يحيى دجيرو.. سياسي تشادي نجا من معارك التمرد وقتل في مكاتب حزبه
يحيى ديلو دجيرو، سياسي تشادي ولد عام 1974، وهو ابن عمة الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي، وشارك في ثورة خاله إدريس ديبي على حسين حبري بين عامي 1989 و1990، ثم أصبح عضوا مؤسسا في تنظيم مسلح للإطاحة به في 2005، لكنه عاد ليصبح وزيرا ومسؤولا ساميا في حكومته ابتداء من 2008.
توترت العلاقة مع إدريس ديبي من جديد إثر انتقاد دجيرو للسيدة الأولى في 2020، وبعد إعلان ترشحه للرئاسة مطلع 2021 تعرض للمضايقة من جديد واضطر لمغادرة البلاد عقب نجاته من هجوم على منزله قتل فيه ابنه وأمه وآخرون، لكنه عاد بعد مقتل إدريس ديبي في أبريل/نيسان 2021.
وفي أواخر فبراير/شباط 2024 أعلن عن مقتله في صدامات بمقر الحزب الاشتراكي الذي يرأسه، في حادث يعتبره أنصاره مدبرا لإبعاده من المنافسة على المنصب الرئاسي، بينما تقول الرواية الحكومية إنه أطلق النار على قوات الأمن التي وصلت لتوقيفه على خلفية اتهامه بالضلوع في محاولة اغتيال رئيس المحكمة العليا.
المولد والنشأة
ولد يحيى ديلو دجيرو في 18 ديسمبر/كانون الأول عام 1974م بمدينة كاورا في أقصى الحدود الشمالية الشرقية للبلاد وقرب الحدود مع السودان وليبيا.
وهو ابن عمة رئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد إدريس ديبي، وينتمي لقبيلة الزغاوة التي تسيطر على الحكم في تشاد منذ استيلاء الرئيس إدريس ديبي إثنو على الحكم من سلفه حسين حبري عام 1990.
الدراسة والتكوين
درس يحيى ديلو دجيرو في تشاد حتى حصل على البكالوريوس في الرياضيات، ثم أكمل تعليمه في العاصمة الكندية أوتارا وحصل على شهادة عليا في مجال الاتصالات.
سنوات التمرد
بدأ دجيرو تجربته السياسية والعسكرية في وقت مبكر من حياته، وكان من الداعمين لديبي عام 1990 من خلال المشاركة في التمرد العسكري الذي قاده على الرئيس حينها حسين حبري.
وبعد عودته من كندا انخرط في الحزب الحاكم (حركة الإنقاذ الوطني) لكنه لم يكن راضيا عن تقدير الرئيس ديبي له، فبدأ مساره معارضا بكتابة مقالات تنتقد سياسة النظام، ثم أصبح من مؤسسي قاعدة التغيير والوحدة والديمقراطية عام 2005، وهي تنظيم تشادي مسلح مناوئ لحكم الرئيس ديبي، ويضم اثنين من أبناء إخوته هما التوأم تيمان وتوم إرديمي.
وتزامن تأسيس هذا التنظيم مع تعديل دستوري يسمح لديبي بالترشح لمأمورية رئاسية ثالثة، وحظي بانضمامات هامة من بعض كبار القادة العسكريين في الجيش التشادي ومثل واحدا من أقوى حركات التمرد ضد حكم ديبي الأب.
وتولى دجيرو مسؤولية المتحدث باسم تنظيم قاعدة التغيير، إلا إن قادتها اتهموه بالتجسس لصالح ديبي فتعرض لعقوبة السجن داخل الأراضي السودانية التي لجأ إليها التنظيم، ثم أفرج عنه لكنه انشق عن التنظيم.
الوظائف والمسؤوليات
غادر دجيرو معسكرات تنظيم قاعدة التغيير إلى الخرطوم، ومنها توجه إلى نجامينا ليبدأ مرحلة جديدة من العلاقة مع الرئيس إدريس ديبي بعد سنوات من الانخراط في المعارضة المسلحة.
وبين عامي 2008 و2018 تنقل بين عدد من الوظائف الحكومية كما عُين مستشارا للرئيس، ثم أصبح سفيرا لبلاده في المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا حتى عام 2020.
الصدام مع سيدة القصر
في أواخر عام 2020 تقدمت السيدة الأولى في تشاد هندا ديبي بشكوى إلى العدالة ضد يحيى ديلو دجيرو، واتهمته بالتشهير بعد نشره مقطع فيديو يتحدث فيه عن الفساد في مؤسسة "القلب الكبير" التي تديرها.
وعلى إثر هذه التصريحات فصل دجيرو من عمله سفيرا لدى المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا، فأصبح معارضا للنظام وحاول تأسيس حزب سياسي، إلا إنه واجه عقبات إدارية، فانضم عام 2021 إلى الحزب الاشتراكي بلا حدود المعارض.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل/نيسان من العام نفسه أعلن دجيرو عزمه منافسة الرئيس المرشح لمأمورية سادسة إدريس ديبي، فأعيد فتح ملفه المتعلق بالتشهير بسيدة قصر نجامينا واستُدعي إلى المحكمة.
وفي محاولة لتوقيفه بمنزله أواخر فبراير/شباط 2021 قتل عدد من أفراد عائلته بينهم أمه وأحد أبنائه وأصيب آخرون، بينما تمكن هو من مغادرة المنزل والاختفاء عن الأنظار، ثم وصل بلجيكا وظل خارج البلاد حتى مقتل ديبي في معارك مع متمردين بعد نحو شهرين من هذه الحادثة.
أبرز المنافسين
بعد تولي الجنرال محمد إدريس ديبي رئاسة المجلس العسكري الانتقالي عقب مقتل والده، قرر دجيرو العودة إلى البلاد وأعلن أنه يسامح قتلة أمه وابنه في حادث 27 فبراير/شباط 2021، لكنه أبدى معارضة شديدة للرئيس الجديد وظل ينتقد سياساته على الدوام.
وفي أغسطس/آب 2021 عقد الحزب الاشتراكي بلا حدود مؤتمرا انتخب بموجبه يحيى ديلو دجيرو ليكون خلفا لمؤسس الحزب دينامو دارام في منصب الرئيس، في أول حادثة تناوب على المناصب من نوعها داخل الأحزاب السياسية بدولة تشاد.
كما أعلن التحضير لخوض الانتخابات الرئاسية، وقاد حراكا لتوحيد صفوف المعارضة مكنه من تأسيس ما عرف بـ"اتحاد المعارضة ذات المصداقية" في فبراير/شباط 2023، وأصبح ينظر إليه على أنه أبرز سياسي معارض في تشاد ويمثل منافسا قويا لرئيس المجلس الانتقالي في الانتخابات.
وتفاقم التوتر بين دجيرو ورئيس المجلس العسكري الانتقالي محمد إدريس ديبي بعد استقطاب دجيرو عم الرئيس صالح ديبي الذي انضم للحزب الاشتراكي في يناير/كانون الثاني 2024.
أزمة الحزب المعارض
حسب أنصار دجيرو فإن محاولات منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية قادت حكومة الرئيس الانتقالي إلى زرع خلافات داخل الحزب الاشتراكي بلا حدود، وقالوا إنها تقف خلف دعاوى رئيسه السابق دينامو دارام.
فقد وصل الخلاف بين الشخصيتين إلى أروقة القضاء، وأصدر رئيس المحكمة العليا سمير آدم نور قرارا اعتُبر منحازا لمؤسس الحزب، مما فاقم الأزمة، فقد أعلن دارام في 18 فبراير/شباط 2024 فصل دجيرو من الحزب.
وعقب اقتحام مبنى المحكمة العليا من طرف مسلحين في 19 فبراير/شباط 2024م وجهت سلطات نجامينا اتهاما لعضو الحزب أحمد الترابي بمحاولة اغتيال رئيس المحكمة، بينما يقول الحزب إن الهجوم مدبر وإن المحكمة محروسة ولا يمكن مهاجمتها دون رد.
وحسب الرواية الرسمية التشادية فإن الترابي امتنع من تسليم نفسه للعدالة واشتبك مع قوات الأمن المكلفة بتوقيفه مما أدى لإصابته، وإن مسلحين من أنصار الحزب اقتحموا المستشفى وحاولوا تحريره، وبعد نقله إلى مبنى جهاز أمن الدولة اقتحموه أيضا في عملية جديدة شارك فيها رئيس الحزب يحيى ديلو دجيرو نفسه.
لكن الحزب ينفي هذه الرواية ويقول إن الشرطة قتلت الترابي وإن بعض أعضاء الحزب وصلوا لأخذ جثته التي ألقيت أمام مبنى جهاز الأمن، لكنهم فوجئوا بأنهم في كمين لقوات الأمن.
"الاشتباك" الأخير
في 28 فبراير/شباط 2024م أعلن عن مقتل دجيرو وآخرين واعتقال عم الرئيس الانتقالي صالح ديبي، عقب هجوم لقوات الأمن على مقر الحزب الاشتراكي في منطقة كليمات بالعاصمة نجامينا.
وبينما تقول الرواية الحكومية إن دجيرو كان يتحصن في مقر الحزب بوصفه فارا من العدالة ويرفض الاستسلام ويطلق مع أنصاره النار على قوات الأمن، تقول رواية الحزب إن ما حصل عملية اغتيال مدبرة للتخلص من دجيرو بوصفه المنافس الأول للرئيس الانتقالي في انتخابات مايو/أيار 2024، وإن معاينة جثته تظهر أنه قتل برصاصة في الرأس من مسافة قريبة.