كيف منعت كوبا انتقال الإيدز من الحامل للجنين؟‬

الكوبية لورا كلابيل مصابة بفيروس نقص المناعة البشرية لكنها استطاعت أن تلد ابنتها كيسي دون أن تنتقل اليها العدوى. صور: Guillermo Nova/dpa
الكوبية لاورا كلابيل مصابة بفيروس الإيدز لكنها استطاعت أن تلد ابنتها كيسي دون أن تنتقل إليها العدوى (الألمانية)

"في البداية طلبت إجراء عملية إجهاض، كنت ‫أتمنى الموت، ولكن ذلك لم يكن ممكنا لأن نسبة الهيموغلوبين كانت منخفضة ‫للغاية"، تتذكر لاورا كلابيل، عندما علمت بإصابتها بفيروس نقص المناعة ‫المكتسب "الإيدز".

كانت لاورا في الـ27 من عمرها وأم لطفلة في الثالثة، ‫وكان حملها الثاني يسير بصورة طبيعية، وحينما أجرت فحوصات في الشهر ‫الثالث من الحمل، تبين أنها مصابة بالإيدز.

"لم تكن لي علاقات متعددة، ‫ولم أكن أعرف أن رفيقي العاطفي مصاب بالمرض. ربما نقل إليه الفيروس عن ‫طريق علاقة عابرة مع شخص آخر مصاب"، تقول كلابيل بأسى شديد في حوار لها ‫مع وكالة الأنباء الألمانية، متذكرة تلك الأوقات الصعبة.

‫جدير بالذكر أن 80% من المصابين بالإيدز في كوبا من الرجال، وفي غالبية ‫الأحيان لا يصرحون بذلك، ولهذا يشيع ‫انتشار الإصابة بالفيروس عن طريق العلاقات غير الشرعية خارج ‫إطار الزواج.

وجرت العادة على إجراء فحوصات الدم خلال فترة الحمل كل ثلاثة أشهر، سواء ‫للأم الحامل أو للأب، وفي حالة اكتشاف إصابة أحدهما أو كليهما يجب اتباع ‫بروتكول خاص بالنسبة للأم، يصل في بعض الأحيان إلى أربعة استشارات ‫أسبوعيا.

‫بعد الوضع، لم تتمكن كلابيل من إرضاع مولودتها الأنثى، واضطرت للجوء ‫للرضاعة الصناعية. بعد عام ونصف من الرعاية، اتصل الأطباء بها ليخبروها ‫أن طفلتها كيسي خالية من الإصابة تماما. "كان هذا أسعد يوم في حياتي، ‫وكأني ولدت من جديد"، تعلق بانفعال.

‪لاورا تتلقى العلاج‬ (الألمانية)
‪لاورا تتلقى العلاج‬ (الألمانية)

ما الإيدز؟
‫ "ما الإيدز؟"، سألتها ابنتها وهي بعد في سن الخامسة. فأجابتها ‫بأسلوب بسيط كي تستوعب، فما كان من الطفلة إلا أن فاجأتها بسؤال ثان ‫"أمي وهل أنت مصابة بالإيدز؟". "أخبرت ابنتي بالحقيقة، ولكن رأسها ‫الصغيرة خزنت الفكرة وظلت محفورة في عقلها طول عمرها"، تتابع كلابيل في ‫حوارها متذكرة تلك الأيام العصيبة. "ومنذ ذلك الوقت والبنت ‫تتعامل مع الإيدز بصورة طبيعية، وقد بلغت الآن الحادية عشر من عمرها".

‫اعترفت منظمة الصحة العالمية عام 2015 بأن كوبا كانت أول دولة في العالم ‫تتمكن من منع انتقال فيروس الإيدز من الأم الحامل للجنين ‫خلال فترة الحمل، وكذلك مرض الزهري، بنسبة 98%، أي أن طفلين فقط يصابون بالإيدز بين ‫كل 100 يولدون لأمهات مصابات بالفيروس، وهي أعلى نسبة في العالم في ‫الوقت الراهن باستخدام وسائل الوقاية المتوفرة حاليا.

‫ يذكر أنه جرى اكتشاف تفشي الإيدز في كوبا بشكل وبائي عام 1986، حينئذ ‫طبقت السلطات الطبية في كوبا نظاما صحيا خاصا، يعتمد على عزل المصابين ‫داخل المصحات مع الحرص على تغذيتهم ورعايتهم رعاية فائقة، ورغم أن ‫الأسلوب الكوبي كان فعالا فإن فكرة عزل المصابين تسببت في الكثير من الانتقادات على مستوى عالمي. رغم ذلك نجحت إجراءات كوبا في محاصرة ‫معدلات الإصابة لتصبح 22 ألفا فقط، 18 ألفا منها ما زالت تتلقى العلاج.

في الوقت الراهن، يعيش المصابون بالإيدز في كوبا بصورة طبيعية، يتلقون ‫الرعاية مجانا عبر العيادات الطبية المنتشرة في الأحياء، كما يحصلون على ‫العلاج مجانا من أقرب صيدلية إلى منازلهم.

‫وتقول مارسيلا لانتيرو، رئيسة ‫قسم الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا ومكافحتها، بوزارة الصحة العامة ‫في كوبا، إنه "منذ عام 1986 أنجبت 1200 امرأة حاملا مصابة بالفيروس، وتم ‫رصد انتقال الفيروس من الأم للمولود في 53 حالة فقط، الغالبية منها في ‫السنوات الأولى من عمر الطفل".

 في كثير من الأحيان يتعين على الأشخاص المصابين بالمرض التعامل مع ‫إصابتهم بالإضافة إلى التعامل مع أسرهم وبيئتهم الاجتماعية التي تنظر إ‫ليهم في كثير من الأحيان بعدم تفهم أو استيعاب للمشكلة، لهذا تضم فرق ‫الرعاية الطبية اختصاصيين نفسيين.

‫خلال سنوات حققت كوبا تقدما ‫ملحوظا في مجال الإلمام بالإيدز، واحتوائه والتوعية بمخاطره، وخاصة بين ‫الأجيال الشابة. "لم يعد الآن لنبأ اكتشاف الإصابة بالمرض الوقع ‫الصادم الذي كان في الماضي، بل أصبح الناس أكثر وعيا بأهمية الخضوع ‫للعلاج والحصول على الاستشارة الطبية اللازمة"، توضح تانيا ماسيب، ‫اختصاصية في متابعة الأمهات الحوامل المصابات بالفيروس.

‪طلاب يسيرون أمام ملصق لحملة مكافحة الإيدز في هافانا‬ (الألمانية)
‪طلاب يسيرون أمام ملصق لحملة مكافحة الإيدز في هافانا‬ (الألمانية)

أصدقاء
‫ انضمت كلابيل إلى مجموعة "أصدقاء حقيقيون" تعنى برعاية الأمهات الحوامل ‫المصابات بالإيدز، وتتضامن أعضاؤها الثمانية عشر فيما بينهن معنويا ‫وماديا، حيث يذهبن سويا للاستشارات، يحصلن على الدواء من الصيدليات، ‫ويقمن بزيارات اجتماعية للأمهات الحوامل الأخريات لرفع معنوياتهن، ‫ويحاولن حل مشكلاتهن الاجتماعية الأخرى.

"في مواجهة نظرة المجتمع ‫والتجاهل، تصبح التوعية والتضامن لهما الأولوية لكي تتمكن الأم المصابة ‫بالفيروس من البقاء على قيد الحياة"، تؤكد كلابيل.

المصدر : الألمانية