أنيس الصايغ.. حارس الذاكرة الفلسطينية

أنيس الصايغ - كاتب وباحث ومفكر عربي

مفكر وأكاديمي فلسطيني من طينة خاصة، وصف بحارس الذاكرة الفلسطينية لإشرافه على الموسوعة الفلسطينية (عشرة أجزاء). أدار مراكز بحثية وأسس مجلات عربية وازنة وألف عشرين كتابا، منها كتاب "13 أيلول" الذي صبَّ فيه جام نقده ونقمته على اتفاق أوسلو وصانعيه والمروجين له. حاولت إسرائيل اغتياله.

المولد والنشأة
ولد أنيس الصايغ في طبريا يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1931. والده عبد الله الصايغ كان يعمل قسا بروتستانتيا، ووالدته عفيفة البتروني فلسطينية والدها من أصل لبناني. وقد أنجبا ثمانية بنين كان آخرهم أنيس.

تزوج أنيس من هيلدا شعبان وهي أردنية من السلط.

الدراسة والتكوين
بدأ دراسته في مسقط رأسه وأنهى المرحلة الثانوية سنة 1949 في مدرسة الفنون الإنجيلية في صيدا التي انتقل إليها بعد الاحتلال الصهيوني لمدينة طبريا.

حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية والتاريخ سنة 1953 من الجامعة الأميركية في بيروت، وحصل بعدها على الدكتوراه من جامعة كامبردج في العلوم السياسية والتاريخ العربي.

ذكر في يومياته أنه كره الدرس كطالب وكره التدريس كأستاذ طيلة حياته، واعترف أن أبشع ذكرياته كانت أيام التلمذة والأستذة، وأن معاهد التعليم كانت أبشع الأماكن التي اضطر للتردد عليها! رغم أنه كان طالبا متفوقا في جميع المراحل، والأول دون منازع.

الوظائف والمسؤوليات
ارتبط عمل أنيس الصايغ بالمجال البحثي والأكاديمي، حيث عين في جامعة كامبردج أستاذا في دائرة الأبحاث الشرقية فمديرا لإدارة القاموس الإنجليزي العربي. كما عمل عام 1980 مستشارا للأمين العام لجامعة الدول العربية ورئيسا لوحدة مجلات الجامعة، وعميدا لمعهد البحوث والدراسات العربية التابع للجامعة العربية.

عمل مستشارا لجريدة القبس الكويتية فأنشأ لها مركزا للمعلومات والتوثيق، كما عمل مستشارا للمنظمة العالمية لحرية الثقافة، ومستشارا لمشروعي الموسوعة العربية في دمشق وبغداد والموسوعة الفلسطينية الميسرة في عمّان.

النشاط الفكري
كان أنيس الصايغ أول من أطلق مشروع الموسوعة الفلسطينية عام 1966، ثم كان مستشارا للمشروع منذ 1978، ورئيسا للتحرير منذ 1982، ورئيسا لمجلس الإدارة منذ 1988، وأشرف على تحقيقها في عشرة أجزاء.

وفي نفس النشاط الفكري والأكاديمي، عُيّن مديرا عاما لمركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عام 1966، وحقق للمركز إنجازات مهمة وكبيرة كإنشاء مكتبة ضخمة وإصدار اليوميات الفلسطينية، ومجلة شؤون فلسطينية، ونشرة رصد إذاعة إسرائيل وإنشاء أرشيف كامل لخدمة الباحثين. كما أسس وترأس تحرير كل من مجلة المستقبل العربي و شؤون عربية وقضايا عربية (1978-1982). 

التجربة الفكرية والنضالية
نضاله ونشاطه الفكري والأكاديمي لصالح القضية الفلسطينية أزعج الاحتلال الإسرائيلي، ففي بداية السبعينيات أرسلت الاستخبارات الإسرائيلية طردا ملغوما، أدى انفجاره إلى بتر بعض أصابعه وضعف حاستي السمع والبصر لديه.

وبعد طول علاج استرد بعض بصره ونسبة من السمع بأذن واحدة، لكن طنين الأذن لازمه طول حياته.

روى في مذاكراته جانبا من هذا الحادث، فبعد تلقي الرسالة الملغومة وانفجارها بعشرين دقيقة، كانت الإذاعة الإسرائيلية تعلن مقتل الصايغ الذي كان "يتولى تدريب الإرهابيين الفلسطينيين في أوروبا على القتال" في فلسطين، بحسب زعمها.

ويشير أنيس الصايغ إلى أن العدو الصهيوني استهدف عددا من موظفي المركز وباحثيه، ونجح في قتل عشرة منهم وإصابة آخر.

كان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني ونائبا لرئيس المؤتمر الوطني الفلسطيني والناطق باسمه وعضو لجنته وممثله في لبنان، ومؤسس اللقاء الثقافي الفلسطيني في بيروت ومنسقه العام منذ 1992.

انتقد بقوة اتفاق أوسلو الذي عقد في سبتمبر/أيلول 1993 وألف حول كتابا بعنوان "13 أيلول"، صب فيه جام نقده ونقمته على الاتفاق وصانعيه والمروجين له، واعتبره نذير شؤم على الكفاح الفلسطيني، ومسمارا آخر دق في صندوق هيأه الاحتلال الإسرائيلي لدفن القضية الفلسطينية، بل اعتبره خطرا رئيسيا نبع من داخل الصف الفلسطيني.

اختار أن يبتعد عن النشاط السياسي وهو يشرف على الموسوعة الفلسطينية حتى لا يستغله خصومها فيطعنون في استقلاليتها وعلميتها، ولأجل ذلك رفض أيضا إجراء حوارات مع الصحافة لأكثر من عشر سنوات، لتلافي التعبير عن أي موقف شخصي في القضية الفلسطينية.

المؤلفات
وصفه أحد الكتاب العرب بأنه "ولد والقلم بين أصابعه"، فقد كتب أنيس الصايغ خلال 55 عاما عشرين كتابا نشرها كلها في بيروت، وأصبحت مراجع علمية مهمة للباحثين والدارسين وأصحاب القرار السياسي.

ولم تكن تلك الكتب إنجازه الثقافي الوحيد، بل لعلها لم تحظ إلا بالقدر اليسير والمعلوم من جهده الكبير الذي صرفه بالأساس في مشاريع فكرية وعلمية مثل الموسوعة الفلسطينية (عشرة أجزاء) وتأسيس مجلة شؤون فلسطينية (1971)، ومجلة المستقبل (1978)، ومجلة قضايا عربية (1978)، ومجلة شؤون عربية (1981) وغيرها .

ومن كتبه "جدار العار" (1956)، و"سوريا في الأدب المصري القديم" (1957)، وكتاب "تطور المفهوم القومي عند العرب" (1961)، ومذكراته بعنوان "أنيس الصايغ عن أنيس الصايغ".

وتوالت كتبه وكان من بينها "الهاشميون والقضية الفلسطينية" و"الهاشميون والثورة العربية الكبرى"، وقد مُنع بسببهما من دخول الأردن في الفترة 1966-1982. وكَتَب "مفهوم الزعامة السياسية من فيصل إلى عبد الناصر".

الأوسمة والجوائز
حصل على عدة جوائز أهمها: وسام الاستحقاق السوري بمناسبة صدور مذكراته "أنيس الصايغ عن انيس الصايغ" (2006)، ودرع معرض المعارف للكتاب العربي والدولي في بيروت تقديرا لعطائه الفكري والثقافي والتزامه بالقضايا الوطنية والقومية وجائزة سيف فلسطين رمزا للصمود من الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين في دمشق (2006).

ومن طرائف ما يرويه أنه قرر يوما كتابة دراسة مطولة عن "الحاج أمين الحسيني في صعوده وهبوطه"، وحتى يتفرغ للكتابة اختار وزوجته مَصْيفا نائيا في لبنان، وعندما أخذ أوراقه ومسوداته إلى أقصى طاولة في حديقته، اقترب منه رجلان جاءا يسلمان عليه، هما الحاج أمين نفسه وصديقه أميل الغوري، فلملم أوراقه وقضى الأسبوع معهما. وأقلع عن فكرة الكتابة لأنه شعر أن بعض محتوياته ستكون -بحسب قوله- "قاسية بحقّ رجل ظلمه التاريخ، ولم أرغب أن أشارك في ذلك".

الوفاة
توفي عن 78 عاما في عمّان يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 2009، ودفن في بيروت بعد ذلك بأيام، وبذلك انطوت سيرة باحث وكاتب أكاديمي عربي أمضى خمسين عاما ساعيا -بحسب ما جاء في أبرز كتبه الأخيرة- عبر البحث والكتابة إلى تحرير فلسطين.

المصدر : الجزيرة