الطوارق شعوب أمازيغية تسكن الصحراء الكبرى بأفريقيا
الطوارق (أو التوارك) شعب من الرحل، ذو أصول أمازيغية (بربرية)، يتخذ من الصحراء الأفريقية الكبرى الممتدة بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالي وبوركينا فاسو موطنا له، ويسمى الطوارق أيضا بـ"الشعب الأزرق"، نظرا لتعودهم على ارتداء لباس تقليدي بلون أزرق نيلي.
والطوارق شعب مسلم سني مالكي، مع خليط في بعض الأماكن لبعض المعتقدات والطقوس الوثنية، ويعتمد أبناؤه في أسلوب عيشهم على نمط حياة بدوية، كتلك التي يعيشها بدو العرب الرحل.
أصل الطوارق
تختلف المصادر التاريخية حول أصل وجذور مجتمع الطوارق، فهناك من ذكر أن جذورهم تعود لقبيلة حمير في اليمن، التي هاجروا منها إلى مصر بعد انهيار سد مأرب، وبعدها رحلوا إلى مناطق شمال أفريقيا والصحراء الكبرى بعدما دخلوا في صدامات مع الدولة الحاكمة آنذاك في مصر.
وهناك من يقول إن جذور الطوارق تعود إلى القبائل الأمازيغية التي كانت تقطن شمال أفريقيا والصحراء قبل الإسلام، على غرار قبائل صنهاجة وغيرها.
وكما اختلف المؤرخون في أصول الطوارق اختلفوا أيضا في تسميتهم، فبعضهم قال إن اسم أو كلمة "الطوارق" تعود إلى انتسابهم للقائد الإسلامي طارق بن زياد.
وفي رواية أخرى، ذكر بعضهم أن اسمهم الحقيقي هو "التوارك"، نسبة إلى منطقة وادي تاركة في ليبيا، التي يقطنها الآلاف من الطوارق.
والرأي الثالث يقول إن كلمة طوارق تحريف لكلمة "تماشق" الأمازيغية، التي تعني "الرجال الأحرار".
ويشكل الطوارق مجتمعا كبيرا على امتداد الصحراء الأفريقية الكبرى، لكنهم تعرضوا للشتات والتقسيم على مر العصور، بفعل الموجات الاستعمارية التي ضربت المنطقة، خاصة موجة الاستعمار الفرنسي، التي وضعت حدودا جغرافية قسمت المنطقة ولم تراع حقوقها التاريخية.
والطوارق هم الذين استوطنوا تلك المنطقة حينما كانت القبيلة هي الأصل والصحراء هي الوطن، ولم يكن آنذاك مفهوم الدولة الحديثة قائما.
لغة الطوارق
يستعمل الطوارق لغة خاصة بهم تسمى اللغة الطوارقية، وتتفرع عنها 3 لهجات يختلف استعمالها من قبيلة إلى أخرى، وهي "التماشق" و"التماجق" و"التماهق".
تقول بعض الروايات إن الطوارق كانوا يستخدمون قديما حروفا أبجدية خاصة بهم في الكتابة، تسمى حروف "تيفيناغ"، لكن استعمالها بدأ يقل في العقود الأخيرة لعدة أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية.
تعداد الطوارق
تختلف التقديرات حول العدد الإجمالي لشعب الطوارق في منطقة الصحراء الكبرى، وذلك نتيجة غياب إحصاءات رسمية تؤكد ذلك، لكن بعض المصادر تقول إن عددهم يقدر بـ3.5 ملايين نسمة تقريبا، غالبيتهم (نحو 85% منهم) يقطنون في كل من مالي والنيجر، والبقية يتوزعون بين الجزائر وليبيا وبوركينا فاسو.
ويقطن طوارق ليبيا بمنطقة فزان، وطوارق الجزائر بمنطقة الهقار، أما طوارق مالي فيعيشون بمنطقتي أزواد وأدغاغ، في حين يسكن طوارق النيجر منطقة أيِّير وطاوا وتيلابيري وزندر.
وتعد هذه المناطق الأربع المذكورة، الأكثر جفافا والأقل كثافة سكانية بالمقارنة مع المناطق الأخرى لهذه الدول، لكن الطوارق خبروا منذ زمن بعيد هذه المناطق بتضاريسها الصحراوية وطبيعتها القاسية، وظلوا على مر التاريخ يؤمِّنون حركة القوافل التجارية التي تعبرها.
وساعدت شجاعتهم الكبيرة التي عُرفوا بها تاريخيا في إدارة طرق القوافل، إذ يُعَدون شعبا مقاتلا يجيد التسلح بالسكاكين والسيوف والخناجر والرماح، خاصة في أثناء رحلاتهم التجارية، إضافة إلى قوة صبرهم على مناخ الصحراء الصعب، فضلا عن معرفتهم بموارد الماء وإتقانهم عملية الاهتداء بالنجوم ليلا.
تقسيمات فئوية وتوزيعات قبلية
يتميز مجتمع الطوارق بتعدد طبقاته الاجتماعية، فتختلف كل واحدة منها عن الأخرى، بحكم التخصص والانتماء والوظيفة، استنادا إلى تسلسل هرمي يضع طبقة "إيماجغن" في القمة، وهي طبقة السادة الأقوياء الذين يتحملون مسؤولية حماية باقي الفئات.
وتأتي من بعدهم طبقة "إينسلمين"، التي تقتصر مهمتها على التعليم والتعلم والأمور الدينية، وتليها طبقة "إيمغاد" الثرية، والتي تدفع المغارم لطبقة السادة بحكم امتلاكها الثروات، وتأتي بعدها طبقة "إينادن"، وهي طبقة الصناع التقليديين.
ثم تأتي طبقة العبيد أو الرقيق المحررين، وتسمى طبقة "بزوس"، وفي قاعدة الهرم توجد طبقة "إيكلان" وهي طبقة العبيد الذين لم ينالوا حريتهم بعد.
وعلى مستوى التقسيم القبلي، ينقسم الطوارق إلى عدة قبائل موزعة على منطقة وجودهم بالصحراء الكبرى، ومنها "كَل تماشق" الذين يتحدثون الأمازيغية ("كَل" بلغة تماشق تعني "آل")، ويتشكلون من قبيلتين أساسيتين هما "كل أهغار" و"كل أجر"، ويعيشون في الجزائر وليبيا.
وهناك أيضا قبائل "كَل أيِّير"، "كل غريس"، و"أولمدن كل دنيك"، الذين يقطنون النيجر، و"أولمدن كل أتاريم"، و"كل تادمكت" أو "كل السوق"، و"كل آدغاغ"، بالإضافة إلى "كل أنتصر"، وكلهم في دولة مالي.
ويعيش جزء من الطوارق داخل خيام تنسج من الجلد وشعر الماعز، في حين الجزء الآخر منهم يقطنون بيوتا طينية توفر لهم مأوى آمنا، يقيهم حر أشعة الشمس القوية والمناخ الصحراوي القاسي.
لثام الطوارق
يشتهر مجتمع الطوارق ببعض العادات والتقاليد الضاربة جذورها في أعماق التاريخ، التي تميزه عن المجتمعات الأخرى، ومن بينها ارتداء رجالهم لثاما دون النساء.
ويعد ارتداء اللثام في عرف الطوارق واجبا على كل رجل بلغ سن الرشد (تحدثت مصادر عن ارتدائه في سن الـ15، وأخرى تتحدث عن ارتدائه في سن الـ18)، ويظل هذا اللثام، الذي يبلغ طوله أحيانا 4 أو 5 أمتار، يلازم الرجل الطوارقي طيلة حياته أينما حل وارتحل، ولا يظهر من وجهه سوى العينان وفي بعض الأحيان الأنف والفم.
وعلى عكس الرجال فإن نساء الطوارق لا يضعن اللثام على وجوههن، بل يغطين شعر رؤوسهن بقماش صحراوي غالبا ما يكون لونه أسود.
وتختلف الروايات حول أصل عادة ارتداء رجال الطوارق للثام، فتقول مصادر إنه يوضع درءا لأشعة شمس الصحراء الحارقة وعواصفها الرملية الهائجة بين الفينة والأخرى، وتقول مصادر أخرى إن وضعه علامة على الحشمة والوقار والحياء أيضا من الأهل والأصهار.
المرأة في مجتمع الطوارق
تحظى المرأة في مجتمع الطوارق بمكانة متميزة وتعامل باحترام كبير، وكلمتها مسموعة في كل ما يتعلق بشؤون الأسرة والمجتمع ككل.
وغالبا ما يفوق مستواها التعليمي مستوى الرجل الطوارقي، ويعود ذلك إلى كون الأم أو المرأة بشكل عام هي التي تعلم الأبناء، خاصة الفتيات، فتعلمهم الكتابة وتحفظهم القرآن.
وتعلم الأم بناتها أيضا كتابة الشعر وعزف الموسيقى والقيام بأعمال البيت، وقد يرجع ذلك إلى الغياب المتكرر للرجال عن القبيلة، بحكم ذهابهم في رحلات تجارية تستغرق شهورا عدة، وفي بعض الأحيان خروجهم للقتال.
إضافة إلى ذلك، تتميز مكانة المرأة داخل مجتمع الطوارق بانتساب الأبناء إليها، عوضا عن نسب أبيهم، كما يرث الأبناء مكانة أمهم الاجتماعية.
ويعود ذلك إلى بعض الموروثات الوثنية القديمة، التي تعود إلى زمن المجتمعات التي استوطنت منطقة الصحراء الكبرى قبل مجيء الإسلام، حيث كان الأبناء ينسبون لأمهاتهم ويتبعون عائلاتهن من جد وجدة وأخوال وخالات.
والمرأة الطوارقية هي التي تختار زوجها وليس العكس، ويذهب للعيش معها حيثما تريد هي، وغالبا ما يقيم معها بين أهلها، وإليها تعود ملكية البيت وما يحتويه من مواش ومتاع.
وللمرأة الحق كذلك في تزويج وتطليق نفسها، بل وتفتخر بطلاقها، وحينما تحصل على الطلاق تقيم حفلا كبيرا يحضره أفراد القبيلة، ويكون فرصة للخُطّاب حتى يتقدموا لها من أجل الزواج من جديد.
ويطلق على المرأة المطلقة كلمة "أحسيس"، والتي تعني باللغة المحلية المتحررة أو الحرة، أي التي تحررت من مسؤولياتها والتزاماتها تجاه الأسرة والمجتمع، وكلما تعدد زواج المرأة الطوارقية وإنجابها وطلاقها أيضا، كان ذلك مدعاة للفخر والاعتزاز لها ولأهلها، كون ذلك يسهم في إنجابها لرجال محاربين أقوياء، قادرين على الدفاع عن القبيلة والمجتمع ككل.
ونسوة الطوارق هن من يستقبلن الضيوف ويطعمن عابري السبيل، ويقمن بكل الأدوار التي تتعلق بالطقوس المحلية، والعادات والتقاليد وغيرها.
مقاومة الطوارق للاستعمار
إبان موجات الاحتلال الأوروبي للدول الأفريقية، التي انطلقت مع نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، قاوم الطوارق بشراسة كبيرة هذا الاستعمار، خاصة الفرنسي منه.
وكانت المقاومة على مستوى الدول التي يوجدون بها (مالي والنيجر وبوركينا فاسو والجزائر وليبيا)، وعرقلوا تقدم الجيوش الفرنسية التي اغتالت رئيسهم الأمنوكال (الشيخ) فهرون، قائد أولدمن (كل أترام) سنة 1916.
وبعد استقلال الدول الأفريقية من الاستعمار الفرنسي منتصف القرن العشرين، دخل جزء من الطوارق في علاقة متوترة مع الدول التي يعيشون فيها، مطالبين بما يعتبرونها حقوقهم السياسية والمدنية.
وفي سنة 1963، كان أول تحرك فعلي للطوارق بدولة مالي للاحتجاج ضد "التهميش" الذي يقولون إنه طالهم من حكومة الرئيس موبودو كايتا، وللتعبير عن مطالبهم السياسية وحقهم في امتلاك الأراضي وحماية هويتهم وخصوصياتهم الثقافية واللغوية، إلا أن حكومة مالي واجهت هذه الاحتجاجات بالعنف، وسجنت العديد منهم.
وزادت قلة الكوادر والكفاءات ذات الشهادات العليا داخل الطوارق من تهميش مطالبهم، وحال ذلك دون تقليدهم مناصب سياسية ورسمية داخل حكومات الدول التي يقيمون بها، فضلا عن استقرارهم بمناطق صحراوية ذات كثافة سكانية قليلة وبعيدة عن العواصم والمدن الكبرى، حيث تتخذ القرارات الرسمية.
ومطلع تسعينيات القرن العشرين، دخلت حركات طوارقية مسلحة في مواجهات مع الجيش المالي، قامت على إثرها الجزائر بدور الوساطة بين الطرفين.
وانتهت المفاوضات مع تلك الحركات بتوقيع "اتفاق سلام بتمنراست" يناير/كانون الثاني 1991، لكنه لم يُحترم من الطرفين وعادا إلى العنف، مما دفع آلاف الماليين إلى اللجوء إلى كل من بوركينا فاسو وموريتانيا والجزائر.
وفي النيجر، قام الطوارق في عهد الرئيس سيني كونتشي، خلال ثمانينيات القرن العشرين، بهجرة كبيرة إلى ليبيا.
وبعد موته سنة 1987، أراد الرئيس علي سيبو الذي خلف كونتشي، فتح صفحة جديدة مع المعارضة التي قادها الطوارق في ليبيا، غير أن مواجهات عنيفة حدثت بين الجيش النيجري والطوارق على خلفية قمع ساحق تعرضوا له.
وبعدما رأى الطوارق في النيجر أن الدولة ترفض تمكينهم من الاستفادة من عائدات صناعة اليورانيوم المزدهرة في البلاد، رغم الأضرار التي لحقت بأراضيهم جراء الصناعات التعدينية، عملوا على إنشاء حركة مسلحة سميت بـ"حركة النيجر من أجل العدالة"، استهدفوا من خلالها الشركات الأجنبية العاملة في النيجر ومستخدميها.
ونفذت "حركة النيجر من أجل العدالة" عديدا من العمليات العسكرية ضد الجيش، وأسقطت عديدا من القتلى، وأحدثت خسائر كبيرة في عدد من المنشآت الحكومية في البلاد.
أما في مالي، فقد أسس الطوارق "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" سنة 2010، وبدأ التوتر يتصاعد بينهم وبين الحكومة هناك، وخطفوا عددا من الجنود، وحاولت الحكومة المالية قمعهم والحد من خطرهم، لكن الحركة قويت أكثر بعد انشقاق عدد من الجنود ذوي الأصول الطوارقية من الجيش النظامي المالي.
وعام 2012، أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" -التي تطالب بحق الطوارق في تقرير مصيرهم- منطقة أزواد منطقة "محررة"، وذلك بعد مواجهات عنيفة ضد حركات إسلامية مسلحة، كانت تسيطر على شمالي مالي، لكن ذلك لم يحظ بتأييد أو تعاطف دولي كبير.
ورغم المبادرات السلمية التي تقوم بها عديد من دول الجوار، فإن وقف إطلاق النار بين الطوارق وجيوش دول المنطقة التي ينتشرون فيها لا يزال لم يجد طريقه إلى التنفيذ.