"بالستينو".. طيف فلسطين في تشيلي

علم فلسطين يرفرف في تشيلي منذ قرابة مئة عام بعد تأسيس نادي فلسطين )
علم فلسطين يرفرف في تشيلي منذ قرابة مئة عام بعد تأسيس نادي فلسطين (الجزيرة)

أنتونيو سونفيغوس –  تشيلي

شهدت أعداد الجالية العربية في أميركا اللاتينية ارتفاعا مطردا خلال القرن العشرين حتى وصلت إلى مئات الآلاف، وذلك نتيجة الهجرة المتزايدة إلى تلك البقعة من العالم.

ففي تشيلي، يشكل الفلسطينيون أكبر جالية خارج الضفة الغربية وغزة وخارج الدول العربية، حيث يبلغ تعدادهم أربعمئة ألف. وتقول الإحصاءات أن نصفهم قد هاجروا لتشيلي بين الأعوام ١٩٠٠ و ١٩٣٠.

ولا تنحصر ترجمة ذلك الحضور الفلسطيني والعربي من خلال الوجود الملحوظ للمطاعم والطعام العربي فحسب، بل تمتد لتصل إلى التأثير والحضور الثقافي من خلال وجود الجوامع وانتشار الأسماء العربية في الحياة العامة وخاصة النوادي الرياضية.

وكان الحضور الأكثر تأثيرا وتمثيلا للفلسطينيين من خلال ناد لكرة القدم أثبت حضوره في بيئة تنافسية شرسة وهو نادي "بالستينو" أي الفلسطيني. وبحسب رئيس النادي فيرناندو أغواد فإن النادي أسس في وقت مبكر من القرن الماضي.

واحدة من المباريات التي لعب فيها فريق فلسطين في تشيلي (الجزيرة)
واحدة من المباريات التي لعب فيها فريق فلسطين في تشيلي (الجزيرة)

يقول أغواد "يعود الأمر للمهاجرين الأوائل الذين أرادوا المحافظة على جذورهم وأسسوا نادي بالستينو الرياضي في ٢٠ أغسطس/آب ١٩٢٠ في مدينة أوسورنو. فالجالية الفلسطينية في تشيلي كبيرة، وكان لهم ارتباط قوي ببلادهم بشكل دائم، وهذا النادي يعتبر تمثيلا لذلك الارتباط بالبلاد التي لم نرد أن نتركها أبدا، بل واصلنا ارتباطنا بها عبر السنين".

وجاءت تصريحات أغواد في مقابلة حصرية مع مجلة الجزيرة بعد انتصار كبير للنادي العربي -كما يعرف في الصحافة في الدوري التشيلي- وضعه في المركز الثاني. تتمثل أهمية هذه الروابط في إعطاء المهاجرين شعورا بأنهم في وطنهم، كما تعزز وجودهم وتمثيلهم في الحياة العامة.

هكذا وبالتدريج وفي مواجهة الرفض الغربي للدولة الفلسطينية، برز هذا الفريق الرياضي كرمز للقضية الفلسطينية على الصعيدين السياسي والإنساني، حيث يمثل الفلسطينيون الذين تنكرت الهيمنة الغربية لحقوقهم.

ومن إحدى الرموز لتلك العلاقة الرفيعة كتابة الرقم واحد على قمصان الفريق على شكل خارطة فلسطين التاريخية، بينما في الوقت نفسه سجل الفريق انتصارات متميزة حيث شارك في كوبا أو كأس ليبرتادوريس (بطولة دولية لفرق أميركا اللاتينية) لأول مرة في ٣٣ عاما. كما وصل إلى نهائيات كوبا تشيلي وحل في المركز الرابع عام ٢٠١٤.

استبدل مشجعو نادي فلسطين الرقم واحد بخارطة فلسطين التاريخية (الجزيرة)
استبدل مشجعو نادي فلسطين الرقم واحد بخارطة فلسطين التاريخية (الجزيرة)

وقد اعتبرت الجالية الفلسطينية انتصارات النادي على أنها انتصارات لها، وقال أغواد "لقد شهدنا أوقاتا سعيدة العام الماضي، حيث أدرجنا في كأس ليبرتادوريس وعرضنا الألوان الفلسطينية خارج حدود تشيلي وكانت تلك تجربة مهمة لنا ومثيرة في الوقت ذاته".

ويكمل حديثه بالقول "في الحقيقة كانت تجربة في غاية المتعة للجالية في تشيلي وللشعب الفلسطيني الذي شاهد الجميع هناك".

وقد لاقت نجاحات النادي صدى في الإعلام المحلي والدولي، وصرح مستشار الاتصالات للدولة الفلسطينية خافيير أبو عيد لصحيفة تشيلية قائلا "لقد كان هناك اهتمام دائم بالنادي، ورغم صعوبة متابعة نشاطات النادي إلا أن المهتمين بكرة القدم كانوا على تواصل دائم مع تلك النشاطات عبر الإنترنت".

وقد اكتسبت مكانة نادي بالستينو أهمية متميزة لأنه النادي الوحيد في نوادي الدرجة الأولى في العالم الذي يحمل ألوان الدولة الفلسطينية والعلم الفلسطيني، علاوة على رقيه وقدرته التنافسية المرموقة.
لم يكن من السهل عدم ملاحظة النجاحات التي حققها النادي في أواخر عام ٢٠١٤ و ٢٠١٥ لدرجة أن صحيفة غارديان البريطانية قد خصصت للنادي مقالا مطولا أبرز ارتباط النادي بالجالية العربية والفلسطينية.

نادي فلسطين أو بالستينو بات من نوادي الدرجة الأولى في كرة القدم بتشيلي (الجزيرة)
نادي فلسطين أو بالستينو بات من نوادي الدرجة الأولى في كرة القدم بتشيلي (الجزيرة)

وأبرز مقال غارديان كذلك كيف نجحت كرة القدم في إعطاء المهاجرين الفلسطينيين مكانة أفضل في البلاد، بعد أن كانوا يعتبرون "مواطنين درجة ثانية" في تشيلي مقارنة بالبريطانيين والألمان والفرنسيين الذين يعتبرون من الطبقة الأرستقراطية في البلاد.

وهكذا شق الفلسطينيون طريقهم نحو الطبقة الوسطى في البلاد، واليوم بعض العائلات الفلسطينية تعتبر من الأغنى في البلاد.

إن نشر غارديان مقالة عن نادي بالستينو لم تظهر للعالم التزام النادي السياسي فحسب، بل أظهرت أيضا الوفاء للقضية الفلسطينية في أميركا اللاتينية وفي تشيلي على وجه الخصوص.

وقد شهدت تشيلي أواسط عام ٢٠١٤ مظاهرات حاشدة تأييدا للدولة الفلسطينية وللمطالبة بوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة.

تاريخيا، لا يعتبر النادي من النوادي التي تتمتع بتأييد جماهيري واسع، إلا أن التزامه بالقضية الفلسطينية ووفاءه لها ساهم في ارتفاع شعبيته بشكل ملفت، وقد ترجم ذلك على الأرض في المباريات المؤهلة لكأس ليبرتادوريس حيث حضرها أكثر من عشرين ألف مشجع.

رئيس نادي بالستينو فيرناندو أغواد (الجزيرة)
رئيس نادي بالستينو فيرناندو أغواد (الجزيرة)

ويصف رئيس النادي العلاقة مع فلسطين بأنها في أفضل صورها ويقول "هناك الكثير من الروابط بين بالستينو وفلسطين حيث يتابع الفلسطينيون نشاطات النادي ونحن على اتصال دائم بهم. كما أن لدينا ممثلا هناك، وقد بدأنا في التفكير بتبادل الخبرات واحتمال استقدام لاعبين من فلسطين وربما مدربين لترويج كرة القدم هناك في فلسطين".

وربما يكون برنامج للتبادل الرياضي هو الأمر الوحيد المفقود في العلاقة بين النادي وفلسطين، حيث وعلاوة على الرابطة الرياضية والثقافية القوية، فإن بنك فلسطين هو أحد رعاة النادي، وقد ضمن دعم النادي للعشرين سنة القادمة. ويقول رئيس بنك فلسطين هاشم الشوا "الأمر ليس صفقة بالنسبة لنا، بل هو لدعم الهوية".

اليوم لا يفصلنا على العيد المئوي لتأسيس النادي سوى خمس سنين، ولذلك فإنه من المهم بمكان وأكثر من أي وقت مضى إبراز الموقف الاجتماعي والسياسي للنادي.

يقول أغواد "لقد شعرنا دائما بأننا نمثل الشعب الفلسطيني. ما يقوله العالم وموقف الأمم المتحدة وأي رأي آخر هو أمر لا يعنينا. سنظل دائما نمثل الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني".

لقد أوضحت كلمات أغواد وبشكل حاسم أن بالستينو كان وسيظل دائما، فلسطين.

المصدر : الجزيرة