الحصاد المر: الإخوان المسلمون في ستين عاما

عرض/ إبراهيم غرايبة
هذا الكتاب جعلته أحداث سبتمبر/أيلول من الكتب المهمة التي يجب الرجوع إليها للتعرف على أيمن الظواهري وجماعة الجهاد التي يقودها ومنهجها في التفكير، ويعرض الكتاب الرأي المعاكس لما ورد في كتاب الشيخ محمد مهدي شمس "فقه العنف المسلح في الإسلام" الذي عرض في الأسبوع الماضي في هذا المحور.



undefined-اسم الكتاب: الحصاد المر: الإخوان المسلمون في ستين عاما
–المؤلف:أيمن الظواهري
-عدد الصفحات:226
-الطبعة و
الناشر: مجهولان

ويقدم كتاب الظواهري هذا بوضوح وتفصيل وكأنه مقرر دراسي أو كتاب تعليمي مواقع الاختلاف بين جماعة الجهاد وجماعة الإخوان المسلمين أو مواطن الخلل والانحراف لدى الإخوان برأي الظواهري، فهو يصلح أيضا لدعاة الاعتدال والإصلاح الذين يعتقدون أن ثمة فرقا أساسيا وكبيرا بين الإخوان والجماعات الإسلامية التي تؤمن بالعنف المسلح وتستخدمه وأن ثمة فروقا كبيرة بين الحركات الإسلامية المختلفة وأن العلاقة بينها كانت ظرفية ولم تكن موضوعية.


وقد جمع المؤلف مئات الأمثلة والحالات على مدى تاريخ الإخوان المسلمين منذ نشأة جماعتهم في العشرينات وحتى أواخر التسعينات.

الانحراف لدى الإخوان
يحدد المؤلف أيمن الظواهري مواقع الاختلاف بين الإخوان وجماعة الجهاد أو كما يعتبرها هو مواطن الخلل والانحراف لدى الإخوان في مفهوم الحكم والحاكمية والموقف من الحكومات والأنظمة السياسية القائمة في العالم الإسلامي، والديمقراطية والتعامل مع الانتخابات النيابية والمنافسة السلمية على تداول السلطة والمشاركة فيها وفق قواعد الأنظمة الديمقراطية ومبادئها، والحكام والأحزاب والمنظمات السياسية التي لا تعد إسلامية كالعلمانية والليبرالية والقومية والوطنية وغيرها من الاتجاهات والأفكار القائمة في العالم الإسلامي.


مسائل الحكم بغير ما أنزل الله، والديمقراطية والموالاة والمعاداة ليست من مسائل الفروع التي يسوغ فيها الاختلاف الفقهي، بل إنها من أصول الإيمان، بل إنها متعلقة بأصل أصول الإيمان وهو عقيدة التوحيد

ويعرض جولة مضنية وطويلة من الأمثلة والشواهد من أقوال الإخوان وممارساتهم التي هي كما يقول الظواهري جزء قليل من ركام هائل، وهي أمثلة على تأييد الإخوان للحكام في مصر، ومواقفهم المؤيدة للدستور والديمقراطية ورفضهم العنف وقبولهم بالأحزاب العلمانية وغير الإسلامية، وقبولهم ومشاركتهم في عمليات تداول السلطة والتنافس عليها سلميا، وقبولهم بالقوانين والأنظمة والتشريعات القائمة في مصر والعالم الإسلامي.

وهي أمثلة تصلح لمخالفي الظواهري والجهاد، ولعله في جهده الكبير قدم خدمة مرجعية مهمة تجعل ملاحظة واختبار الطابع الإصلاحي المعتدل لدى الإخوان المسلمين والتيار العام الغالب في الحركة الإسلامية هو الأصل المتبع.

الحكم بين النص والاجتهاد
يعتقد المؤلف -وهذا رأي جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر والجماعات والحركات المشابهة في أنحاء العالم الإسلامي- أن مسائل الحكم بغير ما أنزل الله، والديمقراطية والموالاة والمعاداة ليست من مسائل الفروع التي يسوغ فيها الاختلاف الفقهي، بل إنها من أصول الإيمان، بل إنها متعلقة بأصل أصول الإيمان وهو عقيدة التوحيد.

وأما الحكم فإما أن يكون بما أنزل الله فيصدق الفعل قول لا إله إلا الله وإما أن يكون بغير ما أنزل الله فيكون من يفعل ذلك قد اتخذ آلهة أخرى من دون الله، إذ الحكم لله وحده، لقوله تعالى "إن الحكم إلا لله" وقوله "ولا يشرك في حكمه أحدا"
ولا يوضح الظواهري المعنى المحدد المقصود بالحكم في اللغة والاصطلاح واحتمالات معانيه وأحكامه الكثيرة المختلفة جدا عن بعضها، فالحكم يشمل العلم والقيادة السياسية والإدارية والقضاء والتشريع.

والقضايا والمفاهيم التي قد يعنيها الحكم كثيرة جدا معظمها ليس مما ينظر إليه على أنه حكم بما أنزل الله أو بغير ما أنزل الله، كبعض تشريعات التجارة والاقتصاد والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية وما ينظم حياة الناس وشؤونهم كقوانين المرور والشحن على سبيل المثال.


القضايا والمفاهيم التي قد يعنيها الحكم كثيرة جدا معظمها ليس مما ينظر إليه على أنه حكم بما أنزل الله أو بغير ما أنزل الله، كالكثير من تشريعات التجارة والاقتصاد والعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية وما ينظم حياة الناس وشؤونهم كقوانين المرور والشحن على سبيل المثال

ثم وكيف وبأي فهم أو لغة أو حق يجب أن ينصرف فقط معنى الحكم في قوله تعالى "إن الحكم إلا لله" إلى الحكم والدول بمعناها العصري الذي تشكل مع قيام الدولة الحديثة أو بمعنى قيادة الدول فقط؟ فهل الحكم هونفسه في الآيات المتعددة من القرآن الكريم؟ مثل "ربي هب لي حكما وألحقني بالصالحين" أو "فلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما" فهل الحكم الذي وهبه الله ليوسف والأنبياء أو الحكم الذي يعني قيادة دولة أو قبيلة أو محكمة أو مؤسسة أو ولاية هو الذي اختص الله به نفسه دون غيره في قوله "ولا يشرك في حكمه أحدا" أو "إن الحكم إلا لله" وكذا السؤال في قوله "ماكان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة" أو قوله "وكذلك أنزلناه حكما عربيا" و "أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة" و"ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما" وإذا كان الحكم المقصود بقوله تعالى "إن الحكم إلا لله" يعني كل حكم أو ملك فهو مما لايجوز أن يكون لغير الله حتى لو كان حكما بما أنزل الله ولا يجوز لبشر أي حكم.

وهل يكون كل حكم بغير ما أنزل الله يتساوى في الكفر والخطأ إن كان مثلا خطأ في القضاء كما في قصة داود وسليمان "إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما" فثمة حكمان حكم سليمان وداود فهل كان حكم داود بغير ما أنزل الله وإذا كان كذلك فهل هو كفر ينطبق علية قوله تعالى "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وكذلك الأمر في تصحيح ورقة امتحان أو حكم قضائي أو في احتساب هدف في مباراة كرة قدم أو في الاقتصاد والخلاف والقرارات اليومية كبيرها وصغيرها.

الإخوان والديمقراطية
وأما الديمقراطية فيكيفها الظواهري كما يلي: إما أن يكون التشريع لله وحده وإليه سبحانه الرد عند التنازع فيصدق الفعل قول لا إله إلا الله، وإما أن يعطى حق التشريع لغير الله للشعب ونوابه ويكون الرد إليهم عند التنازع، وهذا اتخاذ الآلهة والأنداد والشركاء من دون الله لقوله تعالى "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله".

ومرة أخرى يقع الظواهري في التعميم والخلط فيجعل التشريع أيا كان لله وحده ويصف الله بما لم يصف نفسه ويخلط بين الشرع بمعنى الدين والعقيدة والعبادة والأحكام الواضحة المحددة وبين التشريع بمعناه الإجرائي وهو الغالب والأكثر استخداما في الحياة والقضايا العامة، ويخلط بين الوسائل المقتبسة لتنظيم الحياة واختيار الحكام ومحاسبتهم والتشريع فيما يصلح حياة الناس حتى لو لم يعارض الشريعة الإسلامية أو مما ليس فيه حكم واضح محدد وهو كثير جدا وبين العقائد والعبادات، فيجعل على سبيل المثال قانون احتساب ضربة الجزاء في كرة القدم مثل قانون عبادة الأصنام من دون الله، أو تكون مخالفة موقف خاطئ لسائق سيارة مثل الاقتراض والإقراض بالربا، ولا يرى سلامة من الكفر في الخطأ والجهل والمعصية في التشريع والحكم.

وتتوالى الأحكام بعد ذلك وتداعياتها إذ يترتب على مفاهيم الحكم هذه وقضاياها كفر وردة تنسحب على أناس كثيرين، ولا نعرف هنا من يكفر هل هو الحاكم رأس الدولة فقط أم يشاركه في ذلك وزراؤه ونوابه وموظفو الدولة وحتى أئمة المساجد يمكن أن يكونوا شركاء في ذلك وربما لا يسلم من الكفر إلا راع أو ناسك في الصحراء فكل الناس مهما كانوا شركاء للحاكم والنظام السياسي، ولكن الظواهري لم يقل شيئا من ذلك وإنما تركه غامضا للتقدير حسب ما يراه هو وربما هو فقط.

فقه "الموالاة"
يحتاج الأمر إلى فقه "الموالاة" فلا تجتمع موالاة أعداء الله الكافرين ومحبتهم والثناء عليهم ومدح مذاهبهم الكفرية كالدستور والقانون والديمقراطية مع الإيمان أبدا لقوله تعالى "ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون".

ولدى تطبيق هذه المبادئ على جماعة الإخوان المسلمين يجدها الظواهري قد حرصت على ألا يكون لها موقف واضح من تكفير الطاغوت، بل أغلقت النقاش في هذا الأمر بتثبيتها مبدأ "دعاة لا قضاة" الذي أعلنه المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي.

ويجد الظواهري أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكتف بعدم تكفير الحكام بغير ما أنزل الله، بل تجاوزت هذا الاعتراف بأقوالها وأفعالها بشرعية هؤلاء الحكام وتركت هذا الفهم يستشري في صفوفها، بل واعترفت الجماعة بشرعية المؤسسات الدستورية العلمانية والبرلمان والانتخابات والديمقراطية !! وكان هذا برأيه من أكبر العوامل المساعدة للطواغيت على وصم الجماعات الإسلامية الجهادية بالخروج على الشرعية، وهكذا فإن الإخوان تتهمهم الجماعات الإسلامية المتطرفة بالديمقراطية والقبول بالتعددية السياسية، وتراهم الأحزاب والاتجاهات العلمانية والليبرالية والأنظمة السياسية متطرفين يرفضون الآخر والديمقراطية.

والانحراف الآخر لدى الإخوان برأي الظواهري هو أن الجماعة مدت جسور التفاهم مع معظم الأنظمة الحاكمة التي تعيش تحت سلطانها وشاركت في الحكم أحيانا، وكان تفاهم الجماعة مع هذه الحكومات في صفقات يسمح بموجبها للإخوان بالعمل بحرية وتعترف الجماعة مقابل ذلك بشرعية النظام الحاكم مع مساعدته في ضرب تيار معارض آخر.

ويورد أمثلة تاريخية كثيرة على تحالف الجماعة وتعاونها مع الحكومات مثل التعاون مع الملك فاروق في مواجهة حزب الوفد ومحاربة الشيوعية، والتعاون مع جمال عبد الناصر في بداية الثورة والتعاون مع السادات في مواجهة التيار الشيوعي والناصري، والتعاون مع حسني مبارك في ضرب التيار المتطرف.

وكانت الجماعة تبحث عن بدائل وحلفاء من الحكام والأنظمة السياسية المتنافسة والمتحاربة مثل التحالف مع السعودية في مواجهة عبد الناصر، ولجوء الإخوان المسلمين السوريين إلى النظام السياسي في العراق لمواجهة النظام السياسي في سورية وتحالفهم مع فصائل المعارضة السورية الأخرى من بعثيين وناصريين وقوميين، وكان هذا التحالف برأي الظواهري حالة من التدهور والانهيار.

ويلاحظ الظواهري أن الإخوان المسلمين تورطوا في الصراعات الحزبية في مصر قبل قيام الثورة وغيروا مواقفهم وآراءهم السياسية عدة مرات كما فعلوا مع حزب الوفد والسعديين والنقراشي الذي تحالفوا معه ثم اختلفوا حتى إن أحد شباب الإخوان قام باغتياله.


رضيت جماعة الإخوان بالاحتكام إلى الديمقراطية وسيادة الشعب والانتخاب كطريق للتغيير والوصول إلى الحكم حتى قال حسن البنا إن مؤاخذتهم على الدستور يمكن تغييرها بالطرق التي وصفها الدستور نفسه، أي الأسلوب الديمقراطي

ورضيت جماعة الإخوان بالاحتكام إلى الديمقراطية وسيادة الشعب والانتخاب كطريق للتغيير والوصول إلى الحكم حتى قال حسن البنا إن مؤاخذتهم على الدستور يمكن تغييرها بالطرق التي وصفها الدستور نفسه، أي الأسلوب الديمقراطي وينطبق هذا على إخوان الكويت والأردن واليمن والسودان والجزائر وتونس.

ونبذت جماعة الإخوان العنف الذي هو الجهاد في سبيل الله وتبرأت ممن يتبنون العنف ولو من أتباعها، وهي مخالفات شرعية كبيرة رافقت تأسيس الجماعة وقامت عليها، ولم يلق هذا المنهج الإخواني غير المستقيم معارضة كثيرة من بين الإخوان أنفسهم، وهذا يعني أن الجماعات الإسلامية لم تخرج من تحت عباءة الإخوان كما يقال دائما فهذه الجماعات ترى أن الخطأ والانحراف في الجماعة أساسي ومن أول يوم قامت فيه ولم تتغير حتى يتركها بعض الأعضاء وينسحبون إلى جماعة أو يؤسسون جماعة أخرى، ولكن بدا لبعض الإخوان في الستينات أن يتجهوا إلى التكفير والتطرف ربما تحت تأثير التعذيب والاضطهاد في السجون والمعتقلات وفي الحياة فخرجوا من الإخوان مثل جماعة شكري مصطفى أو التكفير والهجرة وحتى هؤلاء فهم برأي الظواهري سقطوا في مخالفات أشد من مخالفات الإخوان.

وأما قتال الإخوان المسلمين في فلسطين وفي قناة السويس عام 1951 عندما كان الإنجليز يهيمنون عليها فهو من الانسجام مع الاتجاهات الرسمية التي كانت تريد القتال، ثم إن القتال في فلسطين أقل وجوبا من قتال الحكام المرتدين لأن قتال المرتد مقدم على قتال الكافر الأصلي، ولأن تحرير فلسطين والبلاد الإسلامية المحتلة يكون بعد إقامة حكم الله أو كما كتب الظواهري مرة في نشرة جماعة الجهاد, تحرير القدس يبدأ بتحرير القاهرة.

المصدر : غير معروف