فهمي جدعان.. لا إلى الإسلاميين ولا إلى العلمانيين

المفكر والكاتب الدكتور فهمي جدعان

فهمي جدعان مفكر أردني من أصل فلسطيني حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون، يرفض العلمانية والإسلام السياسي بذات الوقت، ويحمل العرب مسؤولية تردي أوضاع المسلمين على مر العصور.

المولد والنشأة
ولد فهمي بن راجح جدعان عام 1940 في بلدة عين غزال جنوب مدينة حيفا الفلسطينية.

الدراسة والتكوين
درس الفلسفة في جامعة دمشق، ثم رحل إلى فرنسا وحصل على شهادة الدكتوراه بالفلسفة والفكر الإسلامي من جامعة السوربون في باريس.

الوظائف والمسؤوليات
عمل أستاذا للفلسفة والفكر الإسلامي في جامعة الكويت والجامعات الأردنية، وشغل منصب عميد البحث العلمي بالجامعة الأردنية، ونال عضوية مجلس إدارة معهد العالم العربي في باريس بالفترة من 1980 حتى 1984.

التجربة الفكرية
أثناء دراسته في دمشق اتصل بإحدى الجماعات الإسلامية لكن خطها الفكري لم يرق له فتخلى عنها، ثم سافر إلى باريس لدراسة الفلسفة بجامعة السوربون العريقة.

ورغم انبهاره بالحداثة الباريسية فإن أعماله الأولى التي كتبها بالفرنسية تمحورت حول إثبات الذات أو الدفاع عنها.

في أواخر السبعينيات نفر جدعان من السكون والراديكالية "المتفائلة المريحة"، وتحول إلى "الراهن المشخص".

يعرف جدعان بدعوته للتفريق بين التراث الإسلامي والوحي، وأخذ عليه منتقدوه عدم تبيّنه التراث إلا من دلالته الجمالية والتاريخية فقط.

يشدد على انشغاله بالفكر والعقل العربيين، ويؤكد أن علاقته بالفكر الإسلامي أملاها فقط موضوع التخصص في جامعة السوربون.

لكنه يحمل العرب الحالة المتردية التي وصل إليها المسلمون ويجزم بأن الأهواء "غلبت على أفعال العرب، وأن انقلاب بني أمية على عصر النبوة كان بمقتضى الهوى، وكذلك كان انقلاب بني العباس على بني أمية، وهكذا إلى أيامنا هذه".

ووصف في هذا الإطار النظام الأموي بأنه انقلاب على النبوة، وقال إن الأمويين هم الذين أنتجوا ما سماه "الملك العضوض"، وطالب بالعودة لما سماه "الإسلام الأصلي" إسلام الحرية والرحمة والعدل والمصلحة والمقاصد، وليس إسلام الفقهاء الذي تحكمت فيه نزعاتهم ورغباتهم وظروفهم التاريخية.

ونفى جدعان أن يكون "هيغليا" نسبة للفيلسوف الألماني هيغل، مؤكدا أنه لا ينطلق من الفلسفات الغربية بل من الواقع الإسلامي المشخص، وأنه يأخذ على المفكرين في المغرب وتونس انطلاقاتهم من الفكر الغربي لكنه استدرك بالقول "لسنا وحدنا في العالم.. لسنا أحرارا في هذا الوجود.. العولمة في بيوتنا".

يؤمن جدعان بمحورية الدين في مختلف جوانب الحياة، ويشدد على بعده من العلمانية، لكنه يرفض مفهوم الإسلام السياسي ويرى أنه لا ضرورة له " فحيثما ظهرت أمارات العدل ثم شرع الله".

في موضوع العولمة، يرفض جدعان الاستسلام لقيم السوق، كما يرفض "النقيض النكد المتمثل بالاجتماعية الديمقراطية"، حيث يرى فيها انصياعا لفلسفة مدمرة لمفهوم العدالة.

ويدعو إلى إعادة رسم صورة الإسلام الكونية وتحرير الذات من عقدة النقص، وإقامة سياسات دفاع اجتماعي حقيقية مشخصة.

يؤيد فهمي جدعان اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية ليكونوا نماذج واقعية جاذبة، لأنه يؤمن بأن الإسلام ليس ضعيفا.

يرى أن الدولة العربية الحديثة لا تستطيع أن تستمر في الاستناد إلى "مبدأ السيد والعبد" في علاقتها مع مواطنيها، كما أنها لا تستطيع التشبث بأدبياتها في الحكم وتتجاهل الحقائق الثاوية وراء تقدم العالم الحديث.

ومع تزايد وتيرة العنف في العالم الإسلامي، قال جدعان إننا نشهد منذ سنوات ظواهر عنيفة لافتة للنظر تتطلب التنبيه لخطر ماحق ينتظر الإسلام الذي يبدو مختلفا عن الصورة التي نعرفها تاريخيا أو نتمثلها في أذهاننا كدين الرحمة والعدل والانفتاح والتقوى والقيم الأخلاقية التي بفضلها حظي بجاذبية كبيرة في القرنين الماضيين وفق ما سماه "الإسلام الجاذب".

وفي هذا السياق، رفض "تحويل الإسلام إلى أيديولوجيا تغرق الدين في السياسي وتحول الرسالة السماوية إلى سلطة دنيوية هيمنية وإلى مكيافيلية سياسية غير أخلاقية". ويرى أن "هوية دين الإسلام الحقيقية تكمن في مقاصده، وأن تحقيق هذه المقاصد هو من وظيفة الدولة الإنسانية العادلة".

ويؤمن بأن مستوى الحرية في الفكر العربي المعاصر لا يعود إلى استبداد بالدولة الوطنية العربية الخارجة من الانتداب أو الاستعمار، وليس ظاهرة مبتدعة أو مستجلبة.

ورأى أنه نتاج إرث تاريخي حملته وقائع التاريخ وسوغته الثقافة العربية والتنشئة التربوية والنفسية التي شكلتها العصبيات القبلية والعسكرية والدينية والسياسية والاقتصادية في الفكر العربي.

وقال إن الحرية أسبق من العدل، وإنه لا وجود لطاغية عادل لأن العدل لا يحتمل أن يجتمع مع نقيضه "الاستبداد"، فالاستبداد ينقض الحرية، والحرية حق طبيعي أساسي لا يمكن لمبدأ العدل أن ينكره.

المؤلفات
ألف فهمي جدعان عددا من الكتب الفكرية والأبحاث العلمية بالعربية والفرنسية، منها: "تحرير الإسلام"، "خارج السرب"، "أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث"، "الفارابي.. مدخل إلى تجربة العلم والفعل عنده"، "هوميروس عند العرب"، "المحنة.. بحث في جدلية الديني والسياسي في الإسلام"، "التأثير الرواقي في الفكر الإسلامي".

أوسمة وجوائز
منح فهمي جدعان جائزة "سعف النخيل" من الأكاديمية الفرنسية عام 1986، ووسام القدس للثقافة والآداب والفنون الفلسطينية عام 1991، كما فاز بجائزة الدولة التقديرية للعلوم الاجتماعية في الأردن.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية