التوابل الحارة سيدة المائدة الهندية

قطاع واسع من الهنود يعملون في تصنيع التوابل والفلفل
قطاع واسع من الهنود يعملون في تصنيع التوابل والفلفل (غيتي)

محمود العدم – نيودلهي

لا تكاد تخلو مدينة أو قرية في الهند من سوق خاصة ببيع التوابل والبهارات التي تعتبر من أكثر المواد الغذائية انتشارا في البلاد، حتى إنه يقال إن اسم بهارات هو مشتق من اسم الهند القديم بهارت. كما أن أسعار التوابل ومقدارها كان يعد في أزمان مضت مؤشرا على نمو أو تراجع الاقتصاد في البلاد.

وتتوارث الأسر الهندية المتخصصة في بيع التوابل هذه المهنة جيلا بعد جيل، فمن السهل أن تجد محلات لبيع البهارات في أسواق الهند مرّ على إنشائها مئات الأعوام.

وبحسب مجلس البهارات الدولي توجد في الهند ثالث أكبر سوق للبهارات في العالم بقيمة تقترب من أربعة مليارات دولار، وهي تنتج نصف بهارات العالم، وتصدر أكثر من ستين نوعاً رئيساً ومُختلفاً من التوابل، إلى نحو 213 بلداً في العالم وفقا لمجلس البهارات الهندي.

وتنتج الهند ما يقرب من 2.7 مليون طن من مختلف أنواع التوابل سنويا، لكنها تستخدم محليا 90% من الكمية التي تزرعها وتصدر فقط الـ10% الباقية، وأهمها الفلفل الأسود والهيل والقرفة والكركم والبهارات الحارة والتوابل الحبوب مثل الكمون والكزبرة.

ورغم ارتفاع أسعار البهارات والتوابل في سياق ارتفاع أسعار الغذاء عالميا إلى أعلى مستوياتها منذ الأزمة الغذائية في عام 2008، إلا أن الإقبال على البهارات محليا في ازدياد. وورد في تقرير صحفي أنه مع تزايد دخول المواطنين فإن إنفاقهم على الكماليات الغذائية كالحلويات والوجبات السريعة تزايد، وهو ما يعني التوسع في استخدام البهارات.

بسطات صغير لبيع التوابل في الأسواق الصغيرة (الجزيرة)
بسطات صغير لبيع التوابل في الأسواق الصغيرة (الجزيرة)

طريق التوابل
وورد في كتاب "التجارة والتجار في الأندلس" لأوليفيا ريمي كونستيل أن القوافل كانت تحمل التوابل عبر الصين والهند إلى موانئ البحر المتوسط أو الخليج العربي، ومنها إلى أسواق أثينا وروما وغيرهما من المدن، حيث كانت تباع بأثمان باهظة.

وتشير السجلات التاريخية إلى أنه في عام 80 قبل الميلاد، عندما أصبحت مدينة الإسكندرية من أكثر المراكز التجارية ازدحاما في الأرض، كانت أسواقها تبيع التوابل الهندية في طريقها إلى أسواق الإمبراطوريتين الإغريقية والرومانية.

وقد أعلنت إدارة الآثار الهندية عن العثور على مائة ألف عملة رومانية في دلتا نهر كوفري، في جنوب الهند على طريق التوابل التاريخي القديم.

زراعة ورود الزعفران في إقليم كشمير الهندي إحدى أهم محاصيل التوابل الهندية (غيتي إيميجز)
زراعة ورود الزعفران في إقليم كشمير الهندي إحدى أهم محاصيل التوابل الهندية (غيتي إيميجز)

وفي كتابه "التوابل.. التاريخ الكوني" يشير مؤلفه فريد كازارا إلى أن تجارة التوابل أسست لأول عصر عالمي في التاريخ القديم، مبشرة بعولمة اقتصادية، حيث كانت الأحداث التي تقع في إحدى مناطق العالم تؤثر إلى حد كبير على الشعوب والأحداث في قارة أخرى بعيدة.

ويضيف أن التوابل قد غيّرت إلى الأبد عادات الأكل لدى الشعوب التي اكتشفت تجارب جديدة في عالم الطهي، نتيجة لتلك التجارة التي غيرت بدورها طرق إعداد الطعام وتناوله وتقديره.

وكانت بعض التوابل تستعمل في المقايضة، ويقال إن الفلفل كان جزءا من الفدية التي كانت تدفع لفك أسر المحاربين أو لرفع الحصار عن المدن.

نساء تاميليات في مهرجان للطبخ التقليدي حيث يعتمد على التوابل بشكل كبير (الأوروبية)
نساء تاميليات في مهرجان للطبخ التقليدي حيث يعتمد على التوابل بشكل كبير (الأوروبية)

الملك المتوج
ويعتبر الفلفل في الهند "ملك التوابل" وهو من أوفرها وأكثرها استخداما، وتربط مجموعة من "قرون" الفلفل مع حبة ليمون لاستخدامها كتعويذة لحماية الأطفال والممتلكات، وتوضع في البيوت والمعابد والأمتعة الثمينة.

وبسبب الاختلافات المناخية الكبيرة في الهند من منطقة إلى أخرى، حيث تتراوح درجات الحرارة ما بين 0 و45 درجة مئوية، فإن هذا يوفر بيئة مناسبة لنمو كل التوابل في هذا البلد.

ويستخدم المطبخ الهندي التوابل بعدة طرق، مطحونة أو كاملة محمرة أو محمصة، جافة أو على شكل عجينة، في نهاية الطهي أو في بدايته، ووحدها أو ممزوجة بمواد أخرى. ويختلف أسلوب الطهي وبالتالي استخدام التوابل في مناطق الهند المختلفة.

وإضافة للنكهة والمتعة التي تضفيها التوابل على الغذاء والمشروبات، فإن لكل منها فوائد صحية كثيرة، سواء كانت نباتات أو قطعا من الأشجار، أو البذور والجذور والبراعم واللحاء. ومن هذه الفوائد قتل البكتيريا في بعض الأطعمة وتخفيف آلام المفاصل، كما تحتوي بعضها على مواد مضادة للأكسدة وبالتالي تحمي الجسم من أمراض السرطان.

المصدر : الجزيرة