زكي مبارك

الأديب المصري زكي مبارك - الموسوعة

أديب وشاعر مصري، عرف بغزارة الإنتاج وكثرة المعارك الأدبية. أحب الخصومات لأنها تذكي عزيمته، وكان يرى أنه موكل "بترويع الآمنين من رجال الأزهر والجامعة المصرية ووزارة المعارف، لأنهم يأكلون العيش باسم العلم والأدب، ثم لا يقدمون ولا يؤخرون في دنيا ولادين". أدركته حرفة الأدب على كثرة شهاداته العليا.  

المولد والنشأة
ولد زكي عبد السلام مبارك يوم 5 أغسطس/آب 1892 في قرية سنتريس إحدى قرى المنوفية على شاطئ النيل في مصر.

الدراسة والتكوين
بدأ الدراسة في سن مبكرة، فلحق بكُتاب القرية ليحفظ القرآن الكريم، ويتعلم الكتابة، ويحذق مبادئ الحساب.

ولما بلغ الـ18 التحق بالأزهر، ولكنه ضاق ذرعا بمناهجه وشيوخه، فيمم -بعد سبع سنوات من صحبة سيد علي المرصفي العالم الأزهري الأديب- شطر الجامعة المصرية ونال منها شهادة الدكتوراه في الأدب سنة 1924.

ثم ابتُعث إلى فرنسا وحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون عن أطروحته الرصينة "النثر الفني في القرن الرابع الهجري" 1931، ثم عاد إلى الجامعة المصرية ونال دكتوراه ثالثة عن كتابه "التصوف الإسلامي" سنة 1937.

الوظائف والمسؤوليات
عمل زكي مبارك -فترات متقطعة- في الجامعة المصرية، وفي الجامعة الأميركية، لكن مقامه لم يطل في أي منهما، فقد كان كثير المعارك كثير الخصوم، وقد تولى الدكتور طه حسين كِبْر فصله من الجامعة وتحويله إلى التفتيش في المدارس الأجنبية، مَضيما كَظيما.

وفي سنة 1937 انتُدب إلى دار المعلمين في بغداد فوجد كثيرا من العزاء والسلوى وإن لم يطل به المقام.

التجربة الأدبية
بدأ زكي مبارك حياته الأدبية شاعرا ثائرا، فهاجم الأزهر ومناهجه، واندفع في غمار السياسة شديدا عنيفا، فكان في طليعة الشباب في ثورة 1919، وأصبح خطيب الثورة يغشى الميادين ويلهب الجماهير، إلى أن وقع في قبضة الإنجليز فأودعوه السجن ليذوق مرارة الأسر وألم الغربة، ويرث أحزانا لم تزل تُفَطِّرُ قلبه وتدمي كبده إلى أن لقي ربه.

وفي الجامعة المصرية -عندما عين في كلية الآداب سنة 1925- شرع يتتبع الحركة الأدبية المصرية في ذلك الوقت ويتعهدها بالنقد والتقويم. وقد كان واسع المعرفة بصيرا بفنون القول وضروب البيان وأساليب الشعر، شديد الإخلاص للعربية قوي الغيرة على تراثها.

وقد كان أسلوبه آية من آيات البيان، يجمع بين جزالة القدامى ورشاقة المحدثين. وقد شبه العالم العراقي مصطفى جواد لغته "بلغة فصحاء الأمة وشعراء العصر الأموي، وذلك شيء نادر في هذا العصر مطلوب غير مبلوغ".

وكان يجمع في كتاباته بين التحقيق العلمي الرصين و"نزوات الوجدان" حسب تعبيره هو، حتى أخذ عليه شيوخ السوربون الحضور العاطفي الطاغي في أسلوبه، لكنهم عذروه حين علموا أنه بدأ حياته شاعرا.

ومن شعره المعبر عن معاناته وطموحه: 

جَنَتْ عليّ الليالي غير ظالمة … إني لأهلٌ لما ألقاه من زمني
فما رأيت من الأخطار عاديةً… إلا بَنيتُ على أجوازها سكنى
ولا لمحتُ من الآمالِ بارقةً … إلا تقحّمتُ ما تجتاز من قُنَن
أحلتُ دنياي معنى لا قرار له … في ذمة المجد ما شرّدتُ من وَسَن

المعارك
طغت المعارك الأدبية -التي كانت سمة ذلك العصر- على حياة مبارك وفكره، لكنها أنضجت موهبته وأحكمت تجربته.

وقد كان مولعا بالمعارك مغرما بها حتى قال: "أحب الخصومات لأنها تذكي عزيمتي"، وقد رجع من باريس وهو عازم على "ترويع الآمنين من رجال الأزهر والجامعة المصرية ووزارة المعارف، ففي تلك الديار رجال يأكلون العيش باسم العلم والأدب، ثم لا يقدمون ولا يؤخرون في دين ولا دنيا".

كانت أشرس معاركه مع طه حسين، وكان سبب تلك المعركة نقد -يرى بعض الدارسين أنه لم يكن علميا- وجهه طه حسين لكتاب النثر الفني الأثير عند زكي مبارك.

وكان هجوم مبارك عنيفا أليما كاد يحطم كبرياء طه حسين حتى لجأ إلى فصله من الجامعة، وهي خطوة عدها حتى المقربون من طه حسين إثما مبينا.

أما الخصم الثاني فكان أحمد أمين، وكان طابع المعركة هو السخرية اللاذعة والاستهزاء المهين، فقد قال زكي إن أحمد أمين كان يجهل نفسه حتى عرفه طه حسين بها، وإن "أحمد أمين لم يكن أديبا، وإنما قال له طه حسين كن أديبا فلم يكن".

وتوالت المعارك بعد ذلك مع السباعي البيومي والأستاذ عباس العقاد، وسلامة موسى ولطفي جمعة وأحمد شوقي، ومع أحمد حسن الزيات الذي صافاه زمنا طويلا، وأحمد لطفي السيد ومصطفى الرافعي، وأحمد زكي باشا.

المؤلفات
كان الدكتور زكي مبارك مكثر التأليف من غير إسفاف، وقد ترك حوالي عشرين كتابا، وكمّا وافرا من المقالات الأدبية والنقدية.

من أهمها: النثر الفني في القرن الرابع الهجري، والتصوف الإسلامي وأثره في الأدب والأخلاق، والموازنة بين الشعراء، والأخلاق عند الغزالي، وعبقرية الشريف الرضي، ومدامع العشاق، وليلى المريضة في العراق، ووحي بغداد، وذكريات باريس، واللغة والدين والتقاليد، وديوان زكي مبارك، وديوان الخلود.

الوفاة
حين رجع زكي مبارك من العراق حورب في رزقه أشرس حرب عرفها تاريخ الأدب الحديث، فقد أريد له أن يبقى مفتشا للمدارس الأجنبية، محروما مستضاما، فلجأ إلى أمور لم تكن محمودة العاقبة، حتى أصيب برجة في الدماغ سقط بعدها مغشيا عليه، ونقل إلى المستشفى ففارق الحياة يوم 23 يناير/كانون الثاني 1952.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية