما يؤكد المخطط الصيني الرامي لإفساد جيل الشباب من قومية الإيغور.

كما وتظهر أيضا عمليات الهدم الممنهجة التي تستهدف المساجد والمنازل القديمة بحجة إعادة الترميم والتطوير والتنمية، ووفق شهادة الشيخ يوسف -اسم مستعار- إمام أحد المساجد التي تم هدمها قبل شهرين بالحجة نفسها فإن السلطات الصينية قامت منذ مطلع العام الجاري بهدم أكثر من 35 مسجدا في المدينة وتسريح نحو خمسين إماما، وحين سألته عن مصير الأئمة بعد تسريحهم، وإن كانوا يحصلون على تعويض من الحكومة أجاب أن عدم المساس بهم أو التعرض لهم هو أكبر تعويض يمكن أن يحصلوا عليه، لأنهم يخضعون جميعا للمساءلة القانونية والملاحقة الأمنية ما لم يقدموا فروض الولاء والطاعة للسلطة الحاكمة.

يتمسك الإيغوريون بهويتهم الإسلامية رغم محاولات طمسها من النظام في بكين (الجزيرة)
يتمسك الإيغوريون بهويتهم الإسلامية رغم محاولات طمسها من النظام في بكين (الجزيرة)

وأضاف الشيخ يوسف أن العديد من المساجد يتم استخدامها ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة ومراكز تحقيق واعتقال من قبل أفراد قوات الأمن الصينية، لذلك بات الكثير من المسلمين في المدينة يفضلون الصلاة في منازلهم لكي لا يتم ابتزازهم أو اعتقالهم على غرار ما حدث لعشرات الآلاف من الشباب الذين اعتقلوا فقط لمجرد ذهابهم إلى المسجد لأداء فريضة الصلاة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى منع تداول المصاحف في المدينة، والكتب والدوريات الإسلامية، ومنع استخدام مكبرات الصوت لرفع الأذان بحجة إزعاج العامة، ومنع تطبيق الأحكام الشرعية في تنظيم الأحوال الشخصية التي تتعلق بالزواج والطلاق والميراث، بالإضافة إلى منع استخدام اللغة المحلية في الخطابات الرسمية، وإخضاع المؤسسات التربوية للمناهج التعليمية الصينية.

صناعات تقليدية في أورومتشي للمحافظة على الثقافة الإيغورية في مواجهة حملات التأثير الصينية (الجزيرة)
صناعات تقليدية في أورومتشي للمحافظة على الثقافة الإيغورية في مواجهة حملات التأثير الصينية (الجزيرة)

هذه القوانين الصارمة تم تعميمها على أئمة المساجد ومديري المدارس والوجهاء، وقد حصلت السلطات الصينية على تعهدات خطية مشددة من معظم الشخصيات المؤثرة في المجتمع الإيغوري تقر بالالتزام التام بتعليمات الحكومة، وتشير إلى أن كل من يخالفها سيعرض نفسه للمساءلة القانونية.

وأثناء متابعتي ثلاثة عروض فنية قدمتها مجموعة من الطلبة على مسرح المدينة، وعلى الرغم من أن إحدى الفرق كانت تحمل اسما إيغوريا كما أن كافة الفقرات التي قامت بتقديمها من التراث الإيغوري فإن أعضاء الفرقة كانوا جميعا من أبناء قومية الهان الصينية غير المسلمة، وقد لفت نظري أن الفرقة لا تتقيد بالملابس التقليدية لقومية الإيغور وهي ملابس محتشمة لا تظهر سوى الوجه والكفين، بل على العكس من ذلك ترتدي ملابس فاضحة تكشف أكثر مما تستر، ومثل هذه الفرق يتم إرسالها عادة للمشاركة في المهرجانات الدولية تحت عنوان "فرقة التراث الفني الإيغوري".

المصدر : الجزيرة