الزوارق المسيرة.. ثورة جديدة في عالم الصناعات العسكرية

A U.S. Navy L3 Harris Arabian Fox MAST-13 drone boat and the U.S. Coast Guard cutter USCGC John Scheuerman transit the Strait of Hormuz on Wednesday, April 19, 2023. The U.S. Navy sailed its first drone boat through the strategic Strait of Hormuz on Wednesday, a crucial waterway for global energy supplies where American sailors often faces tense encounters with Iranian forces. (Information Systems Technician 1st Class Vincent Aguirre/U.S. Coast Guard via AP)
أول استخدام معروف للزوارق المسيرة كان حين هاجمت بها البحرية الأوكرانية سفينة روسية عام 2022 (أسوشيتد برس)

قوارب ذكية ذاتية القيادة، لها أشكال وأحجام مختلفة، وتستخدم في مهام عدة؛ مثل المراقبة البيئية، كما تستخدم لأغراض عسكرية.

صُورت قوارب مسيرة عدة إبان الحرب الروسية على أوكرانيا، منها واحد قيل إن المياه جرفته إلى شواطئ شبه جزيرة القرم، التي تسيطر عليها روسيا، ومنذ ذلك الوقت بدأ الاهتمام بها يتزايد، وعُدت "أداة حيوية" لأوكرانيا في حربها مع روسيا.

زوارق حديثة

والزوارق المسيرة هي نوع حديث من السفن البحرية، يعمل على سطح الماء أو تحته، وهي شبه مستقلة عن القيادة الفعلية من البشر، وتعمل بأجهزة استشعار وأنظمة حاسوب متقدمة، يمكن برمجتها للتنقل لمسافات شاسعة، وتجنب العقبات في البحار.

ويُعرف هذا النوع من السفن الحديثة بأسماء عدة، منها الزوارق المسيّرة، ويُعرف كذلك بـ"القوارب دون قائد"، أو "السفن السطحية غير المأهولة".

وتُستخدم لأغراض مدنية تجارية، وأغراض عسكرية؛ مثل إزالة الألغام والمراقبة، وتنفيذ تفجيرات قرب أهداف العدو.

ومنذ ظهورها مثّلت الزوارق المسيّرة حقبة جديدة للحرب البحرية، خاصة بين روسيا وأوكرانيا، كونها منخفضة التكلفة، وشكّلت خطرًا متزايدًا على روسيا.

ويصعب اكتشاف الزوارق المسيّرة عبر أجهزة الرادار مقارنة بالسفن البحرية، لحركتها القريبة وارتفاعها المنخفض، وضوضائها القليلة.

وتقول كاتارزينا زيسك، أستاذة المعهد النرويجي للدراسات الدفاعية: "في حين أن أوكرانيا ليست لديها قوة بحرية كبيرة، فإن زوارقها البحرية المسيّرة منعت روسيا من السيطرة الكاملة على البحر الأسود".

ونال هذا النوع من الزوارق اهتمامًا كبيرًا في الولايات المتحدة الأميركية، كونها أحدث أسلحة إستراتيجية للبحرية الأميركية.

وفي عام 2022، تلقّى السرب التابع للبحرية الأميركية نماذج أوّلية للزوارق المسيّرة، وفي تلك الأثناء كانت تختبر سفنًا صغيرة تبدو مثل الزوارق المسيّرة -أيضًا- في الخليج العربي.

ميزات الصنع وآلية العمل

يبلغ طول الزوارق المسيّرة المصنوعة في أوكرانيا نحو 5 أمتار، ووزنها 1000 كلغ، وحمولتها من المتفجرات تبلغ 300 كلغ، وقد تبحر إلى مدى يصل إلى 800 كلم.

وتبلغ سرعتها القصوى 80 كيلومترًا في الساعة، وتتجاوز كل المركبات البحرية في البحر الأسود، ويمكن لهذه الزوارق الهجوم وتنفيذ عمليات أخرى؛ مثل المراقبة والاستطلاع.

ومن ميزات الزوارق المسيّرة عملها في حمل المتفجرات المدمجة، واحتواؤها على آلات تصوير يمكن التحكم بها عن بُعد، وقدرتها على تنفيذ الأدوار الهجومية والدفاعية.

وعادة ما تعمل الزوارق المسيّرة عن بُعد، وتكون مبرمجة ومحددة الهدف قبل إطلاقها، وعُرضت واحدة من أحدث الإضافات للصناعات الحربية في معرض للصناعات العسكرية في إسطنبول.

ويمكن للزوارق المسيّرة مشاركة البيانات، وبث مرئيات لاستشعار بعضها بعضًا، وتستطيع المساعدة في استهداف مواقع الأسلحة الساحلية، عبر البيانات التي تقدمها، كما يمكن استخدامها في نطاقات واسعة، ونقلها بسهولة من منطقة إلى أخرى.

وتحتوي هذه الزوارق على هوائيات مرئية، ما يشير إلى عدم استغنائها الكلي عن التحكم البشري، عبر اتصالات عالية التردد، أو الأقمار الصناعية، وتوفر لها الاتصالات المشفّرة الحماية.

ولعدم اعتمادها في المسح وتوفير البيانات على عنصر بشري على متنها، توفر الزوارق المسيّرة فرصة الفحص في المناطق الخطرة، كما يقلّل ذلك التكاليف.

عيوب الزوارق المسيرة

للزوارق المسيّرة بعض العيوب، منها ضيق مجال رؤية أجهزة الاستشعار الموضوعة عليها، ما يصعب معه تتبع الأهداف المتحركة لعدم دقة بيانات الموقع، بالإضافة إلى اكتشاف السفن المموّهة.

ومن عيوبها كذلك الحاجة إلى الاتصال المتواصل عبر آلات التصوير مع وحدات التحكم لتوجيهها إلى الهدف، وقد يعرّض أي عطل في المرئية المهمة للخطر.

وتعدّ الزوارق المسيّرة عرضة للاختراق والاستغلال السيبراني، عبر سلاسل الأجهزة والبرامج، وهو ما حاولت روسيا القيام به تجاه الزوارق المسيّرة الأوكرانية.

ولأنظمة التشفير التي توفر الحماية للاتصال والتحكم بالزوارق المسيّرة عيوبها -أيضًا-، أبرزها تعرضها للإخفاق في تحميل مفاتيح التشفير، ما يعطّل عملية الاتصال.

In this image provided by the U.S. Navy, a Saildrone Explorer, front to rear, a Devil Ray T-38 crewless vessel, a littoral combat ship, and a U.S. Coast Guard cutter sail in the Arabian Gulf, on June 26, 2022. The Navy is expediting development of drone ships aimed at expanding the reach of offensive firepower while keeping sailors on traditional warships farther from harm's way. (U.S. Navy photo by Chief Mass Communication Specialist Roland A. Franklin via AP)
تركيا بدأت في تطوير سرب زوارق مسيرة من المتوقع وصولها إلى سرعة 74 كلم في الساعة (أسوشيتد برس)

وفي حال الاستيلاء على الزورق المسيّر، بإمكان الطرف الاخر الوصول إلى الأقمار الصناعية، واختراق المفاتيح والأنظمة.

وبعض عيوب السفن السطحية غير المأهولة تتعلّق بالظروف حولها، فالرياح والأمواج قد تؤدي إلى تدهور سريع وشديد في أنظمتها الهندسية، وهذا خطير مع عدم وجود أشخاص على متنها لإجراء الإصلاحات.

وتقول البروفيسورة زيسك إن الزوارق المسيّرة ليست ثورة حتى الآن، ولا تزال في المرحلة التجريبية.

ورغم هذه العيوب، فإن الحرب في أوكرانيا منحت الزوارق المسيّرة اهتمامًا دوليًا، ودفعت بالقوات البحرية الأخرى إلى تطوير هذا النوع من الأنظمة، ولفتت النظر لما ينفذه من عمليات، حسب ما قالت زيسك.

إضافة إلى إشارة بعض الأبحاث الأكاديمية إلى أن "الدعاية للثورات في الشؤون العسكرية عادة ما تكون مبالغًا فيها"، خاصة عندما تكون من مصنّعي الأسلحة، ما يجعلها مثارًا للشكوك، رغم محاولة جهات عدة إقناع الجيوش والكونغرس الأميركي بأنها هي المستقبل.

دول بدأت في تطوير زوارق مسيرة قتالية

من الدول التي بدأت مؤخرًا في تطوير زوارق قتالية مسيرة؛ إسرائيل وتركيا وروسيا، وتستخدم إسرائيل بالفعل هذه الزوارق في مراقبة البحار.

وفي تركيا أعلن إسماعيل دمير، رئيس الصناعات الدفاعية عن بدء مشروع جديد، عبارة عن سرب "SİDA" (المقاتلات البحرية غير المأهولة). وأكّد دمير أن بلاده تطور بسرعة هذا المشروع، الذي نجح زورقان منه بمقياسين مختلفين في الاختبار الميداني.

وأوكل تنفيذ المشروع إلى شركة "أسيلسان"، ومقاولين من شركات أخرى متوسطة وصغيرة.

ومن المتوقع أن يتمكّن سرب المركبات البحرية المسيّرة التركي، المكوّن من طرازي "ألباتروس-إس" (ALBATROS-S) و"مير" (MİR)، من الوصول إلى سرعات تزيد عن 74 كلم في الساعة، كما أنه مصمّم للعمل لأيام عدة دون الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود.

وفي نهاية عام 2020، تمكّنت شركتا "ميتيكسان" للصناعات الدفاعية، وحوض بناء السفن "آريس" التركيتان، من صناعة نموذج أوّلي لزورق مسلح غير مأهول مسيّر يحمل اسم "ULAQ" (أولاك).

وأنتج الزورق من مواد جديدة ومركَّبة متطورة ومجهزة برشاشات من عيار 12.7 ملم، وقادر على حراسة ومراقبة مياه "الوطن الأزرق" التركي بأجهزته وأنظمته المتطورة، فضلًا عن أنظمة الاتصالات المشفّرة محلية الصنع، وقدرته على المراقبة الليلية والنهارية.

الزوارق المسيرة في الحرب

استخدمت أوكرانيا الزوارق المسيّرة لصدّ الهجمات الروسية البحرية، ومراقبة تحركات الجيش الروسي في البحر الأسود، ومهاجمة السفن الروسية.

وكشفت أوكرانيا -مؤخرًا- عن نموذج أوّلي لقوارب مسيّرة تحت البحر تسمى "تولوكا تي أل كي 150" (Toloka TLK-150)، بالإضافة للقوارب المسيّرة التي تعمل على سطح البحر.

ودعا الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي إلى تطوير أسطول من الزوارق المسيّرة، بمساعدة حملات التمويل الجماعي من منصة حكومية لجمع التبرعات، وعادة تصنع هذه الزوارق من معدات جاهزة للاستخدام التجاري، وليس العسكري.

وقال نائب الأدميرال أوليسكي نيزبابا، قائد البحرية الأوكرانية، إن تلك الزوارق بإمكانها المشاركة في الاستطلاع بعيد المدى، ومراقبة النشاط الساحلي، ومرافقة ودعم الأسطول التقليدي وقوافل السفن التجارية.

وبإمكان الزوارق المسيّرة كذلك تعديل الضربات الصاروخية والمدفعية، وحماية القواعد العسكرية الأوكرانية، ومواجهة العمليات البرمائية التي بدأت روسيا بالفعل في شنّها.

وقالت وسائل إعلام روسية وبعض المدونين الروس، إن روسيا استخدمت هي الأخرى هذا النوع من القوارب في هجوم على جسر في مدينة أوديسا الساحلية.

ونفّذت الزوارق المسيّرة الأوكرانية إبان الحرب الروسية على أوكرانيا ما لا يقل عن 12 هجومًا، استهدفت بها السفن العسكرية وميناء نوفروسيسك.

وأكّدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إمدادها أوكرانيا بسفن سطحية غير مأهولة، وهي مصمّمة لمساعدة القوات الأوكرانية في تلبية احتياجاتها الدفاعية على السواحل، ورفض المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي الحديث عن قدرة هذه الزوارق بالتحديد.

وفي مايو/أيار 2023، ظهرت لقطات لزوارق مسيّرة تقترب من سفينة الاستخبارات الروسية إيفان خورس، ولم يتضح في تلك اللقطات إن كانت السفينة تضررت أو لا.

وتقول المصادر الروسية إن الحادث وقع على بعد 90 ميلًا شمال مضيق البسفور، أي على بعد حوالي 120 ميلًا من الساحل الأوكراني، ما يؤكّد إمكانية قطع هذه الزوارق لمسافات طويلة.

كما شاركت الزوارق المسيّرة الأوكرانية خلال يوليو/تموز 2023 في استهداف جسر مضيق كيرتش، الذي يعدّ شريان الإمداد للقوات الروسية، ما أدّى إلى تدمير جزء منه.

وهاجمت 7 سفن غير مأهولة أوكرانية ميناء سيفاستبول، الواقع في شبه جزيرة القرم في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022، ليكون بذلك أول هجوم معروف يستخدم السفن السطحية غير المأهولة.

وتضرّرت في ذلك الهجوم ثلاث سفن روسية على الأقل، ما جعل روسيا تعزّز دفاعها بشكل كبير، وخلّف صدى تلك اللقطات المنشورة على الإنترنت "تمجيدًا للثورة البحرية الأوكرانية"، ودعا ناشطون ومهتمون لحملة تمويل جماعي لبناء أسطول مستقل لأوكرانيا.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية