كيف منعت كوبا انتقال الإيدز من الحامل للجنين؟
"في البداية طلبت إجراء عملية إجهاض، كنت أتمنى الموت، ولكن ذلك لم يكن ممكنا لأن نسبة الهيموغلوبين كانت منخفضة للغاية"، تتذكر لاورا كلابيل، عندما علمت بإصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسب "الإيدز".
"لم تكن لي علاقات متعددة، ولم أكن أعرف أن رفيقي العاطفي مصاب بالمرض. ربما نقل إليه الفيروس عن طريق علاقة عابرة مع شخص آخر مصاب"، تقول كلابيل بأسى شديد في حوار لها مع وكالة الأنباء الألمانية، متذكرة تلك الأوقات الصعبة.
جدير بالذكر أن 80% من المصابين بالإيدز في كوبا من الرجال، وفي غالبية الأحيان لا يصرحون بذلك، ولهذا يشيع انتشار الإصابة بالفيروس عن طريق العلاقات غير الشرعية خارج إطار الزواج.
وجرت العادة على إجراء فحوصات الدم خلال فترة الحمل كل ثلاثة أشهر، سواء للأم الحامل أو للأب، وفي حالة اكتشاف إصابة أحدهما أو كليهما يجب اتباع بروتكول خاص بالنسبة للأم، يصل في بعض الأحيان إلى أربعة استشارات أسبوعيا.
بعد الوضع، لم تتمكن كلابيل من إرضاع مولودتها الأنثى، واضطرت للجوء للرضاعة الصناعية. بعد عام ونصف من الرعاية، اتصل الأطباء بها ليخبروها أن طفلتها كيسي خالية من الإصابة تماما. "كان هذا أسعد يوم في حياتي، وكأني ولدت من جديد"، تعلق بانفعال.
ما الإيدز؟
"ما الإيدز؟"، سألتها ابنتها وهي بعد في سن الخامسة. فأجابتها بأسلوب بسيط كي تستوعب، فما كان من الطفلة إلا أن فاجأتها بسؤال ثان "أمي وهل أنت مصابة بالإيدز؟". "أخبرت ابنتي بالحقيقة، ولكن رأسها الصغيرة خزنت الفكرة وظلت محفورة في عقلها طول عمرها"، تتابع كلابيل في حوارها متذكرة تلك الأيام العصيبة. "ومنذ ذلك الوقت والبنت تتعامل مع الإيدز بصورة طبيعية، وقد بلغت الآن الحادية عشر من عمرها".
اعترفت منظمة الصحة العالمية عام 2015 بأن كوبا كانت أول دولة في العالم تتمكن من منع انتقال فيروس الإيدز من الأم الحامل للجنين خلال فترة الحمل، وكذلك مرض الزهري، بنسبة 98%، أي أن طفلين فقط يصابون بالإيدز بين كل 100 يولدون لأمهات مصابات بالفيروس، وهي أعلى نسبة في العالم في الوقت الراهن باستخدام وسائل الوقاية المتوفرة حاليا.
يذكر أنه جرى اكتشاف تفشي الإيدز في كوبا بشكل وبائي عام 1986، حينئذ طبقت السلطات الطبية في كوبا نظاما صحيا خاصا، يعتمد على عزل المصابين داخل المصحات مع الحرص على تغذيتهم ورعايتهم رعاية فائقة، ورغم أن الأسلوب الكوبي كان فعالا فإن فكرة عزل المصابين تسببت في الكثير من الانتقادات على مستوى عالمي. رغم ذلك نجحت إجراءات كوبا في محاصرة معدلات الإصابة لتصبح 22 ألفا فقط، 18 ألفا منها ما زالت تتلقى العلاج.
في الوقت الراهن، يعيش المصابون بالإيدز في كوبا بصورة طبيعية، يتلقون الرعاية مجانا عبر العيادات الطبية المنتشرة في الأحياء، كما يحصلون على العلاج مجانا من أقرب صيدلية إلى منازلهم.
وتقول مارسيلا لانتيرو، رئيسة قسم الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا ومكافحتها، بوزارة الصحة العامة في كوبا، إنه "منذ عام 1986 أنجبت 1200 امرأة حاملا مصابة بالفيروس، وتم رصد انتقال الفيروس من الأم للمولود في 53 حالة فقط، الغالبية منها في السنوات الأولى من عمر الطفل".
في كثير من الأحيان يتعين على الأشخاص المصابين بالمرض التعامل مع إصابتهم بالإضافة إلى التعامل مع أسرهم وبيئتهم الاجتماعية التي تنظر إليهم في كثير من الأحيان بعدم تفهم أو استيعاب للمشكلة، لهذا تضم فرق الرعاية الطبية اختصاصيين نفسيين.
خلال سنوات حققت كوبا تقدما ملحوظا في مجال الإلمام بالإيدز، واحتوائه والتوعية بمخاطره، وخاصة بين الأجيال الشابة. "لم يعد الآن لنبأ اكتشاف الإصابة بالمرض الوقع الصادم الذي كان في الماضي، بل أصبح الناس أكثر وعيا بأهمية الخضوع للعلاج والحصول على الاستشارة الطبية اللازمة"، توضح تانيا ماسيب، اختصاصية في متابعة الأمهات الحوامل المصابات بالفيروس.
أصدقاء
انضمت كلابيل إلى مجموعة "أصدقاء حقيقيون" تعنى برعاية الأمهات الحوامل المصابات بالإيدز، وتتضامن أعضاؤها الثمانية عشر فيما بينهن معنويا وماديا، حيث يذهبن سويا للاستشارات، يحصلن على الدواء من الصيدليات، ويقمن بزيارات اجتماعية للأمهات الحوامل الأخريات لرفع معنوياتهن، ويحاولن حل مشكلاتهن الاجتماعية الأخرى.
"في مواجهة نظرة المجتمع والتجاهل، تصبح التوعية والتضامن لهما الأولوية لكي تتمكن الأم المصابة بالفيروس من البقاء على قيد الحياة"، تؤكد كلابيل.